أكراد سوريا، بالمقارنة مع أكراد العراق وتركيا، معروفون بشكل أقل في الغرب، وربما شهدت قضيتهم تركيزا أكبر مع بدء الثورة السورية، لكنَّهم بشكل مشابه لديهم علاقات متوترة مع الدولة التي تحْكمهم (نظام الأسد)، ويتعرضون لانتهاكات حقوق الإنسان بوصفهم أقلية. قمع الدولة السورية لشعبها الكردي، الذي لم يطالب إلى حد بعيد بدولة منفصلة، ربما ساهم في المطالبات الكردية بتقرير المصير في تركيا، إيران، والعراق. على أية حال، سيكون من الخطأ رُؤية المشكلة الكردية في سوريا بوصفها فقط مشكلة عرقية ذات أبعاد إقليمية. يجب النظر للأكراد السوريين أيضاً في سياقِ الحكم الذي يفتقر إلى الديمقراطيِة في سوريا، الذي يُؤثّر على كلّ السوريين.
بحسب التقديرات الحالية، هناك تقريباً 1.5 مليون كردي في سوريا، أَو حوالي 9 بالمائة من مجمل عدد السكان البالغ 22 مليون، بما يجعلهم الأقلية غيرَ العربية الأكبر في البلادِ (1). ويتمركزون بشكل أساسي في الشمال والمنطقة الشمالية الشرقيةِ من البلاد، في مناطق الجزيرة, عفرين, عين العرب. تعيش أعداد كبيرة من السكان الأكراد أيضاً في محافظة الحسكة في المنطقة الشمالية الشرقية, وعدد قليل منهم في دمشق. يتكلّم أغلبية الأكراد السوريينِ اللغة الكردية ويعرفون كمسلمين سنيين. حالة الأكراد كأقلية بلا دولة في المنطقة لَها جذورها في الفترةِ ما بعد الحرب العالمية الأولى، عندما تركت اتّفاقية سايكس بيكو 1916 أكراد الشرق الأوسط مقسمين بين الدول الجديدة الأربع، تركيا وسوريا وإيران والعراق.
الأكراد السوريون وحقوق الإنسان
التجريد من الجنسية وانتهاك الحقوقِ المدنية والثقافيةِ للأكراد السوريين:
يمكِن تتبّع عملية انتهاك حقوقِ الأكراد السوريينِ من عام 1958، بتبني سوريا الرسمي للقومية العربية وردود الفعل ضدّ الأقليّات العرقية غير العربية، ومن بينها الأكراد. في /تشرين الأولِ 1962، أصدرت السلطات السورية ما يسمّى بإحصاءِ السكان الاستثنائي في محافظةِ الحسكة، المحافظة السورية في الشمال الشرقي، حيث يعيش غالبية الأكراد. ثمّ قدمت السلطات تقارير إحصائيةَ بحجة كشف الأشخاص الذين يمكن أن يكونوا قد عبروا بشكل غير قانوني من تركيا إلى سوريا. حوالي 120,000 كردي (تقريباً 20 بالمئة من سكانِ سوريا الأكراد) تم تجريدهم نتيجة ذلك من جنسياتهم، وفقدوا كافة حقوق المواطَنة، بما فيها حقّ التصويت والمشاركة في الحياةِ العامّة، وحقّ السَفَر خارج البلاد، حقّ الملكية الخاصّة، وحقّ التوظيف في القطاع العام.
منذ عام 1962، قسّمت الدولة السورية الأكراد في سوريا إلى ثلاثة أصناف سكّانية رئيسية: الأكراد السوريون، أكراد أجانب، وأكراد "مكتومون".
احتفظ الأكراد السوريون بجنسيتِهم السورية، بينما حرم الأكراد الأجانب مِن المواطنة، وسجّلوا في السجلات الرسميةِ كأجانب، في عام 2008 كان هناك حوالي 200,000 منهم.
أما الأكراد "المكتومون" فهم الأكراد الذين جرى تجريدهم من الجنسية، ولم يُسجّلوا في السجلات الرسمية مطلقاً، وتميزهم السلطات السورية كمكتومين، ويعود تقريباً 80,000 شخص إلى هذا الصنف. بين الأكراد المكتومين أشخاص صُنف آباؤهم كأجانب، وأمهاتهم مواطنات، أشخاص آباؤهم أجانب وأمهاتهم مكتومات، وأشخاص كلا الوالدين مكتومان. بالإضافة إلى ذلك، هناك حوالي 280,000 كردي غير موثّقين، ويَستقرّون في سوريا، لكن ليس لهم مواطنة، طبقاً للمصادر الكردية. لا إحصائيات حكومية متوفرة بالنسبة لهذه المجموعة.
إن بزوغ القومية العربية، وفيما بعد الناصرية، ثم أتى حزب البعث الذي استلم السلطة في عام 1963، زاد التمييز رسمياً ضدّ الأكراد السوريينِ من كُلّ الأصناف أعلاه، كالسياسة الكردية للحكومة البعثية التي عملت على استئصال الحضور الكردي مِن الحياةِ العامّة السورية، إذ واجه الأكراد ضعفاً في التمثيلِ السياسيِ، وتنمية اقتصادية سيّئة، وتخفيضاً للخدمات الاجتماعية. ومُنِعَت العناصر المهمة للهوية الثقافية الكردية، مثل اللغةِ، الموسيقى، والمطبوعات، كما منعت الأحزاب السياسية وسجن أعضاؤها، وبَدأت أيضاً الحكومة السورية باسْتِبْدال أسماءِ القرى والمدن الكردية بأخرىِ عربيةِ.
بالإضافة إلى ذلك، وضعت تنقلات السكان تحت المراقبة الحكومية لإضعاف تجمّعات الأكراد في المناطقِ الحسّاسة. على سبيل المثال، في عام 1973، فرضت الحكومة البعثية ما يسمّى بمخطط "الحزامِ العربي"، الذي أجبرت بموجبه عائلات عربيةِ على الهجرة من مناطقِ حلب والرقة إلى أربعين قرية كردية في كافة أنحاء محافظة الجزيرة، ويغطّي هذا الحزام منطقةً بطول 365 كيلومتراً، ومن 10 إلى 15 كيلو متراً على طول الحدود مع تركيا والعراق. لقد زعزع هذا المخطط التوازن الاجتماعي, خاصة في محافظة الجزيرة, إلى درجة أن النزاعات الاجتماعية والمدنية هناك تبقى المصدر الرئيسي للتوتر المحلي.
يعيش العديد من الأكراد السوريين المجردين من الجنسية في محافظة الحسكة, خاصة في المالكية ومدن القامشلي ورأس العين). وقد هاجر، على مر السنين، عدد قليل من الأكراد المجردين من الجنسية من تلك المنطقة، إلى دمشق والمدن السورية الكبرى في البلد.
الأكراد المصنفون كأجانب يحملون بطاقة هوية حمراء تسمح لهم بأن يسجلوا كأجانب في السجلات الرسمية. على أية حال, إنهم لا يستطيعون الحصول على جواز السفر أو مغادرة البلاد. الأكراد المكتومون يحملون فقط شهادة تعريف صفراء أو عقد سكن، يصدران من قبل المختار المحلي (الزعيم)، وتستخدم للتعريف عن حامليها حيثما تجد السلطات ضرورة للقيام بذلك. على الرغم من أن السلطات أصدرت هذه الشهادات, فإن المؤسسات الرسمية السورية لا تقبل بها, لذلك فإنه في جميع الأحوال والأغراض ليس لحاملي الوثائق الصفراء أية وضعية رسمية في سوريا.
انتهاك الحقوق الشخصية والحقوق ذات الصلة:
عشرات الآلاف من الأكراد في سوريا صنفوا كغرباء في بلد مولدهم. العديد منهم أطفال ولدوا في سوريا من والدين مجردين من الجنسية, على الرغم من أن السلطات السورية منحت كل الأطفال المولودين في سوريا, وكذلك الأكراد, حق المواطنة. إنّ منطق سياسات إحصاءِ السكان ما بعد عام1962 هو منطق اعتباطي بشكل كلي، يفتقر إلى معايير حقيقية لتصنيف المواطنين، وفي الكثير من الحالات طبّقت تلك المعايير بشكل متضارب حتى ضمن نفس العائلة الكردية، إذ قد يجد المرء بين أفراد العائلة الواحدة من يحتفظ بجنسيته، وآخرين يبقون بدون جنسية. المنطقة المنزوعة السلاح في الحسكة على الحدودِ السورية التركية مشهورة بالإجراءات المضادة للتمييز تجاه الأكراد.
سياسات الدولة السورية الجغرافية والمدنية التمييزية تُؤثّر على كُلّ مناحي حياةِ الأكراد السوريين. في العلاقاتِ العائلية، من غير القانوني للمواطناتِ السوريات أَنْ يَتزوّجَن الرجالَ الذين يعتبرون كأجانب بحسب إحصاءِ السكان عام 1962. إذا قاموا بذلك، لا يعترف القانون لا بالزواج ولا بسلالته؛ إذ تبقى هؤلاء النِساء عازبات في السجلات الرسمية. بالرغم من أنه تقنياً يمكن لشخص أَن يقاضي الدولة ليثبت مثل هذا الزواج بالحصول على قرار الإثبات، فإن الدوائر التي تتعامل مع قضايا الأحوال المدنية تَرْفض الاعتِراف بهذه الإجراءات عموماً في سجلاتها. ولذلك، ينمو عدد الأطفالِ المكتومينِ في سوريا بثبات، كارتفاع عدد السكان. طبقاً للمصادر الكردية الحالية، تقريباً 25,000 طفل كردي مصنفون كمكتومين.
الحرمان من حقِّ التعليم يُؤثّرُ على صنفي الأكراد، الأكراد الأجانب والأكراد المجردين من الجنسية المكتومين. يتمتّعُ الأجانب بالحقِّ في حضور المستويات الأساسية لنظام التعليم العام - المدرسة الابتدائية التي تدوم مِن عمر 6 إلى 15 سنةً، والمدرسة الثانوية التي تمتد مِن عمر 16 إلى 18 سنةً- والحصول على الشهادةِ الثانوية في النهاية. على أية حال، بالرغم من أن هذه الشهادة تسمحُ لهم بالدخول إلى الجامعات، يواجه الأكراد المتخرجون تمييزاً هائلاً في سوقِ العمالة. إنهم لا يَستطيعون العمل كمحامين أو أطباء، مهندسين، صحفيين، أَو في أغلب المهن الأخرى، لأن التوظيف في هذه الحقول يتطلّب انتساباً إلى الاتحادات أَو النقابات المهنية، والتي في معظمها تنكر الأكراد. علاوة على ذلك، فإن الأشخاص الأجانب والمكتومين على السواء محرومون من تولي مناصب حكومية، كم أن الأكراد المكتومين محرومون من حقَّ الحصول على الشهادة الثانوية، مما يلغي فرصهم في التعليم الجامعي.
عدم تكافؤ الفرص في الزواج والحياة العائلية، التعليم، والتوظيف، يخلق مناخاً واسعاً مِن الإحباط بين الأكراد المجردين من الجنسية، خاصة الشباب، مما يجعلهم يشعرون بأنهم عبء على المجتمع أكثر من كونهم أعضاء فاعلين فيه، ويحرمهم مِن الأمل بالمستقبل. بشكل غير مفاجئ، فإن الشباب المخيبين يشكلون الكتلة الداعمة للأحزاب الكردية الانفصالية. حالات الطرد الأخيرة للأعداد الكبيرة من العمّال والطلاب الأكراد من الوظائف والمؤسسات الأكاديمية ساهمت حصراً بإحساسِهم بالإحباط.
بالإضافة إلى الصعوبات التي ارتبطت بإيجاد العمل، لا يسمح للأكراد المجردين من الجنسية بامتلاك بيوتهم الخاصة، أو الأراضي، أَو أية ممتلكات أخرى. هذا يجبرهم على تسجيل كلّ الأملاك عن طريق زملائهم الأكراد الذين يتمتعون بالمواطنة السورية، وهذا يضاف إلى أعبائهم في التعاملات اليومية مع الدولة.
انتهاكات الحقوقِ الثقافية واللغوية:
لقد عاش الأكراد السوريون تحت ضغط متزايد لمحو هويتِهم الثقافية، بما فيها الاحتفالات والأعياد العامّة، بالإضافة إلى تكلم اللغة الكردية - الآلية الأساسية للأكراد للمحافظة على ثقافتِهم - بشكل علني، وفي مواقع العمل. لم يُسْمَح للأطفال الأكراد بتعلم الكردية في المدارس، ولا يسمح للمعلمين الأكراد باستِخدامها في التعليم داخل الصفوف الدراسية. يحرم الأطفال أيضاً من تعلّم الكرديِة من خلال الوسائل البديلة. لإبقاء معرفتِهم باللغة، بعض الأفراد، بالإضافة إلى أحزاب سياسية، يَتحمّلون خطر تعليم الكرديِة في الأماكن غير الرسمية.
منذ أوائل التسعينيات، أصدرت دمشق قرارات تحرم الآباء الأكراد من تسجيل أطفالهم رسمياً بالأسماء الكردية. بالنسبة للجزء الأكبر، الإصرار الكردي في هذا الأمر دفع الحكومة للتراجع، لكن الأكراد ما زالوا يمنعون مِن طباعة المنشورات بالكردية؛ معظم المنشورات الموزعة حالياً إمّا جلبَت بشكل غير قانوني مِن لبنان أَو إيران، أَو طبعت سراً. (من المهم ملاحظة أن التضييق على حرية التعبير يؤثّر على كل المواطنين السوريين، وليس فقط الأكراد.).
أخيراً، الحقوق الكردية في حرية المشاركة والتجمع قليلة. على العموم منعت السلطات السورية تشكيل المنتديات الكردية الخاصّة والجمعيات، وهو الأمر الذي يؤدي إلى اختزال الحياة الكردية المدنية والثقافية. وهذا، على أية حال، نوع مِن القيود على المجتمع المدني في كافة أنحاء سوريا، الذي واجه عمليات القمع الرئيسية بعد ربيع دمشق (الفترة الزمنية القصيرة مِن التحررِ في عام 2001). يواجه الأكراد صعوبةً في الحصول على الرخص للاحتِفال ببعض الأحداث الثقافية، مثل احتفالِ النوروز الذي يشير إلى السنة الجديدة عند الأكراد. في آذار 2008، فتحت قوّات الأمن السورية النار على الأكراد وهم يَحتفلون بالمهرجان، وقتلت على الأقل ثلاثة أشخاص وجرحَت آخرين. أهملت الحكومة هذا الحدث بالكامل، وفشلت حتى في إطلاق تحقيق رسمي حوله.
على الرغم مِن التمييز، على أية حال، يشعر الأكراد بأنهم سوريون. بشكل واضح، التأثيرات النفسية للعزلة، والتهميش, والحرمان من الحقوقِ التي جرّدت الأكراد من تجربتهم، تُؤثّر على العلاقة بين الأكراد والدولة السورية، وعلى العلاقة بين الأكراد والسوريين من غير الأكراد. أجري استفتاء حديث حول الهوية المدنية من قبل جمعية حقوق الإنسان في سوريا، وشمل 129 كردياً أجنبياً، 19 كردياً مكتوماً، و152 كردياً سورياً. من هذه العيّنة، 233 من الذين استجابوا عرّفوا عن أنفسهم كسوريين، بينما تفاوتت بقية العينة، بين اعتِبار البعض أنفسهم كأكراد فقط، أَو كأشخاص بدون هوية مدنية.
في سؤال عن الأصلِ العائلي، 251 مشاركاً أجابوا بأنّهم من أصل عائلي سوري، وأحياناً يضيفون عبارة "بالوراثة" إلى رَدِّهم. يرددون صدى شعور موجود بين أغلبية الأكراد في سوريا، الذين يؤمنون بأنّهم سوريون تماماً، ويشعرون بحس الانتماء للدولة، حتى لو حرمتهم من المواطَنة الشرعية. في سؤال بخصوص الرغبة في الحصول على الجنسية السورية، فقط 11 منهم أبدوا عدم الرغبة في ذلك. على نحو مدهش جداً، ومع وجود حالة من التهميش والحرمان من الحقوقِ المدنية لمدة أكثر من نصف قرن، بالنسبة لكامل العيّنة، 198 رفضوا فكرة الانفِصال عن سوريا، وفقط 48 دعموا الفكرة؛ بقية العينة امتنعت عن الإجابة (9). هذه النتائجِ تشير إلى أنّ السياسات السورية حتى الآن لم تدفعهم نحو الدعم الواسع للانفصال، لكن لا يَجِب إهمال هذا الخطر.
المنظمات السياسية الكردية في سوريا:
في بداية وجود سوريا كدولة مستقلة, افتخر سياسيون ومسؤولون من الأصولِ الكردية بالوجود الملحوظ المعتدل في الكثير من مؤسسات الدولة، بما فيها المناصبِ العالية. حسني الزعيم، الذي قاد الانقلاب العسكري الأول في سوريا وأصبح رئيساً في 1949، كان كردياً، كما كَان محسن البرازي، وآخرون، نجوماً سياسية في الأربعينيات والخمسينيات. حافظ الأكراد على مشاركة قوية في الأحزاب السياسية، خصوصاً في الحزب الشيوعي، الذي كان زعيمه، خالد بكداش، كردياً. العديد من رجال الدين المؤثرين، مثل المفتي السابقِ، أحمد كفتارو، كانوا أيضاً أكراداً.
على أية حال، نمت الحكومة السورية استبدادياً على نحو متزايد، خصوصاً مع صعود حزب البعث، وتبنّت الإجراءات التمييزية بشكل متزايد ضدّ الأكراد. بدأت الحركة الكردية بالتعرض لانشقاقات داخلية. مع حلول عام 1965 تمزّقت الأحزاب الكردية إلى منظماتِ عديدةِ انقسّمت بناء على قضايا مثل العمل من أجل الحكم الذاتي الكردي أَو العمل ضمن الحزب الشيوعي ورفض أيّ انتماء كردي.
اليوم، يعمل اثنا عشر حزباً كردياً بشكل غير قانوني، وسري في سوريا, بالإضافة لذلك، بَقيت الحركة الكردية ليست فقط منقسمة، لكن أيضاً معزولة عن الحلقات العريضة المناصرة للديمقراطية. لقد كان ضغط الدولة السورية ومحاولاتها نزع الشرعية عن الحركة الكردية عن طريق ربط أيّ نشاط كردي داخل سوريا بالحركات الكردية خارج البلاد، فعّالاً جداً.
ربيع دمشق في عام 2000 كان فترة قصيرة من الحريةِ السياسية النسبية في سوريا. حاول الزعماء الأكراد الإمساك باللحظة لخلق وحدة كبيرة بين الأكراد، والارتباط بالحركة العربية المناصرة للديمقراطيةِ في سوريا. وقد أثمر ذلك بصدور إعلانِ دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي في تشرين الأول 2005، وهو بيان يمثل جميع الفاعلين في المعارضة السورية المحلية، بمن فيهم المجموعتان السياسيتان الكرديتان الرئيسيتان.
قدم الحضور الكردي في إعلان دمشق بداية جيدة للأكراد للانتقال من عزلتهم في مدن مثل القامشلي, عين العرب, وعفرين، وبدؤوا يصبحون فعالين في المشهد السياسي للحركة العريضة المناصرة للديمقراطية في سوريا. أعطى الإعلان المعارضة السورية أيضاً بعداً وطنياً، لأن مصدر شرعيتِه جاء مِن كلا الطرفين، العرب والأكراد. اليوم، الجبهة الكردية والتحالف الكردي يعملان بتنسيقِ نسبيِ مع نظرائهم العرب. صيغة الإعلان، التي أدركت الحاجةَ إلى "إيجاد حلّ ديمقراطي عادل للقضية الكردية ضمن وحدةِ البلادَ" مثال يؤكد هذه الحالة. بالإضافة لذلك لجنة التنسيق, التي تشكلت في عام 2003 وتمثل الجهد التعاوني العربي الكردي المشترك في سوريا، وقد نشرت بيانات تتعلق بقضايا حقوقِ الإنسان في سوريا.
على أية حال، في عام 2004 حرّكت الحكومة السورية قوَّاتها إلى المناطقِ الكردية في سوريا، على ما يبدو كان هناك قلق أمني متوقع ضمن المجتمع الكردي. ردّ الأكراد على المواجهات اليومية تقريباً مع القوات السورية، مما دفع دمشق لاعتبار المنطقة الشرقية مِن البلاد التي يسيطر عليها الأكراد تهديداً للأمن القومي. عزز الرّئيس بشّار الأسد حضور الأمن والجيش في المنطقة بعد الاحتجاجات المتكرّرة هناك. لم تكن الاشتباكات السياسية الواسعة النطاق نادرة، خصوصاً إثر اضطرابات عام 2004 في ملعب كرة قدم محليِّ في القامشلي محتشد بالجمهور، حيث اشتعلت مواجهات عنيفة مع قوات الأمن، خلّفت العشرات من الأكراد بين قتيل وجريح (15). مباشرة بعد ذلك، قتل رجل الدين الكردي البارز معشوق الخزنوي في "ظروف غامضة" (16). مثل هذه الأحداثِ العنيفة، النادرة نسبياً، التي تُؤثّر على المجتمع الكردي، أَصبحت عامة أكثر، رافعة إمكانية تصعيد المقاومة العنيفة مِن أكراد سوريا. أدّى ذلك أيضاً إلى تَوَتّرات بين الأكراد السوريين والحركة المناصرة للديمقراطية في سوريا.
الأكراد، الدولة السورية، والبعد الإقليمي:
كسبت قضية الحقوقِ الكردية في سوريا الزخم بشكل ثابت خلال القرن الماضي، لكنَّها لم تكن قضية حاسمة، حتى الثمانينيات والتسعينيات، بالنسبة للسياسة الوطنية والإقليمية على حد سواء. شكّل الأكراد غير السوريين مشكلة مستمرة في المنطقةِ بسبب النزاعِ بين الأكراد العراقيين ونظامِ صدام حسين، بالإضافة إلى الصراع الوحشي الطويل المدى بين حزب العمال الكردستاني (بي كي كي) والحكومة التركية. ظهر أكراد إيران تقليدياً بشكل أقل تهديداً للاستقرار السياسي، ربما بسبب سيطرة طهران القوية على الشعب الإيراني. على أية حال، إبعادها المنهجي للأقلّياتِ غيرِ الفارسية ولا يجب أن يقلّل من تقديرها.
تحت حكم حافظ الأسد, كان لأكراد سوريا عمل على الرغم من العلاقة المضطربة مع الدولة بخصوص سياستها نحو الأكراد في البلدان المجاورة؛ خلال عهدِه، لم يكن من غير الشائع للزعماء الأكراد من المُدن الشرقية المحافظة على اتصالات إستراتيجية منتظمة بمسؤولين متنوّعين في أجهزة الأمن السورية. عندما دعمت سوريا الجُهد الدولي لطرد صدام حسين من الكويت في عام 1990, كان الأكراد السوريون ممتنين لموقع رئيسِهم. حتى أن الأسد استضاف جلال طالباني القائد الكردي العراقي، الذي أصبح فيما بعد رئيساً للعراق. حافظت سوريا أيضاً على علاقة وثيقة مع حزب بي كي كي (PKK)، ففي أوائل التسعينيات استضاَفت سوريا زعيم الحزب عبد الله أوجلان برغبة محتملة في الضغطِ على الدولة التركيةِ، بالرغم من أن تلك العلاقات تحلّلَت مباشرة بعد أن هدد الجيش التركي بطرد أوجلان من سوريا وإغلاق معسكراته في ضواحي دمشق في عام 1998. وعقدت اتفاقية سرية بين سوريا وتركيا بعد ذلك بقليل، في عام 1998 أيضاً، في أضنة، تركيا, جعلت المسألة ملغية عملياً. مثل هذه التعاملات قدّمت فوائد تكتيكية في تسهيل علاقات الحكومة مع الأكراد، لَكنَّها قدمت القليل لتَخفيف معاناة المجتمع الكردي السوري الكبير. علاوة على ذلك، اختفت العِلاقات بين الأكراد والدولة تقريباً في زمن حافظ الأسد، في الوقت الذي نمت فيه الحركة الكردية المحليّة بشكل متزايد مستاءة جداً من السياسة الرسمية.
فاقم الاحتلال الأمريكي للعراق في 2003 من مأزق الأكراد بشكل خطير، وألغى التقدّم الذي حققه المجتمع الكردي. بشكل مماثل للفاعلين الآخرينِ في المنطقة، عارضت دمشق الاحتلال بثبات. على أية حال, أكراد العراق لم يكتفوا بالترحيب بقوّات التحالف، إنما في بعض الحالاتِ قدّموا مساعدات لوجستية وميدانية, من خلال قوَّات البيشميركة الكرديِة العراقيِة شبه العسكريةِ التي دخلت بغداد من الشمال إلى جانب قوّات التحالف. الدعم الكردي للاحتلال المثير للجدل بشكل كبير خلق صراعاً مباشراً، ليس فقط بين النظامِ السوريِ والأكراد العراقيينِ، لكن أيضاً بالتزامن مع الأكراد السوريين. علاوة على ذلك، نظر الأكراد السوريون إلى مأزقهم الخاص من خلال عدسة متشائمة جداً، ففي الوقت الذي حصل فيه نظراؤهم العراقيون على الحكم السياسي الذاتي، أهملت حكومتهم إعطاء العديد منهم بطاقة تعريف وطنية فعّالة. أصبحت العلاقات مع الحكومة متوترة عندما اشتد الضغط الدولي على سوريا بعد سقوط نظام صدام حسين. الضجّة الدولية حول اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابقِ رفيق الحريري، وتزايد الرقابة على علاقات سوريا مع لبنان، جعلا نظام سوريا مرتاباً من المعارضة الداخلية، خصوصاً من الأكراد السوريين. خارج الشرق الأوسطِ، شكل الحضور الكردي الكبير في أوروبا _ وبشكلٍ خاص الدول الاسكندنافية وألمانيا _عاملاً في دور الأكراد المتنامي ضمن سوريا والمنطقة، فقد استعمل الشتات الكردي أجهزة الإعلام الدولية، والاحتجاجات، والمظاهرات لإبداء دعمه لأكراد سوريا. خرجت الجالية الكردية الأوروبية إلى الشوارع ردَّاً على اضطرابات القامشلي في آذار 2008، وهم يلوّحون بالعلم الكردي ويهتفون بشعارات تدعو إلى الانفصال وتشكيل كردستان الكبرى. عندما نجم عن مظاهرات القامشلي موت عدد من الأكراد السوريين، نظم الأكراد الأوروبيون مظاهرة كبيرة في بلجيكا، انتهت باقتحام السفارة السورية في بروكسل، واستبدال العلم السوري بالقوة بآخر كردي. هذه الأحداث _خصوصاً استبدال العلم_ أدّت إلى ردود فعل سلبية من قبل السوريين غير الأكراد داخل سوريا.
باختصار، هذه العداوة بين الحكومةِ السوريةِ وشعبها الكردي ازدادت بشكل كبير خلال سنوات. رغم ذلك، كما ذكرنا في الأعلى، فإن الأغلبية الكردية رفضت الانفصال، وطالبت فقط بنفس الحقوقِ التي يتمتع بها السوريون غيرِ الأكراد. من غير المحتمل أن يكون هناك، في ظل المناخ السياسي في البلد، نظام ديمقراطي في سوريا يمنح حقوقاً متساوية لجميع السوريين _ عرباً وأكراداً_ يمكِن أَن يحل العديد من المشاكل. لكن أزمة الأكراد السوريين لا يمكن أن تحل فعلياً دون عنونة مشاكل الأكراد عبر المنطقة؛ بالرغم من أن تشكيل دولة كردية مستقلة استحالة سياسية، فإن حالة الأكراد السوريين، خاصة ما يتعلق بانتهاك حقوقِ الإنسان الأساسية، لا يمكن أن تتحَسّن بمعزل عن الوضعيات المماثلة للأكراد في تركيا, العراق, وإيران. إذا استمرت هذه الحالة, فإن الأكراد في كل من هذه البلدان الأربعة، ودعوات الانفصال السياسي، سوف تستمر لتكون مصدر التوتر لكل من الأنظمة السياسية الإقليمية، وأغلبيتها غير الكردية على حد سواء.
تتواجد المشاكل التي يواجهها الأكراد السوريون في سياق أكبر من النزاع وعدم الاستقرار الإقليميِين، الذين يُؤثّران على الأكراد في كافة أنحاء الشرق الأوسط. التخفيف من هذه القضايا الكبيرة سيساعد على تحسين الوضع في سوريا، على الرغم من ضرورة الاهتمام بالتأكيد على أن مثل هذه الجهود ينبغي أن تتوافق مع المعايير الدولية لحقوقِ الإنسان، وحقوق الإنسان، والقانون الإنساني. في الوقت نفسه, يجب تبليغ رسالة واضحة للقيادة الكردية الإقليمية، أولاً، إن تأسيس دولة كردية مستقلة على حساب وجود أربع دول حالية أمر غير واقعي، وثانياً، إن الاستمرار بالحديث الانفصالي سيؤدي فقط إلى زيادة الضغوط الداخلية على السكانِ الأكرادِ في كلّ من البلدان الأربعة. كما ذكرنا أعلاه، إن الرأي العام الكردي في سوريا، وبدرجة أقل في إيران وتركيا، يرفض الدعوات الانفصالية، وبدلاً من ذلك يطالب بحقوق ثقافية والحق في المشاركة السياسيِة، التي يجب على النظام الديمقراطي ضمانها لكُل المواطنين في جميع الأحوال.
من جهته، لم يعد بإمكان المجتمع الدولي تجاهل إلغاء الحقوقِ الكرديةِ الحاصل في سوريا. إن العدد المتزايد من الأكراد المجردين من الجنسية، وازدياد انتهاكات الحقوقِ الثقافية والاجتماعية والاقتصاديةِ والمدنيةِ للأكراد سوءاً، لا يهدّدان فقط بإثارة المقاومة الكردية ضد الحكومة السورية، بما فيها مطالب الاستقلالِ، ولكن أيضاً يشجّعان الدولة على الرد على هذه المطالب بالعنف. تعميق هذه الدورة سوف يطفئ أيّ أمل بعلاقات تعاون سلمي مع سكان سوريا من غير الأكراد.
لكن مع بداية الثورة السورية أصبحت علاقة الأكراد مع الثورة ومع النظام تحتاج إلى وقت جديد للتأمل في مقال ثانٍ.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية