أثبتت الأحداث الجارية في سورية على مر ثورتها علاقة تناسب طردي بين تصعيد نظام الأسد لأعمال العنف الممنهج المطبقة ضد المواطنين وبين انطلاق المبادرات السياسية العربية والدولية على اختلاف أنواعها.
فخلال الدور العربي في إدارة الملف السوري المتمثل في مباردات الجامعة العربية الثلاث (خطة العمل، التنحي، الخروج الآمن) وإرسال المراقبين العرب، تصاعدت وتيرة العنف الممنهج الذي يطبقه نظام الأسد ضد المدنيين ليسقط خلال الفترة الممتدة منذ آب أغسطس 2011 وحتى آذار 2012 أكثر من 9740 شهيداً.
وكذلك استمر العنف خلال الجهود المشتركة بين الجامعة العربية والأمم المتحدة منذ شهر شباط فبراير 2012 وحتى شهر آب أغسطس 2012، ليسقط ما يقارب 16689 شهيد. وكان الشهور الثلاث التالية لإعلان بيان جنيف 1 (30 حزيران يونيو 2012) الأكثر دموية منذ انطلاق الثورة حيث استشهد خلالهم أكثر من 16053 شخصاً.
ومنذ آب أغسطس 2012 (بعد استقالة أنان وتسلم الإبراهيمي) وحتى بيان مجلس الأمن الدولي 2118 المتعلق بسورية (27 أيلول سبتمبر 2013) سقط ما يناهز الــ 48459 شهيداً، وتخلل هذه الفترة مجزرة الكيماوي في غوطتي دمشق 21 آب أغسطس 2013.
وتصاعدت حدة العنف أيضاً خلال الشهور الأربع التي تلت قرار مجلس الأمن، ليسقط ما يقارب الـ 9420 شهيداً حتى أواخر ديسمبر 2013، وشهدت تلك الفترة الإعلان عن بياني لندن 11، وباريس 11 لمجموعة الدول الأصدقاء للشعب السوري.
وخلال شهري كانون الثاني يناير 2014 وشباط فبراير 2014، أي في فترة عقد مفاوضات مؤتمر جنيف 2 بين الطرفين السوريين، الذي تعول عليه دول العالم لإيجاد الحل النهائي للأزمة السورية، سقط ما يقارب 5389 شهيداً قضى معظمهم بالبراميل المتفجرة.
مئات الآلاف من القتلى، وملايين النازحين في داخل سورية وخارجها، وآلاف من الجرحى والمعوقين، ومئات الآلاف من المختفين والمغيبين في السجون والمعتقلات، ازدادت أعدادهم وتفاقمت معاناتهم بينما تعبر الحلول السياسية جمود المراحل الزمنية.
هذا هو تاريخ نظام الأسد مع الحلول السياسية، والمبادرات الدولية، والتحركات باتجاه الحلول اللاعنفية. نظام لا يعرف لغة للتفاوض، ولا يتقن سوى لغة القتل والدمار، ويحمل خبرات واسعة في مجال المماطلة والمراوغة، لا ينفي شيئاً ولا يثبت أي شيء، يشارك في عمليات التفاوض وآليات التسويات بهدف هدم الحلول وتجزيء الملفات وتضييع الأوقات.
وبينما يقف وفد المعارضة السياسية إلى جنيف 2 مشيداً بجهوده التفاوضية أمام وفد نظام الأسد، يقوم الأخير بالتفاوض مع المدن السورية المحيطة بدمشق لإيقاف المد الثوري نحو قلب العاصمة، وكسب نوع من التأييد في الأوساط المحلية والدولية. وفيما تسفه مطالب الثورة على "موائد" التفاوض، يخفي نظام الأسد قسرياً مائتي طفل خرجوا من حمص بموجب "اتفاق" عقد ما بين الأمم المتحدة ونظام الأسد.
المفاوضات ثلاثية الأبعاد في 2014 (نظام الأسد- المعارضة السورية، نظام الأسد- المدن السورية المحاصرة، نظام الأسد- الأمم المتحدة) يتجاهلها وفد الائتلاف، ويهلل لانتصارات وهمية تقنعه بها دول أبت الإيفاء بوعودها المتلاحقة لدعم الشعب السوري وثورته.
أما من انسحبوا من الائتلاف الذين لاحقتهم الشائعات، فهم المنتصرون للشعب والثورة والدم السوري في حقيقة الأمر، وهم من أبوا رغم كل الضغوط أن يجلسوا مع نظام بلا أي بادرة ثقة، وبغياب الضمانات، وبينما يستمر القتل والاعتقال وأفعال الإجرام.
إن الحل السياسي في خيار جنيف 2 خدعة كبرى، وكارثة إنسانية مستمرة تعصف بأبناء الشعب السوري، طالما بقي الهزليون يفاوضون بجنيف باسم المعارضة بينما تغيب المعارضة في حقيقة الأمر، وطالما غابت الإرادة الدولية التي تسير مع الأقوياء فقط.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية