دائما لا بد من العمل في أي أمر وأي شأن والعمل الجماعي هو الأفضل والأحسن ، ولا ينجح إلا إذا كان فيه فن التهامل مع الأخر ، لكنه من الملاحظ أن الكثير من الشباب يأخذون الأمور بحدية دائما ، فإما وإما ، لكن في الحقيقة هناك طرق يمكن ـم نسميها (فنية) تصلح لمعالجة الأمور ، بدلاً من أن نسميها سياسية حتى لا يتحسس البعض من السياسة – على فكرة ليست السياسة دائما سيئة كما نراها في هذا الزمان ، بل هناك من قال : السياسة من الكياسة ، وهناك أيضاً عندنا ما يسمى بالسياسة الشرعية – فبعض شبابنا (سوريون ، عرب ، مسلمون) من المتحمسين لكنهم وللأسف قليلوا الخبرة في معاركة الحياة ، يعتقدون أنه لا مساومات على ما يعتقدون أنه حق أو يريدون تطبيقه أو ما تعلموه ، فهذا مع احترامنا للجميع قصر نظر ، فالحنكة مطلوبة ، بل ضرورية للوصول لما نريد ، والحنكة ليست خداعاً وكذباً ، بل فن التعامل ، وفن الطلب ، وفن اختيار الوقت ، وهذه كلها من الطرق الفنية .
فالبعض لا يتنازل عن مشروع إقامة دولة الخلافة ، ولا يقبل عنها بدلاً .
فله أقول : هل مقومات الخلافة موجودة ؟ !
وهل في زمن تتكالب الأمم على المسلمين كما تتكالب الأكلة على قصعتها نحن قادرون على أن نبني دولة الخلافة ؟!
من خلال السؤالين السابقين فقط نجد أن أمام هذا الطرح عوائق كبيرة وكثيرة ، إذا ما الحل ؟
هل نحاول الحل مهما كلفلنا وبدون فائدة ؟
نرى أن الحل في السيرة النبوية أي في فهمها فهماً جيداً ، كذلك في فهم الدروس التاريخية لأمتنا خلال مسيرتها الطويلة .
أليس الله جلا وعلا قادراً على أن يجعل الناس أمة واحدة (بـ كن فيكون) ؟ لماذا إذاً استمرت المرحلة المكية ثلاثة عشر عاماً من الشقاء والعذاب ورفض الدعوة ؟
أليس من أجلنا حتى نهتدي ونقتدي بهذه المرحلة ، و نتعلم من الصبر الذي صبره سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وصحابته الكرام رضوان الله عليهم أجمعين ، وهناك مئات الدروس منها ومن غيرها .
فعودة على بدء علينا أن نتحلى بالصبر إذاً ، وبعد النظر ونأخذ بالطرق الفنية لتلبية مطالبنا أياً كانت .
وتلكم بعض القضايا على سبيل المثال وليس الحصر
1- مشروع الدولة المدنية لا يتعارض مع إقامة المسلمين لشعائرهم الدينية، فيستطيعون ممارستها بحرية دون تدخل أو ضغط ، فعلينا أن لا نرفضه لمجرد الرفض ، بل نقبل به لأن إقامة الخلافة غير متحقق في هذا الوقت ، بل وصعب المنال ، لاعتقادنا أن الدولة المدنية لا تتناقض مع الحقوق الدينية للمسلمين .
2- وقضية العيش المشترك هي موروثة عن الدولة الإسلامية الأولى فقد كان المسلمون واليهود يتعايشون في المدينة المنورة ، حتى أن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب وثيقة في تحديد مبادئ ذلك التعايش ، كما أنه بقي اليهود والنصارى يتمتعون بكامل حقوقهم الدينية ، وعاشوا كمواطنين في ظل الخلافة الإسلامية وما بعد الخلافة الإسلامية .
إذاً علينا جميعاً أن نكون واثقين من عيشنا المشترك القادم . وإن حاول بعض المغرضين الضرب على هذا الوتر لإيجاد شرخ وطني . ونحن المسلمين نحتكم إلى قواعد ثابتة كقوله تعالى { لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ } [البقرة : 256]
3- موضوع الديمقراطية : اليوم أغلب العالم يعتقد أن الديمقراطية هي الحل للقضاء على الفردية والدكتاتورية والاستبداد ، وحتى لا نكون برفضنا للديمقراطية نعطي صورة عنا بأننا مع التسلط والدكتاتورية ، وضد الحلول العملية ، فالديمقراطية قريبة جداً من الشورى ، فالفريق المنتخب من قبل الشعب من خلال الصناديق سيتشاور في أمور الحكم مع الحاكم ، إذاً علينا أن ننهج النهج الذي يبتعد عن التبعية والتصفيق والتطبيل ، ولتكن ديمقراطيتنا تمثيلية تشاورية تشاركية ، لا تعتمد الحزب الواحد أو التكتل الواحد ، بل تتضمن جميع شرائح المجتمع ، وأن يكون دورها التشاوري عملي وفعال ، فتصبح مثلاً يقتدى به .
فحسب ماهو معلوم أن الديمقراطيات في العالم ليست واحدة ، لنختار ما يتناسب مع واقعنا وخصوصيتنا ، وطالما النوايا حسنة فلن تكون النتائج إلا حسنة .
4- وإن مثلنا العربي الشهير الذي يقول : (إذا أردت أن تطاع فاطلب المستطاع) هو مرتكزنا لفن الطلب .
5- علينا دائماً أن نتحين الوقت المناسب الذي نستطيع من خلاله أن نصل إلى مطالبنا وشروطنا وأهدافنا ، فليس كل الأوقات دائما دلئما مناسبة لتطبيق طلباتنا والشروطنا والأهدافنا .
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية