تمثل "هيئة الحكم الانتقالي كاملة الصلاحيات التنفيذية" جوهر الخلاف بين المعارضة والنظام.
وسنبين هنا وجهتي نظر الطرفين.
مرجعية هيئة الحكم:
ينص بيان جنيف الصادر في 30 تموز 2012 على "عملية انتقالية" تقودها "هيئة الحكم الانتقالية كاملة السلطات التنفيذية . ويمكن أن تضم أعضاء من الحكومة الحالية والمعارضة ومن المجموعات الأخرى، ويجب أن تُشكّل على أساس الموافقة المتبادلة".
أيضاً بحسب الفقرة 16 من قرار مجلس الأمن 2118: (16 - يؤيد تأييدا تاما بيان جنيف المؤرخ 30 حزيران 2012 (المرفق الثاني)، الذي يحدد عددا من الخطوات الرئيسية بدءا بإنشاء هيئة حكم انتقالية تمارس كامل الصلاحيات التنفيذية، ويمكن أن تضم أعضاء من الحكومة الحالية والمعارضة ومن المجموعات الأخرى، وتُشكل على أساس التوافق).
موقف النظام: واستراتيجيته:
بنى النظام استراتيجته على الرفض الضمني لجنيف ومفاوضات جنيف كلياً مع الاعلان بقبول جنيف، ويرفض بخاصة "هيئة الحكم الانتقالي كاملة الصلاحيات التنفيذية" ويرى فيها نقلاً للسلطة، وهو لا يوافق على أي نقل للسلطة أو تغيير جوهري فيها، ويتجنب استخدام مصطلح "هيئة الحكم الانتقالي" ويستبدله بمصطلح "حكومة مؤقتة"، غير أنه من جهة أخرى مضطر للمشاركة في مفاوضات جنيف كون جنيف قرار مجلس أمن صدر بالإجماع. لذلك قرر: 1) المشاركة في جنيف، 2) التعطيل وعرقلة تحقيق أي تقدم، 3) شراء الوقت الى حين يتم الحسم على الأرض.
في مفاوضات جنيف، اتبع النظام تكتيك يقوم على: 1) تجنب مناقشة هيئة الحكم الانتقالي والتمسك بتنفيذ جنيف بالتسلسل بنداً بنداً، والبند الأول في البنود الست بحسب ورودها في اتفاقية جنيف هو "محاربة العنف"، 2) أن يناقش هذا البند حتى نهايته والاتفاق عليه كلياً وبعد الاتفاق عليه ينتقل لمناقشة البند الذي يليه. 3) التصميم على الدخول في قضايا وقف العنف في كل مدينة وكل حي لإبرام اتفاقات حول وقف العنف فيها. وهذا النهج سيستغرق زمناً طويلاً، وهو كفيل بتعطيل المفاوضات، وقد أعلن وفد النظام ذلك بصراحة عندما صرح المعلم بأنهم سيغرقون وفد المعارضة بالتفاصيل وأنهم سيبحثون وقف العنف في كل مدينة وكل حارة وكل زقاق. 4) إضافة مصطلح "مكافحة الإرهاب" لبند محاربة العنف، رغم أن اتفاق جنيف لم يستعمله، فهو مصطلح ذو زنين محبب لدى روسيا والولايات المتحدة، وإن تم إدراجه في جدول المفاوضات فإنه سيحيل المفاوضات لقرارات واتفاقيات دولية أخرى تزيد المفاوضات تعقيداً وتفتح الباب لأن يطالب النظام بوقف دعم المعارضة وإغلاق الحدود أمام حركتها وغير ذلك، وبالطبع سيجر مناقشة الإرهاب على النظام مناقشة استنجاده بحزب الله والقوات العراقية والتدخل الإيراني وهذا شبيه بالمقاتلين الأجانب إلى جانب المعارضة. ولكن المهم بالنسبة له أن هذا يعقد التفاوض ويدخله في نفق مسدود وهذا ما يريده. 5) يعول على عدم التزام بعض مجموعات المعارضة بأي اتفاق على وقف العنف، 6) يعول على قدرته على خرق وقف إطلاق النار ضمن ظروف يخلقها لتخلط الأوراق ويصبح تنفيذ أي اتفاق لوقف إطلاق النار غير نافذ، وله خبرة سابقة في ذلك. 7) أن يستمر في هجومه على الأرض في يبرود مستعيناً بقوات حزب الله، ويعدها معركة ذات أهمية في مسار الصراع، وأن يخرج المقاتلين من حمص ليعلن استعادته للسيطرة عليها، وأن يستعين بقوات عراقية ليتقدم في حلب وأن يحاصرها إن استطاع وأن يدخل في اتفاقات ميدانية مع المجموعات المقاتلة وخاصة حول دمشق وقد نجح في المخيم بدمشق والمعضمية وبيت سحم وببيلا ويفاوض في داريا والزبداني وغيرها، بحيث لا يبقى لجنيف أي معنى. 8) أن يستفز المعارضة عله يدفعها للانسحاب من المفاوضات عبر: أ) التمترس عند نقطة محاربة العنف ومكافحة الإرهاب وعدم التقدم، ب) تصعيد الهجوم بالبراميل بما يحرج وفد المعارضة ويخلق عليه ضغوطا من الأرض لوقف التفاوض، مثلاً قتل ببراميل النظام وقصفه نحو 1500 قتيل خلال فترة ما بين دورتي التفاوض الأولى والثانية، ج) الهجوم الشخصي على أعضاء وفد المعارضة واتهامهم بالخيانة وأنهم غير وطنيين وانه لا تجري في عروقهم دماء سورية ووصل إلى حد تهديده بأن اعضاء الوفد المعارض سيكون مصيرهم مصير قيادة المعارضة الليبية الذين تمت تصفيتهم في ليبيا.
يطرح النظام كبديل لجنيف مفهوم "الحكومة المؤقتة" ويريدها وفق الدستور الحالي وأن يمنح المعارضة رئاسة الوزارة مع ثلث الوزارات (وزارات غير سيادية) وأن يبقى للنظام ثلث الوزارات (الوزارات السيادية مثل الداخلية والخارجية والدفاع والمالية وما شابهها) وأن يبقى بشار الأسد رئيس الجمهورية بكافة صلاحياته وفق الدستور الحالي وتبقى مؤسسات الدولة كما هي بما فيها المؤسستان العسكرية والأمنية واستمرار العمل بالدستور الحالي ومجلش الشعب الحالي إلى حين انتخاب مجلس شعب جديد وفق الدستور الحالي، والتحضير لانتخابات رئاسية تنافسية يرشح فيها بشار الأسد نفسه تحت رقابة أممية وإجراء انتخابات مجلس شعب وفق الدستور الحالي. أي "كأنك يا بو زيد ما غزيت".
يرفض النظام مناقشة هيئة الحكم الانتقالي رغم قدرته على المناورة فيها إلى ما لا نهاية، ولكنه يرفضه بسبب حساسية الموضوع، فمناقشتها ستعني وضع رأس بشار الأسد على طاولة المفاوضات، وهذا له بحد ذاته أثر نفسي لا يحتمل من قبل بشار الأسد الذي كان أشبه بالآلهة المقدسة والآن يوضع رأسه على طاولة المفاوضات. ولكن النظام يضع في حسابه "استراتيجيتة" أنه قد يضطر لمناقشة هيئة الحكم الانتقالي. وحينها سيناور ويطلب أن يكون بشار الأسد هو رئيس هذه الهيئة وسيسعى لإطالة المفاوضات على تشكيلها لشراء الوقت ودون الوصول لنتيجة، واستمراره بنفس استراتيجيته السابقة.
ثالثاً: موقف المعارضة واستراتيجيتها:
تنطلق استراتيجية المعارضة من قناعتها بأن النظام لا يريد جنيف ولا يريد أي حل سياسي ولا يريد سوى الحل الأمني والحسم العسكري. وهي تريد أن يصل المجتمع الدولي إلى هذه القناعة، ووضعه أمام حقيقة أن جنيف الذي انتظروه طويلاً لن يؤدي لأي حل مع نظام لا يريد الحل، بينما تتمسك هي ببيان جنيف بالكامل وترى أن بيان جنيف واضح لا لبس فيه، وأن هيئة الحكم الانتقالي لا تعني نقلاً للسطة من النظام الى الائتلاف أو المعارضة، بل هي حل وسط لأنه سلطة انتقالية تنفيذة كاملة الصلاحيات تمثل فيها المعارضة والنظام وأطراف أخرى من المجتمع وبالتوافق كي تدير فترة انتقالية لنقل السلطة الى يد الشعب السوري الذي سيقرر بحرية نظام الحكم الذي يختاره والقيادة التي يختارها. أن هيئة الحكم هي أساس الحل السياسي وهي الهيئة التي سيتم من خلالها وقف إطلاق النار ونبذ العنف ومكافحة الإرهاب وإطلاق سراح المعتقلين وعودة المهجرين والتحضير لإجراء انتخابات الخ، وترى أن هيئة الحكم تقطع مع الماضي وتتولى جميع الصلاحيات دون استثناء ولا صلاحية لأحد بما فيها رئيس الجمهورية. وأن هذه الهيئة هي الأقدر على وقف العنف ومكافحة الإرهاب والقيام بكافة المهام الجسام الأخرى، اما مساعي وقف العنف مع استمرار الصراع بين طرفين متنافرين لا تجمعهما هيئة واحدة بحسب ما يريده النظام فهي جهود غير مجدية غايتها الاستمرار بالعنف.
وقد اتبعت المعارضة تكتيك:
1- التمسك بمناقشة تشكيل هيئة الحكم الانتقالي كمدخل لمعالجة جميع القضايا الأخرى،
2- موافقتها على مناقشة كافة القضايا على أساس أنها قضايا ستعالجها هيئة الحكم التي ستكون أقدر على معالجتها من معالجتها عبر استمرار الصراع بين طرفين مستقلين.
3- بشار الأسد ليس جزءاً من الحل، فهو ونظامه أساس المشكلة
4- التمسك بضبط النفس وعدم الدخول في مباراة مع استفزازات وفد النظام وأبدت مرونة بأن قبلت جدول الابراهيمي الذي أراد السير بالمسارين معاً "مناقشة نبذ العنف، ومناقشة الهيئة الانتقالية" بحيث تخصخص جلسات بالتناوب لكل منها، وهذا ما رفضه النظام مصراً على مناقشة وقف العنف ومكافحة الإرهاب أولا وحتى النهاية.
تعتقد المعارضة أن ما يطرحه النظام عن تشكيله حكومة مؤقتة لا يستحق حتى النظر له، فبيان جنيف يقول صراحة "هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات التنفيذية" ولا اجتهاد بما فيه نص صريح. بينما سيبقي مقترح النظام وحكومته الانتقالية كل شيء كما هو دون تغيير يذكر في ظل بقاء الدستور الحالي الذي فصله بشار الأسد على مقاسه وبقاء صلاحياته غير المحدوة وبقاء أجهزة الأمن والجيش وغيرها دون تغيير فيها، مما يعني أن شيئاً لن يتغير وأن كل تلك التضحيات الجسام قد ذهبت هباء. وأن إجراء انتخابات تديرها نفس الأجهزة التي زوّرت الانتخابات على مدى نصف قرن ستكون نتيجتها معروفة، ولن يكون للمراقبين الأمميين تأثير يختلف عن تأثير مراقبي الجنرال الدابي لوقف إطلاق النار خلال مبادرة الجامعة العربية.
رابعاً: في النتيجة:
لقد حقق كلا الطرفين غايته من الجولتين الأولى والثانية في المفاوضات. فالنظام استطاع التعطيل وعدم إحراز أي تقدم والمعارضة أقنعت العالم أن النظام يريد التعطيل ولا يريد أي حل وهو يرفض جنيف ضمناً.
رغم أن جولة المفاوضات الثانية قد انتهت بما يشبه إعلان الفشل بسبب عدم موافقة وفد النظام على جدول أعمال الابراهيمي وإصراره على مناقشة بند وحيد هو محاربة العنف ومكافحة الإرهاب أولا وحتى النهاية، لكن رئيس وفد النظام وليد المعلم وأثناء عودته مع الوفد إلى دمشق عاد وأكد على موافقة النظام على جدول الأعمال حين صرح بأن جولة المفاوضات الثانية قد حققت تقدما بالتوافق على جدول الأعمال بدءاً من مناقشة نبذ العنف ومكافحة الإرهاب. ولكن هذه الموافقة قد لا تعني تغيير يذكر في تكتيك النظام إن بقي يصر على مناقشة وقف العنف ومكافحة الإرهاب بالطريقة التي يريدها أن تعطل أي تقدم في المفاوضات. وبالتالي فجولة المفاوضات الثالثة التي قد تكون مطلع آذار القادم، قد لا تأتي بجديد، وإن بقي الأمر على حاله دون أي تقدم خلالها فقد لا يكون ثمة داع لجولات مفاوضات أخرى، وسيكون حينها استمرار الصراع المسلح وتصعيده من قبل الطرفين هو البديل الوحيد. وحينها ستشهد سوريا ارتفاع حدة العنف بشكل كبير خاصة مع تدخل أكبر لقوات حزب الله وقوات عراقية وقوات ايرانية ومقاتلين من دول أخرى إلى جانب النظام، وفي الطرف المقابل فقد بدأت أمريكا تورد اسلحة للمعارضة ويتوقع أن تتدخل السعودية وربما غيرها من دول الخليج هذه المرة كمشارك في هذا الصراع وليس مجرد داعم. وكل هذا سيؤدي لتصاعد الصراع وتصاعد حدة العنف عدة مرات.
*اتحاد الديمقراطيين السوريين
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية