أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

شاهد عيان يروي تفاصيل مؤلمة من مجزرة الخالدية الكبرى

الثالث من شباط عام 2012 تاريخ لن ينساه الحمصيون وأهل حي الخالدية بالذات، لأنه ارتبط بمجزرة كبرى راح ضحيتها مئات الشهداء وعشرات الإصابات، وتحولت فيه منازل الأهالي إلى أكوام من الحجارة، فلم يكد أهالي الحي ينتهون من احتفالهم بتحرير حاجز باب الدريب، حتى انهالت عليهم قذائف الهاون التي استخدمتها قوات النظام لأول مرة لتحيل الفرحة إلى أحزان ودماء وأشلاء امتلأت بها أزقة الحي الذي لا يبعد عن وسط المدينة إلا مئات الأمتار، وعند سقوط القذيفة الأولى على أحد الأبنية أوقعت على الفور 6 شهداء لم يكترث الأهالي بها وبخاصة المناطق البعيدة عن المبنى لظنهم أنها إحدى القنابل الصوتية التي ألفوا سماعها، وبعدها بقليل سُمع انفجار هائل هزّ الحي بأكمله وبدأت أصوات البكاء والصياح تشق فضاء المكان ونزل عشرات السكان لمعرفة السبب ومن بينهم كان هناك شخص يركض ويصرخ في الشارع على أهالي الطوابق العليا أن ينزلوا إلى الأسفل، وسرعان ما أُمطر الحي بقذائف جديدة ليتساقط المزيد من الشهداء والجرحى، وبدأت المساجد بالتكبير ودعوات التبرع بالدم والشاش والقطن، ولم تهدأ أصوات انفجار القذائف حتى الساعة الرابعة فجراً لتنكشف بعدها الصورة المروّعة لما جرى، إذ سقط أكثر من 250 شهيداً ما بين أطفال ونساء ورجال، وأحدثت قذائف الغدر دماراً هائلاً في الحي إذ تهاوت مبان بأكملها على رؤوس ساكنيها.


الناشط أبو الحسن بالله الجندي أحد شهود العيان على مجزرة الخالدية وممن ساهموا في إسعاف الجرحى والمصابين ونقل القتلى روى لـ"زمان الوصل" تفاصيل ما جرى ذلك اليوم الدامي قائلاً: 
في الساعة 8 الثامنة من مساء 3/2/ 2012 وبعد انتهاء المظاهرة المسائية التي أقيمت بعد تحرير حاجز باب الدريب في حديقة الحرية، كانت الفرحة تغمر الجميع وبدأ الشبان بالتفرق والرجوع إلى بيوتهم فتفاجأ الأهالي بصوت قوي يرجّ الحي، ولم يكن الهاون مستخدماً آنذاك من قبل النظام، وهنا بدأ الأهالي بالتحري لمعرفة سبب هذا الانفجار فذكر أحد الشبان بأن قنبلة صوتية سقطت في منزل (بيت وشاح) مقابل حلويات الهدى، وبدأ المسعفون بالتوجه إلى هناك، وكنت واحداً منهم، وعندما دخلنا إلى ذلك المنزل لإسعاف الجرحى لم نرَ إلا أشلاء ممزقة لأطفال ونساء ذلك البيت حتى أن أحد المسعفين خرج مصعوقاً وبحالة يرثى لها لهول ما رأى، وقال لي "عمي شو بدي شيل لشيل الإيدين أوالرؤوس أو الرجلين"، وراح يبكي بحالة هستيرية فأخذته بأحضاني، وابتعدت عن مكان سقوط القذيفة وبعد ثوانٍ سقطت قذيفة ثانية وثالثة في نفس المكان، وأدت هذه القذائف إلى حصول المجزرة الكبرى.

العودة إلى حمص !
ويضيف الجندي: ذهبت بعدها إلى مستودع الأدوية لإحضار الدواء للمشافي الميدانية وبعد عودتي سقطت أربع قذائف أخرى في أماكن متفرقة من الحي، وكان الناس في حالة تجمع ونشاط وتبرع بالدم وإسعاف للمصابين، ورأيت الأشلاء والدماء في الشوارع، وهكذا كانت تلك الليلة السوداء في حي الخالدية، وبعدها بدأنا بإسعاف الجرحى ومتابعة احتياجات الأهالي، وتنقلنا ما بين المشافي الميدانية والمشافى الخاصة، ومنها مشفى الأمل القريب من الحي الذي كنت أتنقل بين أجساد الشهداء من الأطفال والنساء والشيوخ وصراخ الأهالي وبكائهم، وبحسب الإحصائيات الأولية –كما يقول الجندي- استشهد حوالي 265 شهيدا تم توثيقهم بالاسم وأكثر من مئتي إصابة ما بين البليغة والمتوسطة والبسيطة وهناك من فقد يده أو رجله وثمة إصابات في الرأس.

وفي اليوم التالي تم تشيع الشهداء من قبل أهالي حمص جميعا وبوجود حشد هائل من الأحرار ولكنني أصبت بطلقة قناص أتلفت أمعائي الغليظة والدقيقة وكليتي ودخلت في حالة إنعاش وكان هذا القناص يستهدف كل سيارات إسعاف الجرحى حتى أن عدداً من المسعفين أصيبوا أثناء عملهم، وتأخر الهلال الأحمر في الدخول إلى الحي والقيام بعمله بسبب هذا القناص اللئيم. 

ويضيف الناشط أبو الحسن الجندي: تم تصوير مشاهد حقيقية لما جرى في حي الخالدية آنذاك في فيلم (العودة إلى حمص) الذي صوره "عروة نيربية" و"طلال ديركي"، وكذلك وثق المعتقل البطل "أسامة الهبالي" بكاميرته جوانب مما جرى يوم المجزرة، ولم نعرف مصير الفيلم بعد اعتقاله. 


متظاهرون حول الساعة !
وحول مصدر القذائف التي انهالت على حي الخالدية أثناء المجزرة يقول الناشط الجندي: 
كانت هذه القذائف تطلق من فرع المخابرات الجوية لأن اتجاهها كان من طريق حماه وكانت المرة الأولى التي يستخدم النظام فيها قذائف الهاون وقبل وقوع المجزرة تلقينا تهديداً من رئيس فرع المخابرات الجوية العميد جودت - بإزالة مجسم الساعة الذي كان يلتف حوله المتظاهرون من مكان التظاهرات، وإلا سيقومون باقتحام الحي بوجود المظاهرة لأن هذه تحولت إلى رمز للثورة في حمص ومجزرتها الكبرى وكان شبان الخالدية قد أعادوا تصنيعها بإتقان واضح وبحجم أكبر. 

وأذكر يومها أن شبابا كانوا يضعونها بمكانها تم إطلاق النار عليهم من قبل قناص كان مزروعاً في الحي وإلى الآن لم نعرف مصدر النيران واستشهد أحد الشباب يومها وأصيب آخر، علماً أن ساعة حمص الجديدة تحمل رمزية خاصة لأهل حمص ولأن الكل كان يتمنى أن يكون تجمع التظاهرات في ساحات حمص، وعندما أصبح الوصول إليها محفوفاً بالمخاطر تم إيجاد مكان شبيه بالساعة في أغلب أحياء حمص بداية من حي الخالدية وتم إيجاد مجسمات للساعة كانت تعبر عن سلمية الثورة مقتدية بما يقوم به الشعب المتمدن والحكومات الديمقراطية ولكن همجية النظام فرضت على الأحرار تشكيل مجسمات الساحة حمص.




فارس الرفاعي - زمان الوصل
(290)    هل أعجبتك المقالة (284)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي