أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

هادي العبدالله يروي قصة الشهيد طراد الزهوري واخوة الدم والتراب وحمص

الزهوري يقبل العبدالله عندما اصيب في وقت سابق

بابتسامة عذبة انتصرت على الظلم وبإرادة حطمت أسوار الطغيان ودّع الناشط الإعلامي المصور "طراد الزهوري" ابن مدينة "القصير" الحياة يوم أمس الجمعة بعد أكثر من أسبوع على إصابته بشظية في الرأس أثناء تغطيته للمعارك في مدينة "يبرود"، وما بين "يبرود" و"عرسال" اللبنانية - حيث دفن- امتد خيط قرمزي وانداحت مساحات روتها دماء الشهداء فأزهرت شقائق نعمان. 

ويعتبر طراد الزهوري الذي ينتمي إلى عائلة قدمت زهرة شبابها على طريق الحرية والكرامة من أشجع إعلامي القصير وأجرأهم على الموت، دأب على تغطية أحداث الثورة في مدينة "القصير" منذ بدايتها وحتى احتلالها من قبل قوات النظام ومليشيا حزب الله اللبناني، ولم يتوقف بعدها بل انتقل إلى مناطق أخرى بريف دمشق ومنها القلمون التي تعطّر ترابها بدمائه الطاهرة، حيث استشهد البارحة متأثراً بإصابة بليغة في الرأس. "لم يسع للشهرة، بل ظل مكتفياً بكونه جندياً مجهولاً من خلف الكاميرا"، كما يقول زميله "وسيم عيناوي"، أما الناشط "أبو اياد القصيراوي" فيخاطب الشهيد الزهوري قائلاً: "تعلّمت أن موتك لن يوقفك فـتحت التراب ستكمل مسيرتك الثورية، وتعلمت ألاّ تكتب وصيتك لنا فدماؤك وصيّتك، ولعنتك على القاتلين".

أما رفيق جهاده ودربه الناشط (هادي العبد الله) فقال مخاطباً الشهيد: "للثورة وقذائف الموت .. لشظايا الليل المتشرّد ..لصور الشهداء .. وعدسات الكاميرات .. لآخر مدى في ثورتنا ! سأفتح جروحي وأسكن في عذاب غيابك يا أغلى أصحابي" 

وحول بداية معرفته بالشهيد طراد الزهوري يقول الناشط الإعلامي هادي العبد الله لـ"زمان الوصل": 
بداية معرفتي بالشهيد طراد كانت مع بداية الثورة، كان يصور فيديوهات المظاهرات في القصير، كانت علاقتنا بسيطة بداية ثم تعمقت شيئاً فشيئاً ، بصراحة أعجبت بداية بنشاطه غير العادي، كان يلحق القذيفة من لحظة خروجها الى أن تسقط، وبدأت أقترب منه تدريجياً حتى أصبحنا خلال فترة قصيرة لا نفارق بعضنا البعض، نقعد وننام ونسافر مع بعض أكتر مما يرى أحدنا أهله. 

قنابل ضوئية 
وعن المواقف التي يتذكرها من شجاعة وإقدام الشهيد على جبهات المعارك يقول العبد الله: هناك فيديوهات كثيرة تظهر كيف كنا ننجو من لحظات موت محقق ومنها عندما جاء وفد المراقبين العرب وذهبنا معهم برفقة عدد من ضباط الجيش الحر على حواجز النظام وكدنا أن نعتقل من قبل شبيحة النظام أمام أعين المراقبين الدوليين وكان طراد معنا، وهو الذي قام بالتصوير، وهناك موقف آخر حصل معنا في "القصير" عندما كنا نعبر من مكان لآخر، وبعد ذلك بثوانٍ سقطت قذيفة في المكان الذي كنا نقف فيه.

ويضيف الناشط العبد الله: "كنا ننتقل من مدينة لمدينة في ريف دمشق أنا وطراد وحوالي 35 شخصاً آخرين فانفجر لغم أرضي بنا واستشهد شابان من ضمن المجموعة على الفور، فيما أصيب خمسة منا إصابات بالغة، وحصلت حالة من الضجة والفوضى، وقامت قوات النظام بضربنا بقنابل ضوئية وبعد قليل وجدتُ نفسي أنا وطراد وشابين آخرين وحيدين أما البقية فكانوا كلهم ما بين شهيد وجريح، وتمت محاصرتنا ولكننا استطعنا بشق الأنفس أن نخرج ونُخرج الشهداء والجرحى رغم أننا لم نكن سوى أربعة أشخاص فقط، وقام الشهيد طراد بتصوير أحداث المعركة وقمت بأخذ جهاز لاسلكي من أحد الشهداء وتحدثت مع غرفة العمليات بمكان قريب منا فأرسلوا مؤازرة لنا ساعدتنا في الخروج من مكان الحصار.

أخوة الدم والتراب !
ربطت الشهيد طراد بالناشط الاعلامي هادي العبد الله علاقة مميزة أشبه بـ (أخوة الدم والتراب والمصير المشترك) إلى درجة أن الشهيد طراد كان يقول له قبل كل معركة أو سفر "خلينا نتعاهد إنو يا نستشهد سوا يا نعيش سوا.. ممنوع حدا يستشهد قبل التاني" كما يقول الناشط العبد الله مضيفاً: "صدقني لو قلت لك إن خبر استشهاد كل أفراد عائلتي لو حصل لكان أهون علي من إصابة أو استشهاد طراد، لقد تعلقنا ببعض بشكل غير طبيعي كان يخاف علي وأخاف عليه من (الهوا الطاير) - كما يقولون - ولو رأيت فيديو إصابتي في ( مهين) ولاحظت خوفه علي ستعرف مستوى العلاقة التي كانت تربطنا ببعض".

ويردف الناشط العبد الله بلهجة مؤثرة : "كنت مرتاحاً إلى فكرة أنني لن أفقده أبداً، بل سنستشهد سوية، وقبل إصابته بيوم واحد أفاق من نومه وجلسنا نشرب المتة فقال لي بالحرف الواحد: يا"مان" رح استشهد أبلك بشوي يا"مان"واعتقدت بادىء الأمر أنه يمزح فكرر كلامه، وهنا قلت له: " شو شايف شي منام"، وقتها ارتعبت وبدأت أخاف عليه كثيراً، وخرجنا يومها إلى المعركة في أول النهار فأمسكته من يده لدقائق خمس تقريباً وقلت له: "منشان الله تدير بالك ع حالك وما تطحش كتير" وفي اليوم التالي حصل نفس الشي ورجعت من المعركة قبله بحوالي ربع ساعة تقريباً لأبدأ بمونتاج الفيديوهات التي تم تصويرها ونستغل الوقت، وكان من المفترض أن يلحق بي وفوجئت بمن يتصل بي من المشفى الميداني ويخبرني بإصابته، لم أعرف كيف وصلت إلى المشفى الميداني وعندما رأيته انهارت أعصابي تماماً وبكيت بصوت عالٍ، ونقلناه إلى لبنان، لم أستطع الدخول مع الفريق الطبي إلى داخل الحدود لأنني كنت مطلوباً لحزب الله، وبعد وصولنا إلى "عرسال"، استلمه الصليب الأحمر وأدخله إلى إحدى المستشفيات هناك وظل غائباً عن الوعي بسبب إصابته بشظية استقرت في دماغه حتى لحظة استشهاده رحمه الله.

ويُذكر أن الشهيد طراد الزهوري كان يتولى إدارة صفحة "عدسة القصير"و"المركز الإعلامي" هناك ولم يهتم فقط بتوثيق أحداث المعارك بل سعى لرصد جوانب إنسانية تعكس إحساسه المرهف وإنسانيته، ولا يزال الكثيرون يتذكرون لقطة له مع طفل يتيم يبكي والده في نفس المكان الذي استشهد فيه، فبقي الشهيد طراد الى جانبه يعانقه ويطيب من خاطره وهما يجلسان في نفس الحفرة التي خلفتها القذيفة وأودت بحياة والد الطفل اليتيم.





فارس الرفاعي - زمان الوصل - خاص
(329)    هل أعجبتك المقالة (295)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي