أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

من أجل تأسيس صوت لضحايا الثورة السورية

يبكي طفلته وطفله في ريف حلب - وكالات

في بداية عام 2012 أعلن عن ولادة جمعية عائلات شهداء الثورة السورية من استانبول، كفكرة تقوم على جمع الضحايا وتقوية حضورهم وجعلهم صوتا ينطق بالعدالة والمحاسبة، بعد أن كاد صوتهم يختفي بسبب طول الصراع وازدياد عدد الضحايا، لكن كل شهيد يسقط في كل لحظة يذكرنا بواجبنا تجاهه وتجاه الوطن الذي استشهد من أجله أو قاتل من أجل حريته فاستشهد دون ذلك.

تصاعدت المأساة السورية، وما يجري في حلب اليوم من مطر لا يتوقف لبراميل الموت يكشف حجم الخراب الذي يتعمد الأسد أن يترك سوريا لنا بعده كأرض يباب، ومجتمع ممزق، انهيار اقتصادي، شعب لاجئ أو نازح، تاريخ مدمر، والأخطر من ذلك كله دمار كامل لفكرة الحق في الحياة عبر إشاعة القتل العشوائي واعتماد سياسات قتل السوريين بالكيماوي وآخرها الجوع.

سيتذكر المؤرخون الثورة السورية بكثير من الأوصاف والحوادث التي انفردت بها عن غيرها من الثورات في العالم، وهذا يعود في جزء كبير منه إلى فرادة نظام الأسد في الوحشية والقتل، وفرادة الشعب السوري في التصميم بالتخلص من نظام الأسد مهما كان الثمن. 

فتعددت أنواع الموت في المعتقلات والسجون الأسدية لكن أسوأها هو الموت تحت التعذيب لأنه الأكثر حطا بالكرامة الإنسانية وإذلالا لها عبر ممارسة السادية حتى الموت، والأسوأ من ذلك أن التعذيب مورس ليش بشكل منهجي ضد الذكور من البالغين فقط، وإنما ضد الإناث والأطفال، فحالة حمزة الخطيب وتامر الشرعي تقول الكثير عن وحشية الأسد وزبانيته، ويزداد الرقم يوما بعد يوم وفي كل مرة أقرأ عن حالة وفاة تحت التعذيب في سجون الأسد أزداد اشمئزازا ضد الأسد ونظامه في استعادته عصور القرون الوسطى في التعذيب وممارستها ضد الشعب السوري يوميا خلال ثورته. 

لكن الأسوأ من ذلك حصل وهو التجويع حتى الموت كما وجدنا يوميا في حالات في مخيم اليرموك والمعضمية، نجد أطفالا بعمر الورود والزهور تذبل رويدا رويدا حتى تنطفئ، العار كله ليس للأسد فحسب وإنما للمجتمع الدولي الذي سمح لذلك بالحدوث، لم نجد حتى ضغطا سياسيا حقيقيا لوقف هذا العار الذي سيجللنا جميعا، ومن الصعب على ذاكرتنا نسيانه، أو محاولة التذرع بالنسيان، فسوريا بلد الخيرات والحضارات يموت فيها السوريون والفلسطينيون بسبب حصار الجوع من قبل مجموعة حاقده ما انتمت يوما لسوريا أو حتى استحقت العيش فيها، وما انتسبت يوما للحضارة أو مرت بها، إنها تنتمي إلى عصور ما قبل الحضارة في الوحشية والدموية. 

عندما خرج محمود الجوابرة وغياث مطر وحمزة الخطيب وتامر الشرعي وطارق الأسود وغيرهم كثيرون جمعتهم البراءة والإرادة في النضال ضد نظام دكتاتوري، لم يكن أحد يتخيل أن مصير الموت سيكون خيارهم الوحيد، لكنهم مع استشهادهم أناروا لنا شعلة تضيء مستقبلنا ووضعوا علينا مسؤولية أن لا تنطفئ هذه الشعلة بذات القيم والمبادئ التي استشهدوا من أجلها.

عائلات كل هؤلاء الشهداء يجتمعون اليوم من أجل تأسيس هذه الجمعية (جمعية الدفاع عن حقوق ضحايا الثورة السورية) كي تكون صوت الضحايا المطالب بالحق والإنصاف، كي تكون صوت العدالة في مفاوضات جنيف وما بعدها، كي تقول للسوريين وللعالم إنه لا يمكن قلب الصفحة بسهولة، إذ لابد للمحاسبة ولإنصاف الضحايا وتعويضهم، لابد أن يكون لهم دور في المسار السياسي أو في أي إطار للحل السياسي.

إذ غالبا ما تنسى قضيتهم في إطار المفاوضات السياسية ويتم نسيانها على مذبح التسويات، ويتم تعمد نسيانها مرة أخرى بهدف عدم دفع التكلفة الضرورية لحساب الأطراف المختلفة.

نقول اليوم لن تكون هناك تسوية في سوريا اليوم دون أن يكون لعائلات الضحايا الصوت الأبرز في دورهم المطالب بالعدالة والمحاسبة والتعويض.

رئيس الهيئة السورية للعدالة الانتقالية - من كتاب "زمان الوصل"
(136)    هل أعجبتك المقالة (130)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي