فضيحة قناة"المنار" على الهواء مباشرة!

الكلام الذي سأنقله في السطور القليلة التالية للمحلل السياسي اللبناني رفيق نصر الله في تعليقه الغاضب على صفقة إطلاق راهبات معلولا التي شهدتها الحدود اللبنانية السورية ليل العاشر من آذار (مارس) الجاري، لم يرد مسرباً إلينا من مصدر خاص، ولم يقم شخص مندس بتسجيله في كواليس قناة (المنار) التابعة لحالش، أثناء التحضير للحلقة أو تحت الهواء... ولم نستطع الوصول إليه عبر تقنية تنصت متطورة ومعقدة... بل بث بالحرف على شاشة قناة (المنار) وعلى الهواء مباشرة، وفيه يقول السيد رفيق نصر الله بالحرف:
"الخطيئة الإعلامية الكبيرة والسياسية كمان... اللي ارتُكبت بسوريا بمسألة إطلاق سراح هؤلاء الراهبات، تمظهرت فيها جبهة النصرة، قَطفتْ هيّ، ما قطفها النظام. ما حدا قطفها. أنا بدي اٍسأل لشو فلتّوهن؟ لشو عملتوا الصفقة؟! أنو كمان بتطلع [يقصد إحدى الراهبات] بتقلهن جابولنا لبن العصفور. أنتو خدمتوها لجبهة النصرة. مين طلعتوا مقابليهن لهول؟ ليش؟ وين بقية المخطوفين؟ يا أخي ليش ما بتعرفوا تشتغلوا سياسة وإعلام؟! اللي قطف هاي المسألة هيي جبهة النصرة... شو هالإنجاز اللي عطيتوهم إياه اللي بيّن أنو كنتو حابسين مرت الديلمي مع الأطفال؟! كيف بتلعبوا انتو... كيف بتعلموا إعلام؟! "
لا يمكن أن يصدق المرء حقيقة أن هذا الكلام الذين يدين قائله، والمحور الذي ينتمي إليه قائله، والمذيعة التي كانت تهز رأسها مندهشة من حدة ذكاء قائله، قد بث على الهواء مباشرة وهكذا على رؤوس الأشهاد وبلا أي خجل.
يقول هذا الإعلامي بنبرته الغاضبة إن هذه الصفقة أفادت جبهة النصرة ولم تفد النظام السوري، لم يقطف ثمارها النظام السوري... فالموضوع بالنسبة له، ليس حماية أقليات، ولا قلق على مصير الراهبات المخطوفات، ولا مسألة الحفاظ على مسيحيي الشرق الذين كان يتباكى عليهم ميشال عون حليف هذا المحور، بل قطف ثمار... وثمار إعلامية بلا أي بعد إنساني!
هكذا بكل وقاحة ثم يتابع متسائلاً: (لشو فلتّوهن؟) وسواء كان يقصد المعتقلين الذين أفرج عنهم... أم كان يقصد الراهبات اللواتي قالت إحداهن إن الخاطفين جلبوا لهن لبن العصفور، فإن تساؤلا إعلاميا ينتمي لمهنة الصحافة: (لشو فلتوّهن؟) هو دعوة تحريضية لا يمكن أن يصدقها المرء لعدم إطلاق سراح أحد... فهل انحطت الصحافة للتحريض، هكذا على المكشوف على عدم إطلاق سراح معتلقين، إن لم يكن النظام سيقطف ثمار هذا إعلامياً؟!
الأسوأ من هذا كله تساؤل رفيق نصر الله: "شو هالإنجاز اللي عطيتوهم إياه اللي بيّن انو كنتو حابسين مرت الديلمي مع الأطفال؟!" لم يسأل لا بوازع من ضمير صحفي، ولا من ضمير إنساني: كيف تسمحون لأنفسكم اعتقال أم مع أطفالها؟! كيف طاوعتكم وحشتيكم؟ كيف كنتم تغلقون باب الزنزانة ليلا وتذهبون لتناموا وتعانقوا أطفالكم؟! كيف تتحدثون عن الإرهاب وأنتم بلغت بكم الخسة والنذالة الاستقواء على أطفال بهذا العمر... بل قال "شو هالإنجاز اللي عطيتوهم إياه "لقد قال بشكل أو بآخر: مسموح لكم أن تعتلقوا أطفالا أكبر واحد فيهم في عمر السبع سنوات... ولكن لا تظهروا صورتكم القبيحة أمام الإعلام في مقابل صورة جبهة النصرة التي ظهرت حسنة... لا تعطوهم هذا الإنجاز... متسائلاً: (ليش ما بتعرفوا تلعبوا سياسية وإعلام صح)
أجل...
في عرف رفيق نصر الله، صار الإعلام مجرد لعبة، يسأل حلفاءه بغضب لماذا لا يلعبونها (صح)؟!! وصار إطلاق سراح راهبات مختطفات أو نساء معتقلات لدى سجون نظام استبدادي وحشي، مجرد عملية تبييض صفحة يجب أن يعرف النظام كيف يقطف ثمارها هو، وليس جبهة النصرة؟!
كان يمكن أن تصلح هذه الأفكار التي يصح وصفها بكل لباقة بـ(القذرة) لجلسة مراجعة سرية بين جهابذة إعلام الممانعة من أمثال رفيق نصر الله والأخوين قنديل وبن جدو وباقي هذه الأبواق السافلة للكشف عن أخطاء الصفقة، وما أبرزته من صورة نظام الأسد السوداء، التي كانت لقطة تسليم الأطفال مع أمهم، قمة الانحطاط فيها... وقمة الوحشية، وقمة عهر المجتمع الدولي الذي يسكت على هكذا نظام لا يخجل من الاعتراف أمام الكاميرات أنه يعتقل أطفالا بهذه الأعمار... لكن أن يقال هذا الكلام بكل هذه الوقاحة، وكل هذا الاعتراف الضمني بجرائم النظام، وبجرائم الإعلام وألاعيبه، وهكذا على الهواء... فهذه ليست شفافية وصراحة بالتأكيد... بل هي فضيحة إعلامية بكل ما في الكلمة من معنى... فقد ظهر منطق مطبخ المؤامرات، والتلاعب بالحقائق عارياً، فاضحاً، يعلن هزيمته، وهزيمة حلفائه في مداراة عورته على الهواء مباشرة!
وفي الآن ذاته ظهرت عورة الإعلام الأجنبي الذي يدعي الحياد والإنسانية، فأين مراسل وكالة فرانس برس في بيروت اليهودي سامي كنز، كي يصور تقريراً عن نظام يعتقل الأطفال مع أمهم، ويعترف باعتقالهم عبر تسليمهم في صفقة تبادل. وأين مراسلة صحيفة (الصنداي تايمز) المقربة من حزب الله هالة جابر كي ترى أخلاق الجماعات المسلحة التي طالما اتهمتها بكل الموبقات لتبرر جرائم النظام، في تقاريرها المزورة لترى بنفسها كيف يعتقل هذا النظام أطفالاً.
ترى لو كان الأطفال معتقلين لدى جهة محسوبة على الثورة... ما كان سيكتب هؤلاء إلى وكالاتهم وصحفهم... ما كان سيقول مرصد رامي عبد الرحمن؟! ألن نرى صور الأطفال في اليوم التالي توزعها وكالات الأنباء وتتصدر (الصنداي تايمز) مذيلة بتوقيع الجماعات التكفيرية المسلحة؟!!
حين كتبت بالأمس على صفحتي على موقع التواصل الاجتماعي عما أثارته لقطة تسليم الأطفال الذين يحملهم (إرهابيو) جبهة النصرة من دهشة وذهول وشعور بالعار، مصنِفاً النظام الذي اعتقلهم في أسفل قائمة البشر، علق أحد السوريين بالقول:
" أستاذنا هؤلاء أناس نزع الله من قلوبهم الرحمة. أنا في عام 2003كنت معتقلا في فرع 248 في دمشق وجدت طفلين في انفرادية واحدة ابن تسعة والثاني عشرة "
طفلان في زنزانة منفردة؟!! وفي معتقل سياسي وليس جنائياً؟!
ومتى... قبل أن يكون هناك ثورة... وقبل أن تكون هناك أي مظاهرات أو مطالبات بإسقاط النظام.. أو مؤامرة كونية كما يزعم هؤلاء المضلِلون والمزوّرون!
عار عليكم أيها الأبواق المنحطون... عار عليك أيها الإعلام المجرم... عار عليك يا محور الذل والعبودية لا المقاومة والممانعة... ألا تكون أمام المحاكم الدولية، تحاكم أنت ومن تدافع عنه، إن بقي في هذا العالم ذرة ضمير أو أخلاق أو إنسانية!
من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية