أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

ثورة الثامن من آذار 1963 ... للأجيال التي لم تعاصر هذه الأحداث.... سمير سعيفان*

في سوريا كل من عمره دون النصف قرن لم يعرف سوى حزب البعث في السلطة، و كل سوري عمره دون الأربعة عقود قد ولد تحت حكم حافظ أسد، وكل سوري عمره دون ال 13 عام قد ولد تحت حكم بشار الأسد. أي أن معظم شعب سوريا قد ولد ووجد "الأسد في السلطة" فبدا له هذا وكأنه من رواسخ الأمور.
في 8 آذار 1963 قامت "ثورة آذار " المجيدة العظيمة المظفرة الى آخر ما هناك من القاب فخمة أطلقت عليها. هذه الثورة العظيمة هي في الواقع مجرد انقلاب عسكري اعتاده السوريون، دبره مجموعة من الضباط في الجيش هم خليط من بعثيين وناصريين وقوميين عرب ومستقلين، بالتنسيق مع بعض الضباط المسرحين من الجيش ومنهم حافظ أسد الذي كان قد سرح بعد استقلال سوريا عن مصر  عام 1961، ونقل الى مديرية النقل البحري في وزارة المواصلات. لقد حرض الانقلاب العسكري الذي قام به البعثيون في العراق صباح 8 شباط 1963 حرض شهية الانقلاب المتأصلة في الضباط السوريين، فتحالف ضباط بعثيون وناصريون وقوميون عرب ومستقلون ودبروا انقلاب 8 آذار ، حيث  انطلقت بعض الوحدات العسكرية فجراً من معسكرات القنيطرة والسويداء باتجاه دمشق، وسيطرت على الإذاعة والتلفزيون وأركان الجيش وبعض مقرات الحكومة. وأذاع الانقلابيون بيانهم الأول رقم واحد صباح 8 آذار، وأعلنوا في بيانهم الثاني حالة الطوارئ التي بقيت مستمرة دون انقطاع حتى اضطر بشار الأسد لإلغائها شكلياً عام 2012 تحت ضغط انتفاضة السوريين، أي بعد قرابة نصف قرن، وهي أطول حالة طوارئ في التاريخ الحديث، مع استمراراها عملياً حتى اليوم بطريقة أكثر  بطشاً. 

حدث الانقلاب بسهولة بسبب هشاشة المجتمع المدني السوري الذي انهكه عهد الوحدة مع مصر، وبسبب اعتياد السوريين على الانقلابات العسكرية وتساهلهم معها: انقلاب حسني الزعيم 1949 وانقلاب سامي الحناوي 1949 وانقلاب اديب الشيشكلي الأول 1949 ثم انقلابه الثاني 1951 ثم انقلاب شباط 1954 الذي انهى عهد الشيشكلي ثم انقلاب عسكري فرض الوحدة مع مصر في 22 شباط 1958 ثم انقلاب عسكري فرض الانفصال عن مصر في 28 ايلول 1961 ثم انقلاب 8 آذار 1963.

على أثر انقلاب 8 آذار تم تشكيل المجلس الوطني الأول وتألف من: لؤي الأتاسي رئيسا، وعضوية أربعة بعثيين هم: محمد عمران و صلاح جديد و موسى الزعبي، وأربعة ناصريين هم: راشد القطيني و فواز محارب و كمال هلال و درويش الزوني وثلاثة مستقلين هم:  زياد الحريري و غسان جديد و فهد الشاعر. 
لكن سرعان ما اصطرع الانقلابيون فيما بينهم على النفوذ والسلطة. وتغلب البعثيون على خصومهم بُعَيْدَ 8 آذار 1963 بقليل، وتمت تصفية واسعة للضباط الناصريين والمستقلين، وجلّهم من السنة، وخاصة بعد محاولة جاسم علوان الانقلابية الفاشلة في 18 تموز 1963. اذن وجه البعثيون بعيد 8 آذار 1963 الضربة الثانية للتعددية في سوريا بعد الضربة الأولى التي وجهها عبد الناصر، اذ قاموا بتصفية شركائهم في الانقلاب، فأصبحت دائرة الحكم أضيق.

حين استولى حزب البعث على السلطة لم يكن له أية قاعدة شعبية. فرغم أنه كان قوة سياسية قبل الوحدة مع مصر فإن فترة الوحدة قد وجهت ضربة لحزب البعث الذي قام بحل نفسه استجابة لشروط عبد الناصر، وبعد الانفصال أعاد بقايا البعثيين تنظيم أنفسهم، ولكن ليس في حزب واحد هذه المرة، بل في عدة أحزاب وتنظيمات ضعيفة لا يملك أي منها قوة أو رصيداً شعبياً يذكر. فقد نشأ تنظيم القيادة القومية الذي ضم قادة الحزب التاريخيين وكان عدد أعضاء هذا التنظيم قبيل انقلاب 8 آذار 1963 نحو 268 عضو مدني فقط عدا العسكريين، حسب ما ذكر لي وفيق عرنوس، وكان أبرز شخصيات ذاك التنظيم ميشيل عفلق – صلاح الدين البيطار – منيف الرزاز – شبلي العيسمي – محمود جيوش – مروان حبش – وفيق عرنوس – زيد حيدر – حمود الشوفي – محمود نوفل – أحمد رستم – عاطف سميد.... وآخرين، وأن تنظيمهم المدني هذا لم يكن له أية علاقة بالانقلاب ولا أي دور فيه. إلى جانب هذا التنظيم قام تنظيم القيادة القطرية المدني وكانت أعدادهم أقل من ذلك وكان من أبرز شخصياتهم المدنية محمود الأيوبي – رياض المالكي – أديب ملحم. كما أنشأت مجموعة أخرى تنظيم ناصري بقيادة جمال الأتاسي. أما أكرم الحوراني فقد أعاد تشكيل حزبه المستقل "الحزب الاشتراكي العربي". بعد 8 آذار 1963 تم عقد المؤتمر السادس لحزب البعث وعقد في مبنى البرلمان وانضم التنظيم القومي المذكور للتنظيم القطري الآخر لحزب البعث وتم توحيدهم في تنظيم واحد. وفي المجمل لم يكن عدد البعثيين في آذار 1963 يزيد عن بضع مئات في أفضل الحالات فلا ثورة شعبية ولا قواعد شعبية ولا ثورة ولا يحزنون.

بعد ان انتهى البعثيون من خصومهم بدأ الصراع فيما بينهم، بين كتلتين، الأولى تمثل القيادة التاريخية للحزب مثل ميشيل عفلق وصلاح الدين البيطار ومنيف الرزاز وشبلي العيسمي وغيرهم التي استُحضِرَت إلى الحكم بُعَيْدَ انقلاب آذار 1963، ومعهم بعض الضباط وعلى رأسهم أمين الحافظ والضابط النافذ آنذاك محمد عمران، وبين كتلة من الضباط الصغار المنتمين في معظمهم للأقليات، وحسم هذا الصراع بانقلاب 23 شباط 1966، حيث أزاحت مجموعة من ضباط الرتب الصغيرة القيادة التاريخية لحزب البعث، فانتهت السلطة إلى يد مجموعة ضباط "يساريين" أبرزهم صلاح جديد وحافظ أسد وسليم حاطوم وعبد الكريم الجندي، ومعظمهم من الأقليات وقد تحالفوا مع مجموعة من القيادات المدنية السنية، مثل نور الدين الأتاسي في منصب رئيس الجمهورية ويوسف زعين في منصب رئيس الوزراء وعدد آخر. 

استمر الصراع فيما بين الحكام الجدد، بين صلاح جديد وحافظ أسد ومن معهم من جهة وسليم حاطوم وبعض من معه من جهة أخرى، وانتصر جناح جديد الأسد بعد محاولة سليم حاطوم القيام بانقلاب فاشل في ايلول 1966 وهرب الى الأردن وتم تسريح الضباط الموالين له من الجيش ومعظمهم من الدروز. 
انفجر الصراع بين صلاح جديد وحافظ أسد، وعام 1969 انتحر عبد الكريم الجندي في ظروف غامضة، وقيل انه قتل، وهو سني من أصول اسماعيلية، وحسم الصراع بين جديد والأسد في تشرين الثاني 1970 حينما عقدت دورة استثنائية للمؤتمر القومي العاشر لحزب البعث بين 30 تشرين الأول و 12 تشرين الثاني 1970 وتقرر تغيير قيادة الجيش وإقالة حافظ أسد وزير الدفاع، ومصطفى طلاس رئيس الأركان من منصبيهما فقام حافظ أسد صباح 13 تشرين الثاني بتحريك القطعات العسكرية التابعة له واعتقل صلاح جديد الأمين العام لحزب البعث، ونور الدين الأتاسي رئيس الجمهورية، ويوسف زعين رئيس الوزراء، وأعضاء القيادة مصطفى رستم ومروان حبش ومحمد عيد عشاوي ومحمد رباح الطويل وفوزي رضا. وفي 16 تشرين الثاني أعلن عن حركته التصحيحية منهياً الصراع بينه وبين صلاح جديد لصالحه وبقي أعضاء القيادة معتقلين لمدد تقارب الربع قرن وبعضهم توفي في السجن مثل صلاح جديد، وهم رفاق الأسد التاريخيين. 

كان صلاح جديد يسيطر على تنظيم الحزب المدني بالكامل بينما كان حافظ أسد يسيطر على تنظيم الحزب في الجيش وفرض الأسد منذ أواخر عام 1968 استقلالية تنظيم الجيش عن التنظيم المدني كي يتحكم به. لذلك وجد حافظ أسد نفسه بعد انقلاب 16 تشرين ثاني 1970 معزولاً وبدون تنظيم مدني فشكل قيادة قطرية مؤقتة وضع فيها يوسف الأسعد مسؤولاً عن مكتب التنظيم الذي عمل على لململة من أراد التعاون مع الأسد وأعاد تنظيم فروع الحزب وشعبه من العناصر الأكثر انتهازية بين البعثيين وفتح باب الانتساب للحزب لكل راغب في منافع السلطة حيث تم ربط الكثير من المنافع والمزايا بالانتساب لحزب البعث، وأصبحت بوابة البعث شرط لنيل المواطن السوري على الكثير من حقوقه الطبيعية فاستكمل تحويل الحزب الى منظمة للمنافع للموالين وأحد أدوات السيطرة على الدولة والمجتمع. وانقسم المجتمع السوري الى ثلاث طبقات: طبقة أهل الحكم ومن يلوذ بهم مباشرة، طبقة البعثيين، بقية فئات الشعب.

بعد نجاح انقلاب حافظ أسد في تشرين ثاني 1970 قدم الأسد نفسه كزاهد في السلطة، وقام بتعيين شخص مغمور يدعى أحمد الخطيب رئيساً للجمهورية. ثم قام بتنظيم مسيرات جماهيرية يومية تطالبه و"ترجوه" أن يترشح لرئاسة الجمهورية، وكانت إذاعة دمشق تذيع باستمرار أغنية "تسلم إيديك يا معلم ... قود السفينة يا معلم" مما "اضطره" للنزول عند الرغبة الشعبية وقبول تكليف الشعب له بهذه المهمة الشاقة "التي لا يرغب بها". وفي 11 آذار 1971 نظم استفتاءاً شعبياً حول شخصه كمرشح وحيد لرئاسة الجمهورية وفاز به بنسبة 99.7%. ثم أمسك هذا "الزاهد بالسلطة"، أمسك بتلابيبها حتى مماته. 

وأيضاً ونزولا عند رغبة الشعب ومن اجل استمرار نفس العهد الميمون دون تغيير، وقبل مماته رتب توريث هذه المهمة الشاقة لولده، الذي "لم يكن راغباً" بها هو الآخر، ولكنه "قبلها نزولاً عند رغبة الشعب"، وكلف بإخراج هذه المسرحية مصطفى طلاس. وبتاريخ 17 تموز 2000 نظم استفتاءاً على بشار حافظ الأسد كمرشح وحيد وفاز بنسبة 97.7%. 

مقال سابق للكاتب


تقييم لجولتي "جنيف 2"... سمير سعيفان*
2014-02-23
تمثل "هيئة الحكم الانتقالي كاملة الصلاحيات التنفيذية" جوهر الخلاف بين المعارضة والنظام. وسنبين هنا وجهتي نظر الطرفين. مرجعية هيئة الحكم: ينص بيان جنيف الصادر في 30 تموز 2012 على "عملية انتقالية" تقودها "هيئة الحكم...     التفاصيل ..

اتحاد الديمقراطيين السوريين*
(282)    هل أعجبتك المقالة (309)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي