ربما من العبث التوقع بإمكانية نجاح مؤتمر جنيف2 في جولاته القادمة ما لم تتغير المعطيات على الأرض، وما لم تتغير الطريقة التي يتعامل بها العالم مع الازمة السورية، فحلفاء النظام يمدونه بالمال و العتاد ويفرون له الغطاء الدولي، بحيث تبقى كفة القوى راجحة إليه، بينما أصدقاء الشعب السوري (كما يسمون انفسهم) مترددون في مواقفهم ومقصرون في واجباتهم تجاه شعب يتعرض لإرهاب دولة منظم فاق مثيلاته في التاريخ البشري وكأنهم شهود زور على المجازر التي يرتكبها النظام وصنوف الأسلحة التي يستخدمها، المحرمة و غير المحرمة منها، دون أن يتخذوا خطوة عملية لردعه، إلا فيما يتعلق بمصالحهم الاستراتيجية كقضية نزع السلاح الكيماوي مثلاً، وهذا لن يجدي نفعاً في محاولاتهم الرامية إلى إيجاد مخرج حقيقي للأزمة السورية كما يعلنون، فالنظام القوي و المتمكن على الأرض وفي الفضاء الدبلوماسي العالمي، يفاوض بأريحية مطلقة ويحاول كسب المزيد من الوقت عبر جولاته التفاوضية وليس إنهاء الأزمة، لذا فإنه يعمد إلى وضع العصي في عجلات المؤتمر بإصراره على وجوب بحث محاربة الإرهاب قبل الخوض في أية قضية أخرى، وفي نفس السياق يدرج أسماء مفاوضي الأئتلاف على قائمة الإرهاب الخاصة به، وهذا يوضح مفهوم الإرهاب الذي يريد النظام محاربته، بينما يسعى وفد المعارضة وبشق الأنفس إلى بحث تشكيل هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحية تفضي إلى وقف العمليات العسكرية فوق كل شبر من الأراضي السورية تميهداً لإخراج الجماعات المتطرفة الأجنبية من الأرض السورية التي تشكل خطوة أساسية في محاربة الإرهاب ومكافحته، لكن النيات المسبقة لدى الوفدين وغياب التفاهمات بين القوى العالمية الراعية للطرفين و للمؤتمر، تضعف إمكانية ممارسة الضغوط بأتجاه ترتيب الأولويات التي يجب بحثها وفرضها على الفريقين، وخاصة وفد النظام الذي يتخذ من قضية الإرهاب شرطاً تعجيزياً للمماطلة و إفشال المفاوضات لا أكثر.
فمع فشل الجولة الثانية وتحول انظار العالم إلى جولة ثالثة لم يحدد موعدها بعد، يدخل حلفاء المعارضة الغربيين وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية في وضع محرج جداً وتوضع مصداقياتهم على المحك، فهم مطالبون باتخاذ خطوات عملية لصالح الشعب السوري عبر دعم الجيش الحر بالمال والمساعدات اللوجستية اللازمة ودفع حلفاءهم الإقليميين إلى تزويد المعارضة بسلاح أكثر فاعلية على الأرض كي تتوازن كفة القوى على الأرض قليلاً ويُلدغ النظام بضربات موجعة، تمهيداً لجره إلى المفاوضات القادمة بصورة أكثر تقبلاً لحل الأزمة السورية وإلا فإن الجولات القادمة مهما تعددت ستبقى بلا جدوى و ستنتهي جميعهاً إلى طرق مسدودة ولن يكون للشعب السوري منها سوى المزيد من البراميل المتفجرة وزيادة ملحوظة في أعداد الضحايا، فهل سنجد خلال الأيام القادمة تغيراً في السلوكيات الامريكية تجاه سوريا؟
جنيف2: ومصداقية العالم على المحك! ... إدريس نعسان

تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية