أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

الاهتراء

نستطيع القول إن الاهتراء هو عنوان الحالة السورية الراهنة بعد مرحلة الاستنزاف والإنهاك التي حكمت الصراع طيلة ثلاث سنوات، والتي كانت مقصودة ومتعمدة ومتوافق عليها بين الروس والأمريكان على ما يبدو. 

وحالة التآكل والتمزق والوهن والعجز والتشتت والضياع، لا تنطبق فقط على الشعب السوري المنكوب، الذي تعرض لما لم يتعرض له شعب آخر حتى في أعتى الحروب الكونية، وعلى يد من؟: جيشه وأمنه !... بل تنطبق أولا على النظام الذي شن هذه الحرب، ردا على ثورة شعبية متصاعدة، حطمت بنيته وقاعدته الشمولية العسكرية الأمنية، التي بناها على مدى عشرات السنين، مما اضطره لاستخدام كل وسائل التدمير الحربية، والاستعانة بدول وعصابات حليفة لسحق شعبه عسكريا وبالتجويع والإبادة الجماعية، دون أن يتمكن من تحقيق نتيجة واضحة رغم كل ذلك. 

ليست حمص القديمة فقط هي من تحوّلت إلى ركام، و سكانها إلى مهاجرين أو إلى جثث وهياكل أحياء، أيضا المجتمع الدولي سعى لإخراج من تبقى حيا فيها، بعد أن أصبحت ركاما ومقبرة (وبعد أن كانت يوما مدينة حمص العدية التي تعج بالحياة).. فقد بلغ السخف والتخاذل الدولي درجة أصبحت مسألة خروج المدنيين من منازلهم، هي المسألة الإنسانية العالمية الأهم، أما إيصال الطعام إليهم دون تهجيرهم، فقد استحق أن تستخدم روسيا والصين حق النقض الفيتو في مجلس الأمن ضده .... لأنها قد تذهب للإرهابين .. وهل علف الحيوانات يذهب أيضا للإرهابيين؟ 

أي أن هذا الاهتراء قد وصل أيضا للنظام الأمني العالمي الأعلى، وللدول العظمى السيدة في العالم، وقبلها وبعدها للعقل وللمنطق والحق والأخلاق والقيم والعدالة والشهامة والإنسانية، وبعد ذلك تقولون إن العالم لا يسير نحو الوحشية والحرب.

الاهتراء هو حالة قوى النظام المبعثرة والمحاصرة هنا وهناك، والتي لم تعد تملك الصواريخ لطائراتها بل استبدلتها ببراميل الخردة الصدئة المتفجرة، لترميها عشوائيا على الأحياء القديمة وأبنيتها المتداعية، فوق رؤوس ساكنيها، وبدأ يمتد أيضا لقوات حزب الله التي كانت تعتبر الأكثر انضباطا وتدريبا، حتى وصل لدول الجوار التي انغمست في الشأن السوري أيضا. 

الاهتراء يشمل أيضا حالة قوى الثورة التي لم تتترك طريقة لتنظيم نفسها إلا وجربتها دونما فائدة، وصولا لتبخر أركانها وقياداتها وتحولها لحالة من الفوضى العاجزة عن التنسيق، حتى عندما تكون تحت مسميات جبهوية أيديولوجية وجهادية، وصولا لمنظمة القاعدة نفسها التي تتصارع قواها وتعاني مما يعاني منه الوضع السوري رمة، ويعاني منه الائتلاف المعارض الذي دخل في مرحلة الانفراط، بعد تحطيم عقده ونظامه، وخروج قطاره عن السكة، والحكومة العتيدة التي كان أول قراراتها تخريب ما تبقى من أركان، وإثارة المزيد والمزيد من الانقسامات في صفوف المقاتلين (المعتدلين)، بالتعاون مع رئيس الائتلاف الذي يسابق الزمن للتمسك بالسلطة واحتكارها قبل انتهاء ولايته التي سوف يسعى لتجديدها لكن كيف؟؟ .. 

معا كبشار الأسد رئيس الائتلاف أصبح أمام خيارين: إما تعديل النظام والدستور بما يسمح له بالتمديد (سبب الحاجة القصوى لشخصه الفريد)، أو الانقلاب وإعلان نفسه ملكا، وهو ما لا يتعارض مع الديمقراطية (بالنسخة التي عرفناها في النظام) أو في تحالف (اتحاد الديمقراطيين الشيوعيين مع الإخوان المسلمين مع المال والنفوذ النفطي)، وإدارتهم معا للمعارضة في المرحلة الماضية والراهنة عبر مثلث الدين والمال والاستعمار الغربي ... مثله مثل تنظيم الإخوان التاريخي الذي تعصف به التناقضات والانقسامات، حتى لم تعد تُعرف له بطن من ظهر، ووجه من قفا، كمثل اتحاد الديمقراطيين (الشيوعيين البروليتاريين سابقا) الذي ضيّع البوصلة عندما شاهد رزم المال، وتحول كوادره إلى حَمَلة مناشف للبدوان من عرب النفط والدولار الذين أدخلوا بلدانهم بحالة من الشلل وترقب المصير. 

والاهتراء مصول بالدول الصديقة لسوريا التي تعاني وتعاني من أزمات وأزمات في الإدارة والقرار والاقتصاد، لن تخرج منها بما تستعمله من وسائل، وموصول بجنيف ووفودها التي ترمز فعلا وتجسد واقعا حالة الاهتراء السياسي وخواء المنطق، والعته العقلي والتصحر الأخلاقي والهرم الجسماني أيضا: فهذا يلتقط أنفاسه بصعوبة... إن حملت عليه يلهث، وان تركته يلهث .... وهذا يترنح ويسقط من دون أن يدفعه أحد ... حتى المنقذ المخلص المنتظر، الوسيط الدولي هو أيضا يلهث ويعتذر ويترنح متجنبا السقوط في كلمة أو موقف له معنى أو دلالة، لأن من شأن ذلك أن يفجر الاجتماع برمته، والذي بني على ضلال وغموض يخشى بسببه مواجهة الحقيقة.... ليصبح مسار جنيف كله بانتظار نسمة ريح لكي يسقط، وتسقط معه كل وعود السلام التي خُدع بها الشعب، أو أحلام النصر التي حلم بها وادعاها كلا الطرفين.

وصولا للقوى الراعية وخاصة الدولة (العظمى) أمريكا، التي أسقط من يدها بعد أن خدعها النظام، ولم يسلمها إلا الجزء اليسير من سلاحه الكيميائي، وصار يماطل ويتهرب، ثم رفض تقديم أي تسهيلات حتى لو شكلية لإعطاء الزخم لخديعة جنيف، بل أصر على كشف عورة وهشاشة المجتمع الدولي وما يسمى بأصدقاء سوريا، عندما أهانهم الوزير المعلم كلهم جميعا ومعا في كلمته المطولة، لتكتشف هذه القوة (العظمى) بعد مراجعة وتمحيص أنه لا توجد أي خيارات أخرى غير ديبلوماسية الشلل والعجز والوقوف موقف المتفرج، أو التمسك بحلم نضوج انقلاب علوي يطيح بالأسد، أو حلم قبول إيران وروسيا بالعمل على تنحيته... قبل أن يستكمل السيطرة على معظم جبهات القتال بمصالحات وهدنات أكثر اهتراء وهشاشة، تكرس حالة غياب الدولة والنظام أكثر مما تعيده. 

يظنون أن مرحلة التبريد ستتلو مرحلة الاهتراء، وأن القيم الإنسانية لا تنتقم لنفسها، فتخرج لهم مشاكل أخرى في أمكنة أخرى سوف يعالجونها بذات العقلية، لتتفجر في وجوههم أزمات وأزمات سرعان ما ستقود لحروب شاملة، تعمم البؤس والشقاء وتحقق عدالة التاريخ، وتجعل من كل من يتغاضى عن القيم يدفع ثمن فعلته.
نحن ننتظر نتيجة ثورة أوكرانيا و ما بعد أوكرانيا، لنرى أي نظام دولي مهترئ سيطبق فيها ... لكننا في نفس الوقت ومع كل هذا الاهتراء المقصود والمتعمد في الحالة السياسية والعسكرية السورية في كلا الطرفين، ومع كل هذا التهافت في منطق ووسائل الدول والمجتمع الدولي ونظامه، ومع كل محاولات تركيع الثورة السورية، وتمزيق سوريا ... نؤكد أن هناك عاملا حاسما واحدا لا يهترئ .. بل يصنع المعجزات.. هو ربيع الشعب العربي في سوريا بقوى تجدده وعطائه، بشبابه وأطفاله، وهو الذي سيحسم هذه المعركة بإذن الله.

(125)    هل أعجبتك المقالة (132)

متابع من جوا

2014-03-02

مقال حلو ابو عمر بس ليش ماتسمي الامور بمسمياتها يعني اتحاد الديمقراطيين الشيوعيين والنفط ووو فهمنا انك تقصد ميشيل بس لازم تقول ميشيل وماتظلم كل الناس بالاتحاد او عالاقل ميشو وفايز سارة انت نفسك عضو بالاتحاد اما الذي يلهث ان حملت عليه او تركته فهو اما الكلب كما بالقرآن او الابراهيمي او هيثم المالح ..والله مافهمت مين تقصد طيب وبالاخر شو الحل ؟ ننتظر اوكراينا يعني !!!.


فهد التميمي

2014-03-04

وأنا أقول أيضاّ بأذن الله أنه راح يخذلون المتأمرون على الشعب السوري جميعا وراح يعضون أصابع الندم على فعلتهم النكراء بحق الشعب المظلوم ولكن حينها لن ينفع الندم ..


التعليقات (2)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي