إن كان إغراق الثورات بالمال وسيلة مثلى لإفشالها، فإن إغراق الأحزاب والجماعات والتكتلات السياسية بالأفراد المتباعدين في الأيديولوجيا وسيلة أمثل للقضاء عليها وقتلها سريرياً.
لقد مرت المعارضة السورية بثلاث مراحل توسعة في صفوفها، المرحلة الأولى عايشها المجلس الوطني السوري بتاريخ 08 -11 -2012 (قبل ثلاثة أيام من ولادة الائتلاف الوطني السوري)، حيث ارتفع عدد أعضائه بمعدل الضعف، ليصل إلى 440 عضواً. المرحلة الثانية عايشها الائتلاف الوطني السوري بتاريخ 31 -05 2013 حيث تمت توسعته ليصل عدد أعضائه لـ 114 عضواً، أما المرحلة الثالثة فعايشها الائتلاف أيضاً انضمام بعد المجلس الوطني الكردي وعدد من الشخصيات الأخرى إلى صفوفه ليصل عدد أعضاء الائتلاف إلى 121 عضواً، أي أن عدد الأعضاء ارتفع بمعدل الضعف خلال عام واحد فقط، وأدت هذه المراحل بتدريجاتها إلى إضعاف الجسمين المعارضين وإحداث خلل في البنى والهياكل التنظيمية لهما.
"التوسعة" في يد اللاعبين الدوليين أثبتت فاعليتها بإضعاف الخصم، وتحويله إلى جسدٍ فرغت منه الروح، وباتت تتقلب فيه المبادئ والقيم ومحددات البقاء، كما تتقلب الأهواء والأمزجة بين إنسان وآخر، تستطيع من خلالها القوى اللاعبة في مسرح الكبار مد خيوط التحكم في الجسم المعارض ليسهل تحريكه وتوجيهه وفق سيناريو مكتوب ومعد سلفاً لدوره في مسرحية "الانتقال السياسي". مع أنها في معناها العام تقول بتعظيم مساحة الشيء وتضخيمه ليضم أجزاء صغرى في جسم أكبر، قد تنصهر فيه أو لا تنصهر، كما تعني تحقيق فائدة، ولكن توسعة الائتلاف أدت لتعميق الانقسام، والدخول به إلى نفق التيارات والأحزاب والتجمعات وتوجهاتها، وأفضت لافتعال انقلاب داخله، حيده عن جل ما كان يتمسك به من مبادئ ورثها عن المجلس الوطني ورموز المعارضة السياسية والعسكرية السورية.
في سياق لعبة التوسعة، تمكن الائتلاف من إرضاء المصالح الإقليمية والدولية، ولم يكن مفاجئاً تعاظم الدورين السعودي أو القطري، بل كانت المفاجأة باستحواذ الروس على بعض خيوط هذه اللعبة، واستطاعوا لعب دور مهم داخل صفوف المعارضة لخدمة مصالحهم التي يشكل بقاء نظام الأسد أحد ركائزها.
واتخذت روسيا الاتحادية موقع المبادأة لتعزز من فرصها في تعميق الانقسام ليس داخل الائتلاف فحسب، بل وضمن الوفد المفاوض في جنيف2، لكسب فئات متصالحة مع النظام، وتخدم التوجه الروسي في بقاء مؤسسات القمع الأسدية، والفكر الأسدي حاكماً على أرض سوريا. فيدل تصريح سيرغي لافروف بعدم رؤيته لأطراف مهمة في الوفد المفاوض بجنيف، وزيارة الجربا لروسيا في الرابع من الشهر الجاري، ومن ثمَّ لقاءه حسن عبد العظيم رئيس هيئة التنسيق الوطني أو ممثلين عنه، على طبخة جديدة لعملية "توسعة" تصب في صالح قوة تمثيل وفد المعارضة في الوجه الأنيق، وتنتهي بكارثة جديدة في وجهها الحقيقي.
فما هي سيناريوهات "التوسعة التفاوضية" في الرؤية الروسية؟
إن ما يخدم مصالح الروس في المرحلة الحالية هو إحداث "توسعة" في الوفد التفاوضي للمعارضة بشكلين متلاحقين زمنياً.
• توسعة الوفد المفاوض
• تشكيل لجان فرعية تفاوضية
ففي الشكل الأول: يبدو إدخال هيئة التنسيق والهيئة الكردية العليا، وتيار بناء الدولة وبعض الأطراف الأخرى المقربة من النظام، والمتصالحة معه، خياراً جيداً، حيث إن هذا الدخول سيشكل ورقة يسهل اللعب بها إن لم يكن تجنيدها بشكل كامل.
أو قد يتجاوز الأمر ذلك إلى دعوة شخصيات سورية منشقة أو هاربة من سوريا، كمناف طلاس.
وسيكون من مصلحة الروس الاستفادة من هذه العملية بضمان ولاء فريق واسع من الوفد كبداية، ومن ثم غرس فريق ذي ولاء مطلق للروس في هيئة الحكم الانتقالية التي ستنتج عن مفاوضات جنيف2 بحسب بيان جنيف1. بمعنى آخر؛ الحفاظ على النظام بوجوه جديدة تحقق المصالح الروسية. وفي هذه الحالة، سيتم التخفيف عن الفريق المهادن داخل الائتلاف، عند اتخاذه مواقف أضعف جديدة، تخالف كل وثائقه التأسيسية وتبرر له العذر أمام أعضائه بحجة أن وفد المعارضة بمجمله اتخذ هذه القرارات. بعبارة أخرى؛ الإبقاء على صوت واحد للائتلاف في الوفد مقابل عدة أصوات تمنح لآخرين.
يلي ذلك مباشرة "تشكيل لجان فرعية" كشكل ثان، فستضغط روسيا باتجاه تشكيل لجان فرعية للتفاوض (إغاثية وعسكرية وسياسية ...الخ)، وذلك بعد تنازل يقدمه الائتلاف على طبق من خشب يخرج به عن أصل نص الدعوة لحضور جنيف (تشكيل هيئة حكم انتقالي)، ما سيؤدي إلى الدخول في تفاصيل التفاصيل، وهي النقطة التي رفضها الائتلاف بالجولة الأولى، بعد طلبها من قبل وفد النظام. في هذه الحالة سينتقل الملف نحو تجزئة المسارات والانفراد بعدد صغير من الأعضاء بجلسات مغلقة ستعمل روسيا على اختيارهم بعناية في الملفات الحساسة كملف مكافحة الإرهاب.
كل هذا، يثبت بأن مفهوم "التوسعة" ثاو ثقيل على بنان المعارضة السورية، وذو أثر سلبي جداً في أدبياتها، ومحتكر للتداعيات الكارثية، في الوقت الذي يجب أن تكون فيه توسعة الوفد صيغة فعالة لتمثيل قوى الثورة العسكرية والسياسية، واطلاعها على جميع أوراق وملفات التفاوض، كي لا يعطى المتصالحون مع الأسد فرصة لتقديم مزيد من التنازلات على حساب الشعب السوري والثورة السورية.
إن "التوسعة" بشكلها الراهن، ستؤدي إلى خسارة المزيد من الوقت وإطالة أمد بقاء الأسد على رأس الإرهاب المدمر المنتشر سرطانياً في سوريا والمنطقة، وستدفع الثورة السورية إلى تفنيد أعدائها جيداً، وتلقينها مزيدا من دروس الصبر وتعرية المنافقين.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية