أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

الشعب الحلم... حسن بلال التل

أقسم أنني ما عدت أعرف رأسي من قدمي في بلدنا، ففي كل يوم ارتفاع جديد وتحرير جديد والأوضاع الاقتصادية من سيّء إلى أسوأ، والحجة مصلحة الوطن والمواطن، أي مصلحة هذه في إلهاب سعير الأسعار وزيادة الفقراء عدداً وفقرا؟، خط الفقر وصل إلى 700 دينار، ودراسات تقول أنه وصل 900 وألف، بينما متوسط الرواتب هو 350 ديناراً، أي أن الأسرة يجب أن يكون فيها فردان عاملان يكسبان المتوسط أو ما فوقه على الأقل، حتى يسموا فقراء بينما الواقع يقول أن أغلب الأسر فيها مُعيل واحد، خصوصاً في ظل أن عمالة المرأة الأردنية بالكاد تصل إلى 15، مما يجعل معظم الأسر تعيش دون خط الفقر المدقع.

وفي اليد الأخرى نرى إثراء غير معقول من قبل البعض وجحافل من القصور والسيارات والبذخ، الذي وصفه أحد خبراء علم الاجتماع ''بالثراء الاستفزازي الذي يهدد منظومة الأمن الاجتماعي''، يجتاح شوارع عمان وعدد من مدن المملكة في ظل غياب للخلق العام الذي يفرض الاحترام والتعاطف والشعور مع الآخر.

الحكومات تدعي أن هذا هو خيار عالمي يفرض علينا الالتزام بسياسة السوق المفتوح، لكن المشكلة أن هذه السياسة لا تنعكس إلا على الأرباح الإجمالية للأفراد والشركات و''رُزم'' الدنانير والدولارات التي تكدس في البنوك والخزائن الخاصة، فيما المواطنون والموظفون وصناع هذه ''النجاحات الاقتصادية'' و''الرُزم'' من عمال وصغار موظفين سواء حكوميين أو قطاع خاص لا يرون من الفائدة شيئاً.

لست معترضاً على الرأسمالية؛ فهي مبدأ اقتصادي قائم ومتكامل، تماماً مثلما هي الاشتراكية والشيوعية، لكن المشكلة عندما نبدأ بالعمل على طريقة من كل بستان زهرة لصالح نفع الأفراد على حساب النفع العام، عندما اخترع الاقتصاديون ما يُعرف بالنظام الاقتصادي المختلط، كان هذا الخلط هدفه خدمة الأفراد وكان نظاماً متكاملاً أيضاً، لكن أن نعمل بلا خطة ومخطط لأن فلاناً يريد والجهة العلانية ترغب فهذه مصيبة.

النظام المختلط يقول أن تسمح الحكومات بعمل الرأسمالية ضمن مظلة اشتراكية بحيث تحمي المواطن وقوته ودخله، لذا يكون السعر بلشفياً والراتب بلشفياً، ويبقى التاجر محتفظاً بأرباحه والدولة محتفظة بوضعها كمراقب عام وحام للجميع، لكن أن يصبح الراتب بلشفياً والسعر رأسمالياً والتاجر يتحول إلى باب من أبواب سقر التي لا تبقي ولا تذر وتتحول الحكومات إلى تاجر يشد من أزر تجار السوق، وتحابيهم معتبرة جيب المواطن وممتلكات الوطن جزءاً من رأسمالها الشخصي الذي تفعل به ما تشاء؛ فهذا ما يضع العقل في الكف.

والمصيبة الأكبر أن الكل يشكو: المواطن يصيح لأنه لم يعد قادراً على تأمين الخبز والسكر وكوب الشاي، والمسؤول يصيح لأنه يريد أن يدخل المزيد إلى الخزينة، ولم يعد يجد ما يُباع ويخصخص، ولم يعد هناك ما لم يفرض عليه ضريبة إلا الهواء الذي نتنفسه، والتاجر يصيح لأنه يريد المزيد والزبون ما عاد قادراً على أن يدفع أكثر لأنه لم يعد يجد ما يدفع به، فحتى الشرف والأخلاق بخس سعرها، فلم تعد تشتري الكثير، والمنظومة المعيشية انقلبت فبدل أن نرى أن الكل مرهق نتيجة تكالب الظروف، أو على الأقل أن المواطن أكثر راحة من الوضع الحكومي العام أصبحت الحكومات ووزراؤها ومحاسيبها يرتاحون على حساب إرهاق المواطن، فأصبحت الرواتب والمخصصات الحكومية ''للبعض'' تفوق أضعاف ما يحلم به موظف قطاع خاص من موظفي الشركات الضخمة، وحتى أن بعض التجار لا يحصل في شهر ما يحصله بعض المسؤولين في بضعة أيام من رواتب وعلاوات ومياومات وتعيين بعقود خيالية، بل حتى أن المباني الحكومية التي الأصل فيها أنها مرافق وظيفية بُنيت لأداء خدمة، تحولت إلى مبان فندقية فيها من مظاهر ''الفخفخة'' ووسائل الراحة ما يفوق فنادق الخمسة نجوم..

المصيبة العظمى في كل هذا أن ما ننام فيه نصبح فيه بلا تغيير؛ فالكل يفيق في الصباح وهو يسب الغلاء، ويلعن تردي الأوضاع وينام في المساء وهو يغني نفس الموال، لكن لا تراكم ينعكس من هذا على ذاك، وكأننا نستيقظ كل يوم في عالم جديد، وكأن الغلاء يهاجمنا كل صباح لأول مرة، والفساد نتعرف عليه صباحاً ونقضي عليه مساءً، لنفيق في اليوم التالي على معرفة جديدة.

البعض يقول: إن كثرة هذا الضغط ستولد الانفجار، لكنني أحب أن أطمئنهم لن يحصل شيء، فنحن كلما انضغطنا تصبح بطوننا أكثر اتساعاً لاستقبال ضغط جديد، لذا فقد صنفنا بأننا الشعب الذي تحلم به كل الحكومات...

[email protected]

(120)    هل أعجبتك المقالة (105)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي