"زمان الوصل" في حلب المحتلّة..كل الطرق تؤدي إلى النظام والعين لاتعلو على الحاجز!

عمدت الأجهزة الأمنية السورية وعلى رأسها المخابرات الجوية في مدينة حلب، إلى تقطيع أوصال المدينة في الجزء التي تسيطر عليه قوات النظام، وبخريطة تدريجية، ابتدأت منذ أن حرر الجيش الحر في الثاني والعشرين من تموز 2012 ما سمي لاحقاً بالمناطق المحررة.
*تقطيع أوصال المدينة
وفي جولة ميدانية لمراسل "زمان الوصل" في مدينة حلب أكّد أن مناطق سيطرة النظام والتي تشمل منطقة الوسط والغرب من المدينة تخضع لخطّة أمنية معقدة إلى جهة تقطيع أوصالها طرقياً.
وتعتمد تلك الخطة الطرقية التي أدّت إلى تقطع الطرقات بشكل شبه كامل، على إغلاق كافة المنافذ المؤدية إلى كل منطقة، وترك منفذ واحد فقط للسيارات والمشاة، بحيث يضطر الراغب بالدخول إلى أية منطقة إلى الدخول إليها من هذا المنفذ والخروج منه أيضاً.
فمثلاً، قطعت قوات النظام الطرق النافذة إلى منطقة "العزيزية" بكتل حجرية من كافة الجوانب وحصرت الطريق من شارع 16 تشرين فقط، والخروج منها حصراً من جانب مقهى "النخيل" المحاذي للحديقة العامة، وبذلك يتسنى لعناصرها رؤية كافة الداخلين والخارجين، وكذلك فعلت مع بقية المناطق.
الحواجز، والتي باتت سمة عادية لسكان تلك المناطق، وتسجل حضوراً كثيفاً ومعتاداً خاصة بالقرب من مربعات باتت مع الوقت "أمنية"، كساحة سعد الله الجابري، والتي قطعت الطرق المؤدية إليها بشكل كامل وباتت منطقة معزولة، فيما تشهد مناطق الجميلية والإسماعيلية ازدحاماً غير مسبوق عبر تاريخ المدينة، فقد تحولت الأسواق والتجمعات وخاصة "البسطات" من أماكنها المعتادة، فمثلاً يشكّل دوار "الموت" الذي يقع عند مدخل المدينة الجنوبي الغربي، بديلاً لما كان يسمى سوق الهال الواقع في منطقة باب جنين والقريبة من نهر "قويق" والتي تعدّ اليوم خط جبهة أولي أمام منطقة بستان القصر.
وتزامناً مع ذلك فقد باتت منطقة كالفرقان المعروفة بكونها منطقة "راقية" تجمعا لطابور طويل من بائعي الخضار، واللحم المشوي وخصوصاً في الجزء القريب من المدينة الجامعية والتي حوت وقت تحرير المناطق المحررة عدداً كبيراً من النازحين من القصف، إلا أنها اليوم تحولت إلى خزان للشبيحة وعائلاتهم.
حواجز الطريق باتت اليوم أكثر روتينية في التعامل مع المارة، والذين باتوا يعرفون العناصر بالاسم، فصحبة عامين، دفعت الأهالي للتعرف على العناصر، وحتى إن تغير بعضهم فالتعارف الجديد يتم بسرعة.
يؤكد مراسل "زمان الوصل" أن حواجز الطريق اليوم تكتفي بفتح صندوق السيارة ولا تزعج المارة بشكل عام، إلا أن الأمر لا يخلو من بعض الابتزازات فمثلاً، السيارة التي تحمل مواد غذائية لا بدّ أن تعطي العناصر حصتهم بطريقة "التخجيل"، ومن وضع علب تبغ على تابلو السيارة لا بدّ أن يستغني عن علبة أو علبتين لعناصر الحاجز.
وتنحصر الإزعاجات في الطريق غالباً عندما يمر موكب لتشييع أحد قتلى الجيش أو الشبيحة، حيث يطلق العناصر النار في الهواء بشكل عشوائي، ليتشكل حالة رعب لدى المارة، ويمكن أن يصيبوا بعضهم كما حدث أكثر من مرة، وأما إذا مرّت سيارة لعناصر الدفاع الوطني (الشبيحة) فإن العناصر يسبّون ويشتمون طوال الطريق السيارات الأخرى إذا لم تفسح الطريق لهم، ومن الممكن أن يضرب الشخص بشدة لمجرد أن يبدي عدم تقبله للشتيمة.
*نزوح "الحكومة"
الدوائر الحكومية أيضاً نالها نصيب من تغير محل الإقامة، فمثلاً نقلت دوائر النفوس والتي كانت تتوضع في منطقة السبع بحرات والتي هي الآن خط أول للجبهة مع الجيش الحر، إلى محطة بغداد المتوقفة عن العمل، فيما نقل السجل العقاري إلى منطقة السريان القديمة.
ويقول أحد الأهالي لـ "زمان الوصل" إن حركة المعاملات الحكومية تمشي بشكل طبيعي، غير أن سعر الرشاوي زاد عشرة أضعاف، فمثلاً تحولت المعاملة التي كانت تكلف قبل الثورة 500 ليرة إلى 5000 ليرة، فضلاً عن التعامل الفظ من الموظفين، والازدحام الشديد بشكل عام على استخراج المعاملات الحكومية كإخراجات القيد، وجوازات السفر، والبيانات العائلية، واستخراج مصدقات التخرج من شعب التجنيد والتي انتقلت بدورها من مكانها المعهود في العرقوب، إلى منطقة الفرقان في مقر معهد الإعداد الحزبي.
وضمن التقسيم الإداري المتبّع للطرق، فإن لأجهزة الأمن حصة أيضاً من هذا التقسيم، فمثلاً يقع تحت نفوذ فرع الأمن العسكري كل المناطق الممتدة من مقر الفرع في حي "الشهداء" المحاذي لدوار "الباسل" وحتى منطقة الحمدانية، وأما أمن الدولة، فإن المناطق الممتدة من مقر الفرع في حي "المحافظة" وحتى الشهباء وشارع النيل والخالدية، تتبع له، فيما تنفرد المخابرات الجوية بتنوع نفوذها وتشكل منطقة ساحة سعد الله وسط المدينة أكثر مكان لتواجدهم.
وفي استطلاع سريع لمراسل "زمان الوصل"، فقد علم أن الحواجز الأقل فظاظة في التعامل مع المدنيين هي حواجز فرع أمن الدولة، والحواجز الأسوأ هي حواجز المخابرات الجوية.
* مافيا سلامة -بري
وشهدت مناطق سيطرة النظام في الأشهر الأخيرة وتحديداً منذ سيطرته على طريق "خناصر"، انخفاضاً ملحوظاً في أسعار الخضار والفواكه، والمواد الغذائية، فمثلاً وصل كيلو البرتقال إلى 50 ليرة، والبندورة إلى 70، إلا أنها تبقى مقارنة مع الوضع قبل الثورة أغلى بثلاثة أضعاف.
وتدخل الخضار والمواد الغذائية إلى مدينة حلب (طرف النظام) من طريق خناصر ومن السلمية تحديداً، ويتعهّد شقيق اللواء أديب سلامة رئيس فرع المخابرات الجوية، أكبر الحملات لإدخالها للمدينة، ويشتري حسن برّي شقيق زينو من شقيق اللواء سلامة، ويوردها لتجار الجملة، والأموال يومياً بالملايين نتيجة احتكار هذه التجارة ولهذا الطريق، حيث لا يمكن لتاجر عادي أن ينافس فيها.
النازحون الهاربون من قصف البراميل والذين وصل عددهم الآلاف اصطدموا بداية دخولهم من معبر بستان القصر، بعدد من العوائق منها عدم وجود مأوى لهم، فافترش بعضهم الطرقات ليوم أو يومين وبعد ذلك اختفوا من الشوارع، حيث توزعوا إلى عدة مناطق، منهم من سافر من حلب إلى جهات متعدّدة، وغص مركز الانطلاق بهم لأيام، ومنهم من نزل عند أقاربه، رغم استنفار الأجهزة الأمنية لذلك، حيث تقوم تلك الأجهزة بتمشيط دوري على الأحياء وإحصاء الوافدين الجدد عبر مداهمة البيوت وتسجيل أسماء الموجودين وإضافة الجدد.
*النازحون الجدد
وعلم مراسل "زمان الوصل" في حلب، أن قراراً شفهياً صدر لكافة المكاتب العقارية بعدم تأجير البيوت للنازحين إلا بعد استصدار موافقات أمنية، بعد جمع أسماء من يريد الاستئجار.
أما القسم الأكبر من النازحين فقد توجه إلى الأبنية غير المكسية في مناطق الفيض والمشارقة وجمعية تشرين في الحمدانية و استلموا "شوادر" من الهيئات والمنظمات والمبادرات الإغاثية وقاموا بتقطيع هذه البيوت التي على العظم (لا إكساء فيها) ووضعوا فيها ما أحضروه معهم من متاع بسيط و أقاموا بأعداد كبيرة فيها.
ولا توجد أية وسائل تدفئة لدى هؤلاء وهذه الأبنية غير مجهزة بالكهرباء والماء والصرف الصحي وحصلت حوادث سقوط من شرفاتها باعتبارها أبنية غير مكتملة (لا درابزون فيها) أدت لوفاة طفلين و إصابة اثنين إصابات خطيرة.
في مناطق سيطرة النظام، اعتاد الأهالي الأمر، كما اعتاده أهالي المناطق المحررة، والتذمر هو الحالة العامة لديهم، فالكلّ ينتظر شيئاً ما، يخرج هذه المدينة من دمارها، ويعيد إليها ضجيجها السابق، ضجيج من نوع مختلف، لا يقارب صوت المدافع التي تسمع بشكل بات طبيعياً لمن هم قاطنون في تلك المنطقة، وهي تقصف إخوانهم في الطرف الآخر، وأصوات غير تلك التي خرجت بمسيرات مؤيدة للنظام بوجه النازحين الذين وصلوا..
زمان الوصل - خاص
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية