في الوقت الذي بدأت مليشيا حزب الله اللبناني قبل أيام، حرباً مفتوحة لاقتحام يبرود في جبال القلمون بريف دمشق، متسكملة مهمتها الموكلة لها من قبل الولي الفقيه دفاعاً عن كرسي الأسد.. فاجأ تلفزيون "المنار" مشاهديه يوم السادس عشر من شباط الجاري بأغنية بعنوان "نصر يبرود".. في سابقة هي الأولى من نوعها لإذاعة أغنية من هذا النوع في محطة تلفزيونية تبث رسمياً في لبنان!
مرجعيات النص الطائفي!
تقول اللازمة الأساسية للأغنية التي ينسبها الفيديو المنشور على موقع اليوتيوب لـ"المنشد الإسلامي علي بركات" والتي تتكرر بين مقاطع الأغنية:
حزب الله برجالكّ جود، ارجع بالنصر موعود
يا مقاوم روح الله معك، القصّير بتشهد والنبكّ
احسم نصّرك.. احسم نصّرك.. احسم نصّرك بيبرود
وبعد أن تذّكر هذه اللازمة باعتداءات مليشيا حزب الله على الأراضي السورية، محولة جرائمه في القصير والنبك إلى استشهادات وتذكارات نصر لا يخجل من التغني بها.. تتابع الأغنية مستخدمة إسقاطات طائفية على أرضية إيرانية أسدية، حيث تستخدم "همة حيدر" نسبة إلى علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، وتربطها بقتل من يسميهم بشار الأسد والأغنية "جيش الإرهاب"، مع الربط بين قتال إسرائيل (جيش اليهود) وتدمير يبرود على رؤوس أهلها:
نحنا رجال الحزب الغالب.. نتحدى الموت وما نهاب
لنصرالله نلبي الموت الواجب بهمه حيدر داح الباب
يا تكفيري جايّ جنود حتخلي أيامك سـود
يا حزب الله الله معك احسـم نصرك بيبرود
احذر يا جيش الإرهاب زمن الهزائم قد ولّى
حطمنا جييش اليهـود وهلأ دورك بيبرود!
وتسعى الأغنية إلى شحن جمهورها المستهدف، بتذكيرهم بأحداث تفجيرات السيارات المفخخة التي استهدفت منطقتي الهرمل والضاحية الجنوبية (معقلان للمليشيا) في الأسابيع القليلة الماضية، والتي سارع الحزب إلى اتهام إسرائيل بها، قبل أن يجعلها اليوم حجة للهجوم على يبرود. وتستخدم الأغنية تعبير "التكفيري" لوصف مجموعات، يقول مراقبون إن حزب الله يتفوق عليها في عقلية التكفير أفقيا وعموديا، حيث إن العقيدة التي يتبعها الحزب تطال في تكفيرها حتى صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فضلاً عمن يسمونهم بأحفاد بني أمية:
اسمع يا إرهابي اسمع شعبي صامد مش رح يركع
ما نهاب من التفجيرات رعب بقلبك جينا نزرع
أرض الهرمل أرض صمود ما يهما نار وبارود
من ضاحيتي طلعوا أسود يحموا وجودا بيبرود
يا تكفيري مهما طال.. حزب الله راسك فيه يطال
ما تفكر إنو الشمال... يحمي وجودك أو عرسال
ومن الواضح أن المقطع الأخير من الأغنية، يحمل تهديداً صريحاً لأهالي طرابلس في الشمال، وعرسال المحاذية لجبال القلمون في الأراضي اللبنانية، وهم معقلان للسنة في شمال لبنان، حيث تقول الأغنية أنهما لن يستطيعا حماية "التكفيريين"، في إشارة ضمنية لاتهام أهالي تلك المناطق السنية باحتضان الفكر التكفيري، على حد زعمها!

مرجعيات الصورة الافتراضية!
تفترض صورة الكليب منذ البداية، وعبر خارطة رسمت بتقنية الغرافيك التلفزيوني... أن النصر سيكون حاسماً لحزب الله في يبرود... فالخارطة ترسم حدود جبال القلمون الفاصلة بين سوريا ولبنان، ثم تضيء المنطقة المستهدفة بالهجوم بخطوط حمراء متناوبة الظهور، لتوضح مواقع عرسال والهرمل داخل الأراضي اللبنانية، وموقع يبرود داخل الأراضي السورية... ثم تحيل (بتقنية الغرافيك طبعا) موقع يبرود إلى كتلة لهب على الخارطة يعلوها رفع راية حزب الله الصفراوية!
ويلاحظ في قراءة الإشارات البصرية هذه، غياب أي حضور لراية النظام السوري، أو حتى العلم الذي يرفع في سوريا.. حتى بعد أن ينهي حزب الله مهمته في تدمير يبرود.
وبالنسبة لأي مشاهد عربي تقول صورة الكليب إن حزب الله مليشيا ستأتي من لبنان، لتحيل يبرود السورية إلى كتلة لهب، ثم ترفع علم حزب الله دون أي اعتراف بوجود النظام السوري!
وتخلو الأغنية بالتوازي إلى أي إشارة لوجود جيش النظام أو التنسيق معه، أو حتى استئذان بشار الأسد أو تحيته، ما يمثل تطاولاً غير مسبوق على السيادة في عرف الأنظمة الحاكمة.. والأمر ذاته ينطبق على المقاطع المصورة التي حفل بها الكليب، إذ تستعيد لقطات لعناصر حزب الله وحدهم وهم يطلقون القذائف والصواريخ على المناطق السكنية في ريف القصير، ثم وهم يحتفلون بالنصر وحدهم في ساحات المدينة المدمرة، في غياب تام لأي حضور لجنود الأسد.. وفي تأكيد الطابع الخاص للمعركة التي لا تعترف بوجود النظام، ولا تكترث بإظهار أي صور رمزية لسلطته في تلك المعارك!
مرجعيات المنشد ولطمياته
ليس في هذا العنوان الفرعي أي سخرية، ففي صفحته الرسمية على موقع "فيسبوك"، يعرف علي بركات صاحب هذا العمل عن نفسه بأنه: "منشد إسلامي وطني، له عشرات الإصدارات الإسلامية والوطنية من أناشيد وموالد ووجدانيات و.... لطميات"!
ومن آخر ما أنجزه من لطميات، ما يسميه: "لطمية أبطال القصير" التي تبدو كلماتها موغلة في الأحقاد والثارات التاريخية، وتكفير الأمويين... ومنها:
اسمع جيش أمية... لا تفتكر ترجع
نصر الله بكلمتين... جيش الكفر نطلع
وحياة نحر حسين... عباس والكفين
جايين... جايين... بالنار والمدفع.
ولم تشتهر هذه "اللطمية" التي كتب كلماتها: أبو حسن حطيط، ولحنها علي بركات، ووزعها محمد عليق، رغم انتشارها على موقع الفيديو الشهير "يوتيوب" وحصولها على ما يقرب من 140 ألف مشاهدة، شأن الانتشار السريع لأغنية "نصر يبرود" التي روجت لها قناة المنار علناً.. وأثارت استهجان الكثير من الشخصيات الثقافية السورية واللبنانية، لأنها رأت فيها "ترويجاً لخطاب فني وقح ومؤذ"، على حد تعبير أحد الأخوة اللبنانيين على فيسبوك.
و"علي بركات" من مواليد جنوب لبنان عام1980، ويعرف على نفسه على صفحته على موقع التواصل الإجتماعي بالقول: " أنا إنسان ذو نشأة مقاومِة.. مقاوم ابن بيئه مقاومِة وأفتخر".
ويذهب في بوست آخر إلى تبرير نشر صوره الاستعراضية بالزي العسكري، ونفي اتهامات يبدو أنها وجهت إليه بالبحث عن الشهرة، فيقول: "أنا وجه إعلامي وفني صوتي يمثل صوت البيئة المقاومة وبدلتي تمثل شرف الآلاف الذين يرتدونها.. سلاحي يمثل أشرف وأنبل وأطهر سلاح. أنا وبسبب عملي الفني أستطيع أن أظهر وجهي للناس كصورة للمقاوم وأنا أمثل عشرات الآلاف من الجهاديين اللي قد ينشروا صورهم دون إظهار وجوههم.. لكن هدفي ليس الرفعة الشخصية أو الشهرة الشخصية... إنما الهدف منها نقل صورة كل مجاهد ومقاوم وخلق حماسة لدى الشباب".
وإلى جانب إحدى الصور التي نشرها وهو يرتدي بزة عسكرية، يكتب علي بركات بنوع من الاستظراف السمج فيقول: "مين بيحب يروح معي كزدورة (نزهة) بأحراش سوريا تا نتصيد دواعش... ههههههه".
ولا يبدو فنه بأرفع مستوى مما يقول عن نفسه.. إذ تكشف عناوين أعمال "بركات" طبيعة الفن الوضيع الذي يقدمه، وتعكس -بصدق!- رسالة "المقاومة" التي يعبر عنها... فقد أصدر عدداً كبيراً من الألبومات الغنائية الطائفية، ويقول رصيده إن له 49 إصداراً منها: "لن تسبى زينب" 2012، "أبطال القصير" 2013 و"المد العلوي تفجر" 2013 التي كتب كلماتها فارس صالح، ولحنها علي بركات نفسه وغناها بالاشتراك مع علي فرج.. وقد انتشرت منذ أشهر على حواجز الشبيحة في دمشق وتقول كلماتها:
هي أرض الطف أم خيبر؟ ورجال الله لا تقهر
لن يسلم وهابي سلفي والمد العلوي تفجر
أوكار الكفر سنسحقها عباسية لغة العسكر
ثورتكم صارت أشلاء والحلم الأموي تكسر
ويوجه علي بركات رسالة قصيرة على صفحته الشخصية حول نشيد "نصر يبرود" الذي قدمه لدعم عدوان مليشيا حزب الله على المدينة السورية التي تشهد تعايشاً إسلامياً مسيحياً، قائلاً:
"أصدقائي الأعزاء: عشرات الاتصالات تأتيني من مقاتلي يبرود الدواعش تهددني بالقتل بسبب هذا النشيد..ردوا عليهم.. قوموا بنشره ليرعبهم ويزلزل قلوبهم".
لكن من أنصتوا لهذا العمل وسواه أكدوا أن هذا النشيد لم يرعبهم ولم يزلزل قلوبهم، كما يذهب هذا المنشد بلغته التعبوية الساذجة والمضحكة، بل أثار اشمئزازهم وقرفهم، نظراً لانحطاط لغته الفنية، ورسائل الحقد والكراهية التي ينشرها، في تعبير جلي عن حقيقة "ثقافة المقاومة" التي يرعاها حزب الله وملاليه، في معركة تستهدف وجدان الإنسان العربي الذي ينظر بازدراء إلى هذا الإسفاف غير المسبوق، مثلما تستهدف حياة وعيش السوريين في مدنهم وقراهم التي اقتحمهتا المليشيا، أو تخطط لاقتحامها، مؤكدين أن الثمن سيكون فادحاً، ورد أصحاب الأرض سيكون موجعاً... طال الزمن أم قصر.
محمد منصور - زمان الوصل - خاص
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية