أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

خطة خلية القصر الجمهوري لجعل الهدنة في الريف الدمشقي "حصان طروادة"!

إعلامية تابعة للنظام واحد عناصر الجيش الحر في ببيلا - الفرنسية

شخصياً لا أعتقد أنه يحق لي أن أقرر نيابة عن المحاصرين والمجوعين في ريف دمشق، إن كان عليهم أن يقبلوا بالهدنة أو لا... وبالضرورة لا يحق لي أن أزاود عليهم... ربما يكون صوت عبد الباسط الساروت أعلى من صوتي كي يُسمع، لأنه – على الأقل- يتحدث من داخل حمص القديمة المحاصرة... فإن قسى فقد يبادله المحاصرون في أماكن أخرى مرّ العتاب أو حلوه... أما بالنسبة لشخص مثلي يجلس في مأمن ومأكل ومشرب... فالقياس مختلف. 

لكن يحق لي ككاتب وكصحفي بالتأكيد أن أقرأ وأتابع، وأتداول ما يصلني من معلومات... ليس كي أنصح أحداً، بل كي أرسم صورة، ربما تكون صالحة للتأمل لكلا الطرفين: من يرفض مبدأ الهدنة مع النظام القاتل... ومن يقبل به أيضاً. وأعود لأشدد على مفهوم (التأمل) لأن الثورة حقيقة تعبت ممن يرمي ما لديه بطريقة: إما تسمعون ما أقول أو ستندمون! 

المشهد الصادم! 
كان مشهد دخول محافظ ريف دمشق إلى بيبلا المحاصرة بريف دمشق يوم السابع عشر من شباط (فبراير) محاطاً بقوة من العناصر، وبكتيبة إعلامية للتصوير، ومجهزاً الأعلام لرفعها على مبنى البلدية مشهداً صادماً للكثيرين، فبخلاف الهدنة السابقة التي روج لها ولم تنج في المعضمية بالغوطة الغربية... بدت صورة الاستفزاز الإعلامي مدروسة أكثر في بيبيلا. لكن صوت السيدة التي كانت تشتم رأس النظام في فيديو وزعه ناشطو بيبلا، حاول أن يقول أن الهدنة لا تمثل رأي أهالي البلدة المحاصرة بنسبة 99.99% كما استفتاءات انتخابات الأسد الرئاسية.. حاول أن يقدم صورة عن ألم الحصار وألم الهدنة معاً... إنها تبدو ذات الصورة التي تنعكس لوجه مدينة واحدة في زجاج مرآة مهشمة! 

الشيء المهم في حديث الهدنة كله، ليس إدانة المحاصرين أو تبرأتهم... المهم هو التأمل في أن هذه الهدنة جاءت بعرض من النظام... ولم تأت استجابة لطلب الأهالي، ربما لأن ذاكرتهم لم تنس بعد المجزرة المروعة التي حدثت عند حاجز مدينتهم قبيل أسابيع، عندما قال النظام إنه سيفتح ممرات إنسانية لإخراج بعض المرضى والنساء والأطفال... ثم غدر بهم بنذالة لا تطاول أحط ما تعارفت عليه عصابات المافيا. 

ماذا قالت (الشرق الأوسط)؟!
صحيفة (الشرق الأوسط) نقلت قبل أيام معلومات هامة في هذا السياق، إنما عبر معاناة مدينة أخرى في الريف الدمشقي هي (داريا) ونسبت إلى مصادر خاصة قولها إن:

" خلية خاصة من ضباط القصر والحرس الجمهوري وضعوا خطة لإجبار داريا على الخضوع تقوم على مبدأ تحطيم داريا من داخلها، وتتضمن خطوات تمهيدية وأخرى حاسمة عبر التسلل بين صفوف التشكيلات المقاتلة هناك التي عرف عنها الانضباط والتنسيق العالي، وكانت سببا في صمودها لأكثر من عام تحت وابل القصف العنيف. كما تشمل الخطة، حسب تلك المصادر استغلال رفض نسبة كبيرة من المقاتلين تحقيق هدنة مشابهة لهدنة المعضمية، لتفعيل الخلاف وتفجير الحساسيات المتراكمة بين التشكيلات والمجلسين المحلي والعسكري، بعد التغييرات التي حصلت في بعض القيادات، لا سيما لوائي (شهداء الإسلام) و(سعد بن أبي وقاص) ".

وأضافت الصحيفة أن النظام يسعى " لاستمالة المؤيدين للهدنة واستماله المترددين أيضا، وتقوية موقفهم في عملية التفاوض في مواجهة الرافضين، من خلال تخفيف القصف بالبراميل المتفجرة وغض النظر عن تمرير بعضهم مواد غذائية من المعضمية، التي هادنت النظام، وتخفيف الإساءة إلى أهالي داريا عند الحواجز والسماح لهم بالدخول للمعضمية للقاء أقاربهم المتسللين من داريا. مقابل ذلك، يروج المؤيدون للهدنة عند أعضاء لجنة المصالحة لعزل الرافضين لها والتقليل من شأنهم والتحريض عليهم وتأليب الناس المنهكين من الحصار والحرب عليهم ".

البحث عن تتمة الرواية! 
انتهى ما نقلته (الشرق الأوسط) عن مصادرها الخاصة... وقد سعيت عبر أيام، للبحث والتدقيق في صدقية هذه المعلومات من مصادر محلية على الأرض فتبين لي التالي: 

أن هذه الخطة وضعتها لجنة برئاسة العميد بالقصر الجمهوري (قصي همام) الذي استلم ملف داريا مؤخرا ويساعده ضباط من الحرس الجمهوري والفرقة الرابعة والعميد (ميلاد شديد) قائد العمليات في داريا. كما تم وضع سيناريوهين للحسم، أحدها يقضي باغتيال أحد القيادات المؤيدة للهدنة واتهام المعارضين الذين يسيطرون على المجلس المحلي وقيادات التشكيلات وقيام المؤيدين باعتقال القيادات المعارضة بعد الشحن ضدهم لإجبارهم على التوقيع علنا على المصالحة. أما السيناريو الثاني فيعتمد على نجاح التشكيل الجديد المؤيد للهدنة باستلام جبهة كاملة ثم في موعد متفق عليه يهدد هؤلاء بالانسحاب من الجبهة وبالتالي سقوط داريا ما لم توقع داريا كلها على المصالحة، بالتزامن مع حشد شعبي يضم أهالي ومقاتلين في جامع داريا وبحضور لجنة المصالحة في نفس التوقيت من المعضمية. وأشار المصدر إلى أن النظام يفضل السيناريو الأول للحفاظ على مصداقية المؤيدين للهدنة شعبيا.

وقد أضاف مصدر آخر لهذه المعلومات بأن: الخطوة الأخيرة في الخطة تكون بتفجير الخلافات والحض على تشكيل قوة من المؤيدين للهدنة والمهمشين وصغار الشأن ودعمها ماليا ومعنويا، لتنقلب على قيادات للجيش الحر والقيادة الجديدة للواء (شهداء الإسلام)، وتضعهم تحت الأمر الواقع وتفرض سيطرتها على الجبهة.. كما سعى هذا المصدر لكي يقدم لي دليلا على صحة تلك المعلومات حيث أفاد... أنه وبعد وضع الخطة استدعي يوم الأربعاء 12-2-2014 عدد من قيادات حزب البعث الحاكم من اهالي داريا (من أعضاء لجنة المصالحة الوطنية الحكومية والتي تشرف على عمليات التفاوض) الى اجتماع في مبنى محافظة دمشق، ثم نقلوا الى اجتماع مع بعض ضباط لجنة التفاوض (التي تمثل النظام) بحضور قصي همام وميلاد شديد وتم توبيخ لجنة المصالحة لتقصيرها وعجزها، والتأكيد على ضرورة إنجاز الهدنة خلال أسبوع. وفي هذا الاجتماع اقترحت القيادات الحزبية سيناريو جديدا للهدنة يسمح فيه لرافضي الهدنة بالخروج من داريا إلى منطقة أخرى، على أن يبقى المؤيدون لها داخل المدينة، وتشكيل لجان مشتركة لضبط المدينة، وقالوا إن قادة الجيش الحر الذين التقت معهم اللجنة وافقوا على بند يقضي بتسوية الأوضاع لمن يرغب. إلا ضباط النظام رفضوا المقترح، وأكدوا على أن الجميع يجب أن يوافق على الهدنة. وأشارت المصادر إلى أن اجتماعات فردية جرت مع القيادات الحزبية وتم تكليفهم بمهام سرية، وفي اليوم التالي عقد الحزبيون اجتماعاً في المعضمية مع عدد من قادة الحر داخل داريا لم يعرف ما دار فيه... إلا أن التطور الذي حصل وأكد المعلومات التي أوردتها المصادر، أنه في اليوم التالي "أطلق النار على سيارة نهاد الحو وهو تاجر وقائد مجموعة مقاتلة في داريا، أدى لمقتل أحد عناصره وشقيقته وإصابة أخرى". وبعد ساعات قامت مجموعات غير منضبطة بينها عناصر منشقة عن لواء سعد بي أبي وقاص، ولواء شهداء الإسلام، (من أول المطالبين بالهدنة مع النظام) بخطف بعض القيادات المدنية والعسكرية في داريا بحجة التحقيق في الحادث، وتعرض المختطفون للتعذيب والتهديد بتسليمهم للنظام، كما تركز التحقيق معهم على أسباب رفض الهدنة واتهامات بالاستفادة من الحصار واستمرار المعركة. كما سيطرت هذه المجموعات على المخفر وأقاموا حاجزين حوله. ولكن سرعان ما تشكلت قوة من 200 مقاتل من ثلاثة ألوية (شهداء الإسلام / المقداد بن عمرو/ سعد بن ابي وقاص) وحاصرت موقع الاحتجاز وطالبت بالإفراج عن المخطوفين وتسليم الخاطفين أنفسهم، وتم التنازل عن الشرط الأخير بعد أن أفرج عن المخطوفين وهروب بعض الخاطفين إلى المعضمية واختفاء البعض الآخر داريا.

بعد هذه التطورات تعززت مخاوف من أن تكون الهدنة مع النظام مقدمة لفرض السيطرة على داريا التي عجز النظام عن بلوغها عسكرياً طيلة أشهر طويلة. لاسيما وأن هذا السيناريو اتبعه النظام في غالبية المناطق التي يخوض فيها في عمليات تفاوض. 

ليكن الخلاف على النتيجة لا المبدأ!
ليست القضية إذن هي أن الهدنة هي تنازل للنظام، أو إصرار على عنفوان الثورة... وليست القضية في أننا نريد أن نفرض على المحاصرين مزيداً من الجوع، كي نحصد مزيداً من الاعتزاز بالثورة... القضية كما تقول هذه المعلومات، وسواها مما يمكن استنتاجه... ليس في قبول مبدأ الهدنة فقط بل في البحث عن نتائجها... فما هي الفائدة التي تقدمها الهدنة للمحاصرين أنفسهم مع نظام مراوغ ومجرم ويمكن أن يغدر بهم في أية لحظة... كما فعل في حمص وأمام أعين طاقم الأمم المتحدة الإغاثي؟! 
نعم للثورة ضرورات قد تتراجع فيها خطوة إلى الوراء، من أجل أن تستمر... لكن ألا يجب أن نتأكد إن كانت هذه الخطوة هي الحافة الأخيرة قبل الهاوية؟! 

هل يصدق أحد أن نظاما قتل ودمر واعتقل وأراق كل هذا الدم، ولم تهز مشاعره حتى صور أطفال يقصفون أو يموتون اختناقاً بالكيماوي، هو نظام سيحترم هدنة تعود بالنفع على الطرفين... أو يقبل أن تعود بالنفع على الطرف الآخر مدنيا كان ام عسكرياً؟! 

نعم.. النظام يحتاج الهدنة الآن... والناس المتعبون المحاصرون والمخذولون يحتاجونها... لكن من يضمن أن تُحترم حاجات الناس وتُراعى مصحلتهم؟! 
أترك هذه الأسئلة مفتوحة لبحثها ومحاولة سد الثغرات للإجابة عنها... وأنا أدرك تماماً أن الناس المحاصرين، ربما يفضلون الموت جوعاً، على أن يموتوا مخدوعين بعد استثمار معاناتهم لتصوير مشاهد هدنات زائفة، ثم الرمي بهم في المعتقلات والمقابر.

حمى الله داريا والمعضمية وبيبيلا من شر الحصار والتجويع... ومما يخبئه نظام يحتاج لهدنة كهذه من أجل معارك على جبهات أخرى، كي يطلق ما يخبئه لأهالي الريف الدمشقي من شرور خبأها في حصان طروادة اسمه: الهدنة! 

من كتاب "زمان الوصل"
(136)    هل أعجبتك المقالة (130)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي