أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

الدولة بين القتل والقوة

العلاقة بين القوة والعدل (القانون) هي ما قد يحلّ لنا قضية المستبدّ العادل. 

القوة هي من عمل الدولة، ولكن أي دولة؟ الدولة التي لا تستخدم القوة. الدولة التي تجعل القوةَ متطابقةً من مقتضيات القانون والعدل. كل قوةٍ رمزية في الدولة فائضة عن القانون تعتبر قوةً شخصيةً، قوةً لحساب فلان وفلان، ليس لحساب الدولة. في الدولة ليس هناك أشخاص يعملون لأنفسهم.

وقد يعني استعمال القوة من قبل الدولة، منتهى الضعف والهشاشة. وهنا تكمن المفارقة التي تعجز دولة الاستبداد عن استيعابها. إن استعمال القوة أيضا قد يعني انفراط هيبة الدولة، لا توطيدها. 

وليس هناك من مبرر لاستعمال القوة مهما كان المبرر، تجاه المجتمع. فذلك هو الخلل الهدام بعينه.

في علم السياسة يتم التلويح بالقوة، التهديد بها، وحين تعجز عن تحقيق نتائج، ينبغي للدولة أن تبحث عن الخلل والمرض فيها هي لا في المجتمع.

القوةُ ضابطٌ سياسيّ أخلاقيّ لتدعيم بناء المجتمع، وليست سلاحاً في يد رجل الأمن، يستعمله في مجالٍ لا علاقة له بعدالة القوة الرمزية.

القوة ليست سلوكاً ماديا هنا. وعندها تتحول حتى مؤسسة المخابرات إلى مؤسسة تبني الدولة والمجتمع، على عكس ما يحصل في مجتمعنا حيث أصبحت المؤسسة الأمنية عائقا أمام حركة المجتمع ونشاط الأفراد والمؤسسات الأخرى. أي عائقا أمام الدولة نفسها. 

لدينا ابتلعت المؤسسة الأمنية مؤسسة الدولة، وقضت عليها وحولتها إلى قطاعٍ خاصٍ بيد أفراد يسخّرون حتى الدولة لمصالحهم.

منذ بدايات استخدام (القوة) في (الدولة) السورية، استطاع السلاح تحويل هذه الدولة إلى كابوس مرعبٍ مستشرس، يصرخ في أذهان رؤوس النظام ليل نهار، ويقلق مضاجعهم، وانقضّ على الملاعين الزعران المارقين ... الخ (كما وصفهم الإعلام السوري)، بكل بطش ورعبٍ داخليّ، وانفلت الوحشُ القابع في الذهنية الحاكمة، وجعل منها ذلك ذهنيةَ زعيم عصابة، فقدت الدولةُ، أو شبهُ الدولة، هيبتَها أمام المواطن، وتحولت في نظره أشدّ وأعمق خصومةً، خصمٌ مدجج بسلاحٍ كافٍ ليخوض حرباً مع عدو خارجي، حقيقيّ، وليس مع مواطنين كانوا فارغي الأيدي في بدايات الانتفاضة من أي طلقة... (تحوُّلُ وتطوُّرُ الموقفِ فيما بعد وتعقيداتُه، هذا شأن آخر يتطلبُ كلاماً آخر، وإن كنتُ قد تحدثت فيه في مقابلات ومقالات أخرى)...

2
حين تسمح الدولةُ للأفراد بحمل السلاح، بل وتقوم هي تسليحهم في فترات الصراع الداخلي، وترعاهم، وحين تضطر تشرّعُ قوانينَ بتشكيل جماعاتٍ منهم لإعطائهم سمة الشرعية، (من دولةٍ فقدت الشرعية لدى أول قتلٍ بحق مواطنٍ عارٍ إلا من أصابعه)، هذه الدولةُ دولةُ عصاباتٍ رسمية، دولةٌ انهكت جيشها، الذي من المفروض أن تكون مهامه على الحدود الخارجية، وليس على حدود القصور الداخلية ومصالح العائلة الحاكمة باسم الجمهورية. 

تستعاد في سوريا بهذه الحالة، علاقة " الدولة " في أي مكان حين تنقلبُ إلى مجرد سلطة، وسلطةٍ عائلية عشائرية، بالعصابة المسلحة، التي تدافع عن مصالح هذه السلطة. الدولة ليست في حاجةٍ إلى عصابةٍ تحميها إلا إذا باتت مقتنعةً أنها فعلاً هدمت معنى الدولة، وتحولت إلى مافيا تعمل مع مافيات أخرى يجمعها معها المصالح التي هي خارج صلاحية الدولة كنظامٍ للجمهور والجماعات، وليست كنظامٍ سياسيّ سلطويّ تتماهى في كيانه ملامح الدولة. 

تسليح الأفراد إذاً برعاية دولةٍ / مافيا، سمحَ بانتشار عمليات اللصوصية والنهب المنظم، للبيوت والمحلات والأسواق، التي هجر أهبها منها، كما سمح بالخطف من أجل المطالبة بفدية، ومع الأسف اختلط هذا مع دلالة (الثورة)، وهذا ما تريده الدولة المافيا، أن تخلط المفاهيم مع بعضها لإيقاع الرأي العالمي بالخديعة، في أن تصرفات مثل هذه هي صورةٌ من صور (الثورة) السورية.

والأخطر من هذا، أو ما يتوجُ هذا الخطر والانحطاط، دفعُ هؤلاءِ الأفرادِ لممارسة الذبح بحق المدنيين. الأمر الذي مهما كان متوقعاً، فقد فاق أي خيالٍ إجراميّ في تاريخ الجريمة. واسترجع الزمن الحديث بذلك أبشع معنى للوحوش في عصور ما قبل التاريخ. (عمليات الذبح التي قامت بها الجماعات الإسلامية المسلحةُ من الطرف الآخر، هي صورةٌ من هذه الصور، ولا أستثنيها، بل كتبتُ في إدانتها كثيراً، وسوف أكتب هنا في هذه الزاوية توضيح هذا الموقف الرافض بالمطلق لها).

(78)    هل أعجبتك المقالة (93)

AL KHANI

2014-02-19

للأسف الشديد مازلنا سجناء نظام أوليغارشي إقطاعي متخلف من الحقبة الميكيافيلية حيث لا زالت مفاهيم العلاقة بين السلطة الدولة الحاكمية والشعب ضبابية فيما العالم المتحضر اليوم يبني محطاته الفضائية على المريخ بعد أن هضمت مجتمعاته المفهوم العربي القديم أمير القوم خادمهم وأن الحكومة من رئيسها لبوابها لا تحكم الشعب بل تخدم الشعب وما هي إلا موظفة عند الشعب لإدارة أعماله والحفاظ على مصالحه ومتى أهملت عملها فمن حق الشعب المطلق إقالتها وتوظيف غيرها لأنه هو من يدفع رواتبها ونفقات تعليم وتدريب كوادرها.


التعليقات (1)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي