يبدو أن الحرب الفعلية على يبرود قد بدأت منذ 5 أيام وما زالت مستمرة حتى لحظة كتابة هذه السطور، قصف عنيف بالمدفعية والراجمات والطيران الحربي، ومحاولات اقتحام من عدة محاور باءت جميعها بالفشل، أما المهاجمون فكتائب من جيش الأسد وكتائب من حزب الله.
بدأت نذر الحرب على يبرود بعد الانتهاء من معركة القصير، حيث بدأت وسائل الإعلام التابعة للحليفين، النظام وحزب الله، وبتناغم ملفت، بتسليط الضوء على يبرود وإبرازها كوكر للإرهاب والتطرف وملجأ للعصابات الإرهابية، وقد عملت الماكينة الإعلامية لحزب الله على رفع وتيرة هذه الحملة بتحميل يبرود مسؤولية العمليات الإرهابية التي تستهدف المدنيين الموالين لحزب الله في عقر دارهم عبر تفخيخ السيارات وإرسالها لقتلهم على حد تعبيرها.
لا يشك عاقل أنه لا علاقة للحرب على يبرود والتي قد تنتهي باقتحامها وذبح ما تيسر من أهلها وتدمير ما تيسر من بنيانها، بالإرهاب والقضاء على الأرهاب وإيقاف تدفق الانتحاريين وسياراتهم المفخخة، فالجميع يعرف أن القصة في مكان آخر، إنها قصة بلد حر ثائر بمعظم أبنائه، قاوم وتحدى النظام بقوة وثبات، وتطهّر من أعوانه ومواليه ورجسه منذ أزيد من سنتين، بلد أرسل خيرة شبانه لدعم العمليات الثورية ومقاتلة قوات الأسد في حمص والقصير وقارة والنبك والغوطة الشرقية.. وأوصل رجاله السلاح والمؤن والمساعدات إلى مناطق المقاومة التي أمكنهم الوصول إليها، فكان بمثابة الشريان الرئيس الذي وفر لها أسباب البقاء والصمود.. بلد احتضن، وما زال، عشرات ألوف النازحين من حمص وحماه وغيرها.. وآواهم في بيوته وبين أهله وقاسمهم لقمة أبنائه ووفر لهم كل أسباب العيش الكريم.. وقد سبق أن فعل ذلك مع أنصار حزب الله الهاربين من حرب تموز، والذين يريدون الآن رد الجميل بذبح من استضافهم..
الغالبية العظمى من أهل يبرود من المسلمين السنة الذين يتسمون بالطيبة والتسامح والاعتدال، تشاركهم البلد أقلية مسيحية لا تتجاوز الخمسة بالمئة، لم يشعر أحد من أبنائها يوما، ومنهم كاتب هذه السطور، باي غبن أو إساءة إلى شخصه أو دينه.. فالمسيحيون في يبرود يمارسون شعائرهم الدينية بمنتهى الحرية، ويعيشون حياتهم كما يشاؤون.. ومحلات بيع الخمور المنتشرة في كل مكان خير دليل على حريتهم المصانة، وعلى تفهم وتسامح واعتدال شركائهم في البلد من أهل السنة، فأي إسلامي متطرف هذا الذي يحترم خصوصية شركائه من طائفة أخرى حتى لو كانت شيئا محرما في دينه؟ لكن لن يعدم مجرم عديم الأخلاق بمستوى نظام دمشق وقادة حزب الله، الحجة والوسيلة عندما يقرر ارتكاب جريمته، ويبرود ليست الأولى ولن تكون الأخيرة...
سيكمل النظام الوطني الممانع المقاوم تدمير بلده وقتل أهله، وسيكمل حليفه حزب الله فتوحاته في سوريا والتي بدأها بالقصير والقلمون محاولا الوفاء بديون أثقلت كاهله تجاه السوريين الذين احتضنوا أهله وناسه ذات يوم وداروهم برموش عيونهم.. إنه الوفاء بأبهى تجلياته..
يفعل حزب الله بأبناء الطائفة الشيعية ما يفعله النظام السوري بأبناء الطائفة العلوية، يأخذهم رهينة لحماية وجوده ومشاريعه، يزجهم في حروب ليست حروبهم، يعزز الكراهية والحقد في قلوبهم، ويعزز كراهية وحقد الآخرين عليهم، يورطهم في صراعات طائفية كريهة دامية مع محيط سني يفوقهم عددا وقدرة بأضعاف، صراعات سيدفعون وأبناءهم ثمنها لعشرات السنين، صراعات تبقى جذوتها متقدة إلى يوم الدين.
أما الكلام التافه المتهافت عن الإرهاب والإرهابيين والسيارات المفخخة التي تخرج من يبرود فلن يسمعه أحد ولن يصدقه أحد، اللهم إلا قطعان الوحوش التي تم غسل أدمغتها وتعبئتها لارتكاب المجازر، وما سيسمعه ويصدقه الناس، وما سيبقى محفورا في الرؤوس والأفئدة، وما ستتناقله الأجيال، هو شيء آخر لا علاقة له بالإرهاب وتفخيخ السيارات.. إن ما سيبقى محفورا في الرؤؤس والأفئدة هو أن رجالا من الطائفة الشيعية اقتحموا بلدة سنية، وأعملوا في أهلها قتلا وتنكيلا.. ما سيُحفر في الذاكرة أن دماء سنية سالت على يد قتلة شيعة في عدوان سافر غير مفهوم وغير محق.. وهذه هي المصيبة.
يعرف قادة حزب الله تماما أن نتائج إيغالهم كشيعة في الدم السني ستكون كارثية على أبناء طائفتهم في المنطقة، وأن مليارا ومائتي مليون سني يراقبون ما يحصل باستياء وغضب، وأنهم لن يدخروا فرصة لرد الجميل في الوقت المناسب وبالطريقة المناسبة، لكن لا بأس، فكل ذلك يهون من أجل رضا الولي الفقيه وكرمى لعيونه.
لا يهم حاكم دمشق سوى البقاء في الحكم، ولا يهم الولي الفقيه في إيران، وذراعه اللبناني حزب الله، سوى مشروعه القوميي في السيطرة على الإقليم، والأداة الأكثر فاعلية لكلا المجرمَين هي اللعبه الطائفية واستغلال العاطفة الدينية لدى الناس، ولو كان ثمن ذلك أنهارا لا تجف من الدماء وتلالا لا تزول من الحقد والكراهية.
سيدمر المجرمون يبرود، وقد يتمكنون من اقتحامها والتنكيل بأهلها، لكن الأسد إلى زوال، كما حزب الله، كما كل طغاة ومجرمي التاريخ، وسيعود ما تبقى من أهل يبرود لبناء بلدهم، كما سيعود كل أهل سوريا المنكوبين لبناء مدنهم وقراهم، وستعود الحياة إلى ربوع البلاد، لكنها ستكون حياة أجمل، حياة بطعم الكرامة ونكهة الحرية.
يبرود.. كوني بخير
من كتاب "زمان الوصل"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية