أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

انهيار المفاهيم النمطية

العدو: هناك عادة صورة نمطية في كل ثقافة عن العدو والصديق، لكنها تنهار بسبب الحرب الأهلية، وهذا ما حصل للشعب الأردني واللبناني والعراقي بنتيجة هذه الحروب، وهو ما يحدث للشعب السوري الآن... من هو العدو الحقيقي والفعلي للشعب السوري؟. أليس من يقتل ومن يخطف ومن يسرق ومن يقصف ويهجر....
الخيانة: بعد أن قصف الجيش العربي السوري الممانع والمقاوم القرى والمدن السورية بكل أسلحة الدمار وعلى مدى ثلاث سنوات، وقام الأمن السوري بتعذيب مئات الألوف من أبناء شعبه وقتلهم، وبعد أن تنطحت مليشيات محلية من عرب وسوريين وأكراد وسنة وشيعة وعلويين لارتكاب أبشع المجازر والفظاعات، وبعد كل هذه الخيانات التي جرت على أيديهم وبمساعدتهم وإشرافهم وسكوتهم، هل تركوا خيانة ليتهموا بها غيرهم؟؟

خيانة الشرف والوطن والإنسانية هي في الاستمرار في هذه الحالة لسنوات عديدة (تكون فيها سوريا ساحة استنزاف لروسيا وإيران) !! .. أليست الخيانة هي عدم البحث عن وسائل عملية لخلاص شعب كامل يرزخ تحت الموت والحصار وذل المخيمات.

أليست الخيانة أن ننشغل عن هموم الناس وواجباتنا تجاهها بالتنازع على الكراسي والمنافع في فنادق الدول، ونهدر أموال الشعب والإغاثة، ونتضارب ونتنازع والناس تموت، ثم نزاود عليهم بانتصاراتنا الشخصية لأننا بقينا على الكراسي، إن انعدام روح المسؤولية الحقيقية والانشغال عنها، والتغطي بالمزاودات هي صفة الخائن الذي ينفذ كل ما يطلب منه سرا، ولا يجرؤ أن يعلن عما يفعل. 

الخيانة أن نسرق أموال اليتامى والجرحى والمحاصرين. ونرفض حتى مكاشفة مالية، أن نطلب السلاح لحماية الشعب ونبيعه لمن يقتل هذا الشعب ...

القضية: ما هي القضية اليوم؟ أن يقتتل السني والشيعي والعلوي وأن ندمر القرى ونهجر السكان، ونقيم سلطات التشبيح والتكفير، هذا يرتكب المجازر باسم الوطنية والحسين ويخون ويعدم، والآخر يكفر ويقطع الرؤوس ويقيم سلطته كإله يحيي ويميت على الأرض؟ أروني قضية أو مشروعا في هذه الفوضى العارمة التي ضيع فيها الجميع بوصلتهم.

المحتل والغازي والتوسعي: نعم بنتيجة الحربين العالميتين حدثت هجرة يهودية، وقامت دولة "إسرائيل" التي احتلت فلسطين والجولان، لكن هذا حدث منذ عقود ولم نفعل شيئا لتحريرها، بل كان السلام خيارنا الاستراتيجي دوما، وهو خيار المعارضة أيضا، الذي لم تحيد عنه، وبنينا جيشا عرمرما لكننا قتلنا به، أي أن استراتيجيتنا العسكرية قد انهارت تماما علي الأقل لسنوات طويلة. وسوريا المدمرة بحاجة لفترة طويلة من البناء قبل أن تفكر بأي مشروع آخر ..

اليوم الجيش السوري هو المحتل الفعلي، وكذلك المجاهد الغريب .... ومليشيات حزب الله والجنود الإيرانيون والمليشيات العراقية هي المحتلة، وهي من تهجر وتقتل وتزيل القرى وهي من سيستوطن فيما بعد، وموضوعها ليس محصورا في مستوطنات عند الشريط في الجنوب، بل في وسط دمشق وحمص وحلب وحماه والحسكة.

الخطر التوسعي الإسرائيلي محدود بقدرتها البشرية، بينما خطر المشروع الفارسي يشمل العراق وسوريا ولبنان ودول الخليج كلها، وانتصار مشروع الهلال الشيعي سيعني تقويض الوجود العربي في المنطقة وخضوعهم لفترة طويلة من الاستعمار الفارسي والاضطهاد المذهبي.
الواقع والعقل:

يستطيع المرء رسم لوحة جميلة والمطالبة بها كصورة عن إرادته، ولكنه يصعب عليه أن يجسدها واقعا، فالواقع مبني على التناقض والتصارع والوحدة، فكل الأمور يختلط طيبها بمرها وجميلها بقبيحها حتى الإنسان نفسه له جسد حيوان، وكل شيء متغير ومتبدل في ما يتعلق بالحياة المجتمعية والسياسية. وليس الموضوع أن نلون أنفسنا نمطيا لنصبح سياسيين فهي صفة الحزبي المؤدلج، وليس السياسي الذي يقلب في الأوراق المختلفة لإيجاد حلول واقعية ومخارج ممكنة لكل أزمة أو قضية.

نحن قد جربنا كل الخيارات ومشينا بها حتى آخرها، حتى ظن البعض أننا نتقلب، وهو في الواقع تجريب خيارات وليس تغيير هوية لأن قضية إسقاط النظام هي ثابتة دوما والطريقة لذلك تختلف، فجربنا طريق الإصلاح من الداخل سنوات، ثم التغيير السلمي سنوات، ثم اندلعت الثورة ولم يستجب النظام وعاث قتلا، وحمل الشعب السلاح للدفاع عن نفسه، ومشينا في هذا الخيار، وانتظرنا مؤازرة ودعما خارجيا، من دون فائدة، فجاء الدعم للنظام والمتطرفين فقط، ثم مشينا خلف الديمقراطيين والعلمانيين لقيادة المعارضة عسى أن يرضى الغرب فلم نفلح أمام بلادتهم، ومشينا خلف أزلام الخليج طمعا في الحصول على دعم مجزٍ فلم نفلح في تحريض نخوتهم.

ثم أعطينا التيارات الجهادية الفرصة لقيادة المرحلة أملا في قدرتهم على تغيير المعادلة العسكرية، فتقاتلوا مع بعضهم وتركوا النظام وسلموه الجبهات، وعاثوا فسادا وقتلا وتشويها للدين وللثورة، وقدموا نموذجهم عن الخلافة والدولة الإسلامية الذي أذهل العالم. ماذا نفعل ..؟ ننتظر عشر سنوات أخرى كما يقول الخبراء، بماذا سنرد على كل سوري نلتقيه....؟ ننتظر حتى ينقرض الشعب، ويستبدل العربي بالإيراني و السوري بالأفغاني والشياشاني والحوثي، أم نصالح النظام لكي يمارس علينا كل أنواع الغطرسة ويقتل أولادنا تباعا .. ماذا قدمت لنا جنيف، وكل الجهد الدولي المشكور .. لقد فرّطنا هناك بكل ثوابتنا وبكل شيء دون الحصول على شيء، أي أننا ما نزال نمارس تجارة سياسية خاسرة ضمن العقل النمطي السابق..

العالم يتحرك والتوازنات الدولية تنتقل بسرعة وشاهدنا التقارب الإيراني -الأمريكي -الغربي الذي من شأنه مع بقاء المشروع الفارسي أن يهدد وجودنا ومصيرنا كعرب بشكل خطير ويخل بتوازنات المنطقة، فقد كانت إيران ضعيفة عندما لم تكن علاقتها بالغرب جيدة، لكن الآن ستجتاح الأخضر واليابس بعد أن أحكمت قبضتها على العراق ولبنان وغدا سوريا، وتخلت عن عدائها لإسرائيل، و"إسرائيل" ستستمر في التآمر علينا طالما نحن نفكر في الحرب معها.. وهي قادرة على توجيه دفة المنطقة، وتجد دوما الشركاء في الحرب علينا.. لكنها قد تفكر في السلام والاستقرار لو قدمنا فرصة واقعية له.

بنتيجة اجتماع واشنطن صنفت المجموعات الجهادية الإسلامية وبعض الجبهات المتشددة تحت باب الإرهابية أو المشتبه بها، وتقرر وقف الدعم عنها ومحاربة بعضها، مما سيقدم أكبر فرصة للنظام بتحقيق النصر على الثورة والشعب، وبحساب ميزان القوى على الأرض ونزول الفارسي والعراقي بأعداد كبيرة وبوقاحة، نحن نتخوف من هزيمة سيكون ثمنها باهظا جدا ضمن ميزان القوى والحالة الدولية الراهنة.. وهذا يجبرنا على العمل على قلب التوازنات الراهنة التي تميل بشدة ضدنا. فكان لابد من التفكير في إمكانية النجاح بلعب ورقة التطبيع والسلام، فهي المتاح الوحيد في هذا الظرف.. وإذا كان لدى أحدهم سيناريو آخر فليتفضل به.
وقد جاءت الفرصة مع انهيار التفاهم الروسي الأمريكي بسبب ثورة شعب أوكرانيا، لنستفيد منها بطرح مشروع استقرار وسلام متوازن ويلبي مطامح الجميع، ولا يتجاوز مبادرة جامعة الدول العربية وما فعلته بقية الدول العربية بما فيها فلسطين، قدمنا مقترحا قد يمكنه أن يقنع من هو قادر على حشد التأييد الدولي.
ما هو الفرق بين حظر جوي يقوم به الناتو أو عضو منه، ما هو الفرق بين مساعدة إنسانية تأتي من هولندا أو من بقايا عرب فلسطين والجولان، أعتقد أن عرضنا هو أقل ثمن يمكن تقديمه... و هم قد لا يقبلون به.

أنا سياسي وواجبي تجاه الناس، وما يسألنا عنه الشعب هو إيجاد حل، لقد صبروا حتى نفذ الصبر وجاهدوا حتى قاربوا الصحابة، وتهجروا حتى صاروا أكبر نكبة.. والأمور تسير من سيء نحو الأسوأ وقبل أن نخسر المعركة ضمن التوازنات الحالية التي ليست في صالحنا، علينا الخروج من النمطية العقلية والمزاودات والتجارة، والبحث عن حلول في مكان آخر، والتفكير بالخروج خارج المعادلة الخاسرة، ماذا كانت فائدة العداء الكلامي والشعاراتي لإسرائيل، كان فقط يخدم النظام وإيران الذين يتوددون ويتقربون سرا وعلى حسابنا، البعض يطبع مع النظام وروسيا وإيران المحتل والمالكي ومليشياته، والبي واي دي ومجرميه، وحزب الله القاتل مرتكب المجازر، ويتهم الآخرين بالتطبيع.

يقولون تطبيع وهل الشعب الفلسطيني لم يطبع قبلنا، يقولون خيانة من سلم الجولان وعمل على حراسة الاحتلال، التحالف الدرزي السني أليس تحالفا تاريخيا وأخلاقيا وفي صالح الطرفين، أم الأفضل الاستمرار في إثارة التنازعات وتشكيل دولة درزية تحمي شمال "إسرائيل" وتقاتل عنها أبناء المنطقة الآخرين، التعاون مع عرب "إسرائيل" أليس فيه أهم عنصر استراتيجي مفيد في كبح جماح عدوانية الكيان، هل قلنا لهم خذوا الأرض، أرسلوا جنودكم، قلنا لهم الجولان حديقة سلام، تفتح أمام جميع الشعوب لتتعارف كشعوب. قلنا حماية المدنيين، وحظر جوي؟ ألم يطالب الشعب السوري بذلك منذ بداية الثورة، وما الفرق بين الناتو و"إسرائيل"، أو بين أمريكا و"إسرائيل"، هاتوا فارقا واحدا سوى أن أمريكا بليدة.

ماذا قدم لنا العرب؟ مصر مثلا؟ الإقليم الجنوبي، الجيش العربي المصري ... هل قدم طلقة واحدة؟، مظاهرة واحدة ضد استخدام الكيماوي.. نرى العكس التعاون بين الدول العربية والنظام ما يزال في أكثر من مجال، والتعاون مع "إسرائيل" أيضا والتطبيع مع إيران"...

في النتيجة المشروع هو جملة أفكار تبحث عن مخرج لأزمة سوداء، وهو مشروع متوازن، صحيح أنه لا ينتقم لظلم الشعب الفلسطيني، لكنه يمنع استمرار ظلم ومعاناة الشعب السوري والفلسطيني واللبناني والأردني وربما الإيراني، لأنه يعكس مسار الأحداث في المنطقة ويستطيع أن يحشد الاهتمام الدولي الكفيل بتقدمها نحو الاستقرار، ولأنه يهزم المشروع الإيراني المدمر والفتنوي العنصري والطائفي. ومن ينظر أو يزاود ويصطاد عليه أن يقدم بدائل، أما أن تنشغل المعارضة بخلافاتها وبتقاسم الكعكة والفتات الذي يرمى لها، والشعب يعاني، فهو ما يبرر لنا التحرك في مكان آخر فاعل ويستطيع، وسوف يفهم شعبنا تماما ماذا نفعل ولصالح من، وهناك رب سيحاسب، الجميع على النوايا قبل الأفعال.

أنا أعلم أنه قرار صعب وكأس مر، لكن قد يتلوها ما هو أقل مرارة وقد يفتح باب الاستقرار، إنما الخيارات الأخرى المقترحة أيضا مرة وما بعدها أكثر مرارة ولا تقدم مخرجا، وفي كل الأحوال قد تجبرنا الأيام القادمة على تقديم تنازلات أكبر من ذلك بكثير بعد أن نكون قد خسرنا المزيد والمزيد ... وتذكروا كلامي. وأتمنى أن لا ننتظر لنرى (اسرائيل روسية) على الساحل، وأخرى إيرانية وسط دمشق !! هذه نصيحتي واجتهادي .... فهاتوا ما عندكم من بدائل غير الشعارات.

(123)    هل أعجبتك المقالة (135)

فادي سرحان

2014-03-14

ياسيد اللب واني أرى أنك مفصوم وتحاول تمرير موقف أقل ما أعتقد أنه على أطراف الخيانة والخلاص الفردي. الخيانة هي الخيانه، لايوجد خيانة ممكنة وأخرى مبررة، وفلسطين هي أيضاً سورية اليوم في دفاع السوريين عن الديمقراطية ويداول السلطة والحرية وضد تالاستبداد...الخ. ليس هناك مجال للاختلاف حول مفاهيم عامة متفاهم عليها، لكن هناك مجال للاجتهاد وليس الانقلاب. سنتوقع الأسوأ للتهليل لإسرائيل وأمريكا وغيرها، لكن ياسيد لبواني إسرائيل تمثل الظلم والاستبداد ولمعرفتك أيضاً الاحتلال فماذا يعني التعاون معها للخلاص من الأسد. ألا تجد أن هكذا طرح يخدم النظام ليقول أن المعرضة إما متطرفين إرهابيين أو عملاء لإسرائيل وأمريكا. برجو عدم إشغال العقل وصرف الحريرات والفوسفور في هكذا قضية خاسرة حسب رأيي..


التعليقات (1)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي