على حوافِ ذاكرتي المتهدِّمة التي فقدت صولاتها وجولاتها بكلماتي المرتعدة وهواجسي الميتة أرتدي زيّ من يوشكّ على السَّفر لأبحث كالغجر عن وطنٍ مؤقت كأقراني السّوريين الذين هاجروا تحت ظروف قسرية لسبب من الأسباب بجانبي حقيبة مرهقة من احتمالاتِ ذهابها أو بقائها ، في داخلها ينام العديد من أشيائي الخاصّة كشهادتي ، وعناوين بعض السّجناء السّياسيين بالصدفة أتذكّر منهم - خالد غصن و أحمد حمادة - وبضع رسائل من مقلتي أمي التي امتقعت لونها وأوشكت على البكاء ، وقلق والدي ونسخة مُصغّرة من المصحف الشّريف وحجاب كتبها أحد الشّيوخ النقشبنديّة ليحفظني الله من كلّ شر وبلاء ويُيسر وجهتي ، وجهاز موبايل من ماركة نوكيا /500/ ورواية بعنوان – الحياة في مكانٍ آخر - للروائي /ميلان كونديرا / فيها حكمة لصدمة الوداع هذه ، وأشياء أخرى كمفتاح بيت أبي ربيع المزّاوي التي قضيتُ فيها أكثر من أربعة سنين هاربة من سنوات الدّراسة الجامعية ، وبعض الاعترافات التي وشيتها للمحقق الّذي بدوره بشَّ في وجهي عبارة عن تهم علّقته في الزّنزانة رقم /24/ أولها عنوان مقالة لا أعرفُ عنها شيئاً كنتُ أفكّر أن أكتبه ا في وسيلة إعلاميّة مستقلة أترأس تحريرها اعترفتُ بها للسيد المحقّق عندما فضلتها على غيرها من التهم تحت بند - إرهاب سياسي - وقتها قال لي بالحرف الواحد: غيرو عم بسمع ما بيكفي، وثانيها قائد لكتيبة منشقّة مجهولة الهوية ، بالإضافة إلى أسماء أرقام أقراني في جوّالي أسماء غير العربية بتهمة – ضعف الشّعور الوطنيّ - جوالي الذي كان من ماركة ربما كروز حربي هذا الجوّال الّذي راح ضحية لتقرير خفير حقّو قشرة بصلة ؛ وآخر تلك التهم – بربيش - ماء كما نسمّيه في الشام كُنت أرشُّ بها على المتظاهرين في جمعة من جمُعات الله بتهمة – تبريد المتظاهرين - و دبابة قد خبأتها رُبَّما في كمّ قميصي ، ومضاد طيران فكّرنا أن نسرقها أنا وبعض أصدقائي الضّباط أثناء مُحاولتنا التفكير بالانشقاق وغيابي غير المبرر وتعاطف رئيس الفرع معي كوني جامعي مثقّف وذو أخلاق حميدة في يوم من أيّام الخدمة الإلزامية عام /2010/.
أتذكّر جيداً كيف أنهيت ذاك التّحقيق المصيري لمصيري المجهول سلفاً
عندما هَمَسَ الجلاد في أذني طالباً منّي أسماء بعض السّياسيين وزملائي المنشقيّن وألاَّ سيقبض على روحي ؟. هُنا واتتني فكْرة بدت لي بسيطة وساذجة بما أنَّني أمام خيار واحد هو الاعتراف ، وَشَيْتُ لذاك الجلاد الأهوج أنّي سأقر بالأسماء المطلوبة منّي أنا الإرهابي الكبير ، راحوا يتجمّعون فوق رأسي المليء بالمتناقضات والمرفق بطنين مزعج فقد بات واضحاً عليَّ علامات العجز والتعب على مدرج تلك الزّريبة المؤدّية إلى مسلخ التّحقيق ، وبعد الانتظار لعشر دقائق تقريباً قَبَلَ المحقق الطّيوب من جديد السّماع إلى أقوالي ، وقبول التّسوية والهدنة معي وبدأتُ بسرد أسماء شجرة العائلة في لحظة خيانة عظمى كان أسماء أجدادي الذين انتقلوا إلى رحمته تعالى أيام سفر برلك .
اليوم أقفُ كالمسرنم أنتظر وجهةً جديدة إلى بلاد الله الواسعة أفكّر بسادية مع أصدقائي وزملائي ومعارفي وبعض العاطلين عن العمل في المنفى عَبْرَ الهيجانات الفيسبوكيّة عن وجهتي هذه ، اقترحَ عليَّ أحد المخلصين لقوميته أن التجأ إلى أقراني وأبناء ملّتي في الإقليم الكُردي بجدائله وجباله وحجله وينابيعه وأيائله ، وآخر فضّل النمسا بحكم قانونها العادل بحق الإنسانية ، والإعلاميين بشرط أن أضع في جيب حقيبتي مبلغاً بمقدار / 6000 / يورو أو ما يعادله من الدّولار حصراً والبحث عن سمسار صادق ورع يخاف الله ، والثالث نصحني أن أموت هنا تحت أزير ضربة طائشة وهدير طائراتٍ أو تقرير أمني على الأغلب بسبب تشابه في الأسماء أنا الَّذي أعاني من البيروقراطيّة وتعنّت المسؤولين في وطن مشكوك في أمري جرّدني من وطنيتي بتهمة سجّل على قصاصة ورقية للذكرى ممهورة بختم دائري أزرق فاقع اللون مرتقة بخط النسخ ، وباللغة العربيّة الفصحى إلى من يهمه الأمر نبين لكم أنَّ الموقوف - راشد الأحمد – كان نزيلاً في أحضاننا تحت الصّراميّ بموجب مذكّرة التّوقيف رقم /بلا/ بتاريخ 3/11/2012 وحتَّى 27/7/2013 بتهمة إعلاميّ إرهابيّ سياسيّ منشق على ذمّة التّحقيق.
كاتب وإعلاميّ سوريّ
راشد الأحمد
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية