أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

لماذا نكتب ؟ ... مضر عدس

لماذا نكتب ..؟ أولى تجارب الإنسان القديم في الكتابة كانت باختراعه لأبجدية أوغاريت و التي كانت أقدم الأبجديات و أكملها ، حيث كانت الكلمات ترسم على الصخور في الجبال و المُغر ، و لحضارة الفراعنة الفضل في اختراعها لورق البردي المصنوع من نبات البردي و الذي دُون عليه النتاج الحضاري للفراعنة ، و أما شرقاً فقد كتب البابليون على ألواح من الطين و التي كانت أقل استمرارية من البردي في تخزينها عبر التاريخ ، و تطورت أدوات الكتابة عبر العصور ، و زادت الأبجديات و تطورت قوالب حفظها ، فقد كتب العرب و غيرهم على جلود الحيوانات ، إلى أن جاء اختراع الورق و الذي يعود الفضل لوجوده للصينيين . إن رغب الإنسان في تخليد المراحل التي يمر بها أو اللحظات سواء كانت تخص العوام من شؤون الرعية أو حوادث و معارك أو معاهدات و مراسلات بين حضارات أو كانت تخص حياة كاتبها من حب عاشه أو تجربة مريرة أو سعيدة ، جعلته يبحث عن طرق ليجعل من تجربته قصة تتناقلها الأجيال اللاحقة ، فبدأ باختراع الأبجديات التي تطورت و اكتملت و أوجد قوالب لتحُفظ بها كتابته ، فهوميروس كتب في ملحمته الشعرية قصصاً من عالمه الذي عاش فيه و التي امتزجت بالأساطير اليونانية ، فلولا أن خلد هوميروس ما عاشه و آمن به لمَّ وصلت إلينا اعتقادات أهل عصره ، و لو قفزتا إلا الفترة الجاهلية من حياة العرب فسنرى شعراً يصف أدق التفاصيل عن حياتهم و تقاليدهم و اعتقاداتهم ، فعلى سبيل المثال إن نظرنا إلى المعلقة الشهيرة لامرؤ القيس فسنجد بدايتها تتكلم عن الأطلال و الأماكن التي عاشت معه الحب : 
قفا نبك من ذِكرى حبيب ومنزل بسِقطِ اللِّوى بينَ الدَّخول فحَوْملِ
فتوضح فالمقراة لم يَعفُ رسمهاَ لما نسجتْها من جَنُوب وشمأل
فيكمل بوصفه لحبيبته و الحادثة التي مرّا بها فيقول : فظلَّ العذارى يرتمينَ بلحمها وشحمٍ كهداب الدمقس المفتل
ويوم دخلتُ الخدرِ خدر عنيزة فقالت لك الويلات إنكَ مُرجلي فبمقدور الجامح بخياله أن يرى كيف كانت حياة العرب في ذاك الزمان . لماذا نكتب ؟ هذا السؤال راودني بعد أن عجزت عن الكتابة في أحد الأيام ، قال لي صديقي يوماً أنا أكتب رواية ، كان سؤالي له خاطئاً ، أعندك قصةً مناسبة ؟ فالسؤال الأهم .. لماذا تكتب ؟ فلو دخلتُ لقلبه لعرفت بأنه يكتب ليخلد اسمه ، و لكن و إن كتب سيكون نتاجه صفاً للكلام كجسد إنسان صريع ، روح الكتابة في سؤالي .. لما نحن نكتب ؟ و بعد تفكير طويل سأقول : نحن نكتب لنعبر عن الذي مررنا فيه ، لنخبر الآخرين عن تجربتنا هذه ، و لنقول للجميع أنا مررت بما لم تمر به فإياك و أن تخطئ ، أما أنا فأكتب لكي أخلق لتجربتي فرصة أخرى أصيغها كما أريد لأعدل هفواتي ، لأضيع في خيالاتي و أحقق ما لا أقدر عليه ، لأتنفس و أفرز شيئاً من الحرمان ، سواء كان فكرياً أو إنسانياً . عيشوا تجاربكم و أبحروا في خيالاتكم و أوجدوا أفكاراً ثم أخبرونا عنها بأقلامكم .

(140)    هل أعجبتك المقالة (157)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي