أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

إخوان سوريا.. لغز لما ينكشف

منذ انطلاق الثورة السوريّة والنقاش يدور حول دور حركة الإخوان المسلمين فيها. ولا يخفى على متابع حالة الشد والجذب لدى الشرائح المؤيدة للثورة لهذا الدور، فمنهم من يعتبره واضحًا بالنظر إلى سلوكهم داخل هيئات المعارضة التي تشكلت خلال الأعوام الثلاثّة الماضيّة، ويعكس نتائج المراجعات السياسيّة والفكريّة التي قامت بها الحركة بعد خروجهم من سوريّة. في حين يرى قسم أخر أنه محاط بكثير من الغموض ، وأن حراكهم ضمن هيئات المعارضة يهدف قبل كل شيء إلى " امتطاء" العمل الثوري، و" التغطيّ" بهيئات المعارضة السوريّة لتحقيق أهداف الحركة، وتعظيم منافعها في مختلف الظروف بعض النظر عن المبادئ أو مرتكزات التحالفات التي تقيمها. 

من الصعب بمكان تبنيّ آيًا من وجهتي النظر السابقّة، فكلتيها له دعائمه ومبرراته وفق الآتي:

مراجعات الجماعّة: الدولة المدنيّة والتعدديّة
بعد خسارتهم في المواجهة المسلحة مع نظام الأسد الآب، وخروجهم من سوريّة بعد مجزرة حماة عام 1982، بدأت قيادات الجماعة بمراجعة نقديّة جديّة لتجاربهم السابقّة خاصة خيار " العمل المسلح"، والنتائج التي آلت إليه. لم تكن هذه المراجعات سهلة، بل ألقت بظلالها وتداعياتها على البناء التنظيمي للإخوان في الخارج، إذ ظهر صراع وخلافات وانشقاقات داخليّة بين مؤيد لإعادة بناء منظومة التفكير والممارسة السياسيّة للجماعة بالتخلي عن العمل المسلح لصالح العمل السياسيّ التشاركيّ مع باقي أطياف المعارضّة، وبين رافض لنقد التجارب السابقّة واقتطاعها من سيرورتها السياسيّة والاجتماعيّة والتي حتمت على الجماعة انتهاج العمل المسلح لافتقاد الهامش اللازم للعمل السياسيّ والتأثير ضمنه.

بالمجمل، وبحسب ما يورد المراقب العام السابق للإخوان المسلمين في سوريّة فإن  هذه المراجعات خرجت بنتيجة مؤداها " أنه كان من الخطأ استدراج الجماعة للمعركة مع النظام"، لتطوي الجماعة صحفة تجربة الثمانينيات، وتقدم نفسها بوجه جديد أخر.

بعد توريث الحكم في سوريّة عام 2000 ووصول بشار الأسد إلى السلطة، حاول النظام امتصاص وطأة "التوريث" بإطلاقه مجموعة من الوعود الإصلاحيّة. بغض النظر عن هذه الوعود - والتي لم تكن سوى " خدعة" لتثبت حكم الوريث الشاب وإصباغ الشرعية عليه-  فإنها خلقت أجواء سياسيّة مختلفة عما كان عليه الواقع في فترة  الأسد الأب؛ إذ بدأ حراك سياسيّ وثقافي نخبوي سمي " ربيع دمشق" وخرج عنه وثائق عدة؛ كوثيقة الـ 99، أو وثيقة 1000. حملت هذه الوثائق - ولأول مرة- مطالب إصلاحيّة وتغييرية سياسيّة؛ كإطلاق الحريات العامة وعودة المنفيين، والإفراج عن المعتقلين السياسيين، وضرورة الانتقال إلى نظام ديمقراطي تعددي. وجد الإخوان في المناخ السياسيّ السائد أنذاك فرصىة لبلورة المراجعات السابقة في مواثيق ومشاريع تقطع مع الفترة السابقة ( العنفيّة)، وتؤسس لمرحلة جديدة من فكر الجماعة وتوجهاتها السياسيّة. وبالفعل أصدرت الجماعّة في عام 2001 ما أسمته " ميثاق شرف وطني للعمل السياسي"، ويتضمن ثوابت الحركة فيما يتعلق بالمرجعية الدينية والحضارية الإسلامية والعربية. ويطرح هدف بناء الدولة الحديثة والمؤسساتية والتعدديّة، والالتزام بآليات العمل السياسيّ الديمقراطي.

 واستكمالاً لهذه الخطوة الهامة، طرحت الجماعة في عام 2004 ما أسمته " المشروع السياسيّ لسورية المستقبل" والذي يتضمن رؤيتها في كثير من القضايا السياسية والاجتماعيّة. ولعل القارئ المتمعن في هذا المشروع يلاحظ بوضوح الرؤية التجديدية التي طرحتها الجماعة لاسيما فيما يتعلق بقبولها الدولة المدنية،  ومبدأ الديمقراطيّة والتداول السلمي على السلطة، وتهيئة الظروف لانتقال الجماعة إلى حزب مدني بمرجعية وخلفيّة إسلاميّة بما يتطابق مع توجهات المؤسس مصطفى السباعي والتي كانت أفكاره سابقة لعصرها فيما يتعلق بنظرة الحركات الإسلامية إلى الدولة والمجتمع. 

لا يمكن لمتابع الحركات الإسلاميّة إلا أن يعترف بالخطوات الشجاعة التي اتخذتها الحركة فيما يتعلق بمراجعاتها السياسية والفكريّة. وقد ساهم ذلك في اكساب الحركة مرونة جعلتها تتكيف مع الظروف السياسيّة ومتطلباتها إلى درجة تقطع الشك في المزاودين عليها في هذا المجال. ولعل الخطوة الأكثر جرأة وتقدمًا عن جميع الحركات الإسلامية في الوطن العربيّ هي وثيقة "عهد وميثاق" التي أصدرتها الجماعة في 25 أذار/ مارس 2012 ، وأقرت فيها بأنها تطمح إلى سوريا المستقبل " دولة مدنية حديثة قائمة على التوافق وعلى دستور مدني تضعه جميعة تأسيسة منتخبة". وتضمنت وثيقة " عهد وميثاق" عشر نقاط في غاية الأهميّة عكست التجديد في فكر الإخوان المسلمين هي: مدنية الدولة، التداول على الحكم، تعزيز حقوق المواطنة، احترام حقوق الإنسان، المساواة بين الرجل والمرأة، الحوار مع الاخر واحترام تمايزاته، نبذ الأرهاب، سيادة العدل والقانون، سيادة الشعب، التعاون والآلفة والمحبة.

انتهازية في العمل السياسيّ:
على أهميّة المراجعات السابقّة، فإن السلوك السياسيّ للإخوان المسلمين في سوريّة ما يزال يلفه كثير من الغموض، والضبابيّة، ويتجاوز في أحيان كثيرة البراغماتيّة السياسيّة إلى انتهازيّة منفرة. لن ندخل في روايات ماضي السبيعينيات والثمانينيات، ولكن سنتطرق إلى بعض الحوادث خلال العشريّة الأخيرة وخلال مراحل الثورة. 

في تشرين الأول/ أكتوبر 2005، أطلقت في سوريّة وثيقة سميت " إعلان دمشق"، وقعت عليها أحزاب التجمع الوطني الديمقراطي، ولجان إحياء المجتمع المدني، وغالبية الأحزاب الكرديّة، وعدد كبير من الشخصيات المستقلة. وعلى الفور أعلنت جماعة الإخوان المسلمين برئاسة علي صدر الدين البيانوني تأييدها الكامل لإعلان دمشق، فضُمت إليه على الرغم من مخاطر جمة كانت تواجه شخصيات معارضة داخل بسبب القانون 49 والذي يحظر نشاط الجماعة في سورية ويعاقب بالإعدام منتسبيها أو المتعاونين معها. لكن، وبعد انشقاق نائب الرئيس السابق عبد الحليم خدام عام 2006، خرجت الجماعة من إعلان دمشق، وتحالفت مع خدام ضمن ما سمي أنذاك جبهة الخلاص.

 لا يمكن للمرء أن يقدم تفسير منطقي للخطوة تلك، إلا إذا جرى وضعها في إطار انتهازية الجماعة وقياداتها واستعالجها الوصول للسلطة بدون مراعاة للقوى الديمقراطيّة الأخرى التي تحفظت على جبهة الخلاص، وعلى مؤسسها خدام باعتباره أحد رجالات النظام الرئيسيين والذين شاركوا في القمع وترسيخ حكم العائلة الواحدة، وحارب القوى الديمقراطية وربيع دمشق ووصفهم بأنهم " أدوات الاستعمار الجديد". هذا عدا عن كونه متهم بكثير من قضايا الفساد والرشوة وغيرها. 

وبعد أن تبين للجماعة أن ما ذهبت إليه في تحالفها مع خدام لا يعدو عن كونه " سرابًا"، استفاقت وحاولت تصحيح الخطأ السابق ولكن بطريقة راديكاليّة أو ما يمكن أن نسميه " العلاج بالصدمة". فبدون أي مقدمات، وبدلاً أن تقدم الجماعة تنازلات لقوى المعارضة الديمقراطية التي افترقت معها، قدمت الجماعة في عام 2009 تنازلاً هامًا للنظام تمثل بتجميد انشطتهاالمعارضة للنظام. وقد بررت هذا الموقف المفاجئ وغير المفهوم آنذاك " بوقوف النظام إلى جانب حركة المقاومة الإسلاميّة ( حماس) أثناء العدوان الإسرائيلي على غزة". وندعيّ، أن الموقف السابق لم يكن إلا محاولة لطمس الموقف الحقيقي للجماعة والتي تلمست تغيرات الإقليم والنظام الدولي بعد انتخاب أوباما وخروج النظام السوريّ من عزلته وعودة الاتصالات الإقليمية والدولية معه. وقد ذهبت الجماعة في تنازلاتها إلى حد بعيد عندما عرضت على الأسد الابن  أن تصبح " جماعة دعويّة" شريطة عودتها إلا سورية إلا أن الأخير رفض.

بعد انطلاق الربيع العربيّ، أرسلت قيادات الجماعة وعبر أكثر من وسيط رسائل إلى بشار الأسد لفتح حوار معه، وقد استمر هذا التوجه حتى بعد انطلاق الثورة السوريّة.  وهو ما قد يفسر تأخر الجماعة في اتخاذ موقف واضح من الثورة والنظام حتى أواخر نيسان/ أبريل 2011. 

مع اتساع الثورة وامتدادها وبروز حراك سياسي معارض نشطت الجماعة وحاولت التحكم بالهيئات الناشئة، وفّعلت ما يسمى " مبدأ الركائز" والمتمثل في أن يكون للجماعة أو مؤيديها القدرة على التأثير في أي هيئة أو حركة بدون أن تتقدم الجماعة إلى واجهة هذه الهيئات. حصل ذلك في مؤتمر أنطاليا والذي عقد في حزيران/ يونيو 2011، إذ رجحت الجماعة قيادة للمؤتمر تمثلها أو تواليها.  حصل ذلك أيضًا في أول محاولة للمجلس الوطني في أيلول/ سبتمبر 2011 عندما تولى زمام القيادة أشخاص كانوا اعضاء سابقين وموالين للجماعة كاحمد رمضان وعبيدة نحاس وغيرها. وبالطبع لا ننسى أن الحركة شاركت في مؤتمر باريس الذي سمي " نجدة سوريّة" وشارك فيه الكاتب الفرنسي برنارد هنري ليفي المعروف بتأييده الكبير لإسرائيل. الأمر الذي جلب لها انتقادات كثيرة ما دفع الجماعة إلى تبريره بأن ممثلها  " ملهم الدروبي" حضر باعتباره جزء من وفد مؤتمر انطاليا. تكرر السلوك البراغماتي للحركة فيما بعد سواء في المجلس الوطنيّ أو في الائتلاف. ولعل أبرز الصور الأخيرة الواضحة هو التناقض الذي حصل بين قرار المجلس الوطني بعدم الذهاب الى جنيف2، وتصويت الجماعة داخل الائتلاف لصالح حضور المؤتمر. وهو ما  أظهر المجلس الوطني كهيئة ضعيفة هشة في طريقها إلى الزوال.

 أما على الصعيد العسكريّ، فما يزال دور الجماعة ضبابيًا ذلك أنها لم تفصح عنه حتى الآن. إذ لا يعرف نشاطًا عسكريًا للجماعة إلا من خلال هيئة حماية المدنيين أو دروع الثورة المنتشرة في المحافظات والتي تراجعت فاعليتها بشكل كبير خلال العام الأخير.

خاتمة:
إن حركة الإخوان المسلمين هي جزء أصيل من الخارطة السياسيّة السوريّة، ولا يمكن لأي رأي أن يستبعد وجودها وحضورها مهما كان إقصائيًا. لاشك أن المراجعات التي قامت بها الجماعة على المستوى الفكريّ والسياسيّ هي مراجعات مهمة وغير مسبوقة على صعيد الحركات الإسلاميّة. لكن التطبيق العمليّ والتجارب لا تتوافق مع هذه المراجعات. من هنا فإن الحركة مطالبة أكثر من أي وقت مضى بتوضيح ما هو مبهم، واعتماد الشفافيّة في العمل السياسيّ، والخروج من إطار الجماعي الضيق باتجاه العمل الوطنيّ بشكل يعزز اللحمة بين الجماعة والقوى الأخرى ويمنع حصول شرخ من شأنه أن يخلق استقطابًا على غرار ما حصل في بعض الدول العربيّة. ولعل تفكير الجماعة في إطلاق حزب وطني ذو خلفية إسلاميّة تحت مسمى " وعد" يعد خطوة متقدمة على هذا الطريق شريطة أن يكون حزبًا حقيقيًا وليس واجهة لقيادات الجماعة.

باحث في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات - من كتاب "زمان الوصل" في زاوية "اسلام وجهاد"
(131)    هل أعجبتك المقالة (137)

أحمد محمد

2014-03-02

التحالف مع خدام كان هو القرار السليم في ذلك الوقت. الآن نحن نرحب بانشقاق موظف من الدرجة العاشرة فكيف لا نرحب وقتها بانشقاق نائب رئيس النظام و شخص له علاقاته الدولية الواسعة و في زمن لم يكن فيه بصيص أمل بانهاء حكم الأسد؟؟.


2014-03-08

حتى اسم الكاتب غير مذكور.


سمر الحايك

2014-03-24

غفل الكاتب محاصرة الأخوان السوريين من قبل الخليج وعلى رأسها السعودية ومصر وكل الدول العربية تقريبا لهم بينما أميركا هي من تدفع العرب لمحاصرتهم . اي لقاء سياسي أو لجنة أو وفد فيه عضو واحد من الأخوان السوريين لايستقبل في السعودية وفي كل هذا الدول ، الأخوان هم ألرقم الممنوع سياسيا ولذلك هم يعرفون واقعهم ولايريدون أن يحملوا المعارضة سياسيا او عسكريا نتائج هذا الواقع لكنهم على الصعيد الاغاثي والاجتماعي فهم الأبرز دون واجهة مكشوفة ..


التعليقات (3)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي