انتهت مشاركة الإسلاميين السياسية فيما بعد مجزرة حماة ونفي الإخوان المسلمين من سوريا، وتجريم أي فعالية سياسية للخطاب الإسلامي في غير تكرار مفردات الخطاب السلطاني عن طاعة أولي الأمر، أو الاكتفاء بالمواعظ والتربية الحسنة لجماعات نسوية مغلقة مثل القبيسيات، أو جماعات تحت الرقابة والتقييد خوفاً من أي تطور حركي مثل جماعة زيد وحتى جمهور البوطي ومشايخ الصوفية، أو جماعات يسمح لها بالظهور لتستخدم وظيفيّاً مثل انتشار الخطب الجهادية إبان حرب العراق، وهذه الجماعات الأخيرة اعتُقلت معظم كوادرها لتشكّل نواة الجماعات السلفية الفاعلة في الواقع السوري اليوم.
ولم يسمح الحقل الثقافي أو الأكاديميا التي تهيمن عليها النخب العلمانية في تطوير أطروحات نظريّة جادة حول الإشكاليات المتعلقة بالإسلام والسياسة والحداثة ومسائل الدولة، ما يتأسس على ضعف حضور النخبة الإسلامية الفكرية، بسبب تقييدها من السلطة أوّلاً، وبسبب وضع التيارات الإسلامية بعد الإخوان المسلمين الذي استمر بالارتباط بالمؤسسة الدينية في حدود استشكالاتها واستدلالاتها ثانياً، وبوضع الخطاب الإسلامي العربي ككل والذي لم يؤسس تنظيراً كافياً للخروج من هذه الدوائر المغلقة، بينما استطاع مفكرون وباحثون سوريون تقديم أطروحات مميزة، ولكن وجودهم في الغالب كان خارج سوريا والفضاء الثقافي الاجتماعي.
بدأت الثورة السورية إذن واشتباك الإسلاميين السوريين بالسياسة عمليّاً ونظريّاً شبه منتهٍ، فهل بدأ بعدها؟
تيّارات الإسلاميين
يمكن تصنيف التيارات الإسلامية حسب علاقتها بالسياسة، كما يمكن تصنيفها حسب حضورها في الواقع المسلّح، أو حسب رؤيتها للدولة، وعلى قدر ما بين هذه التصنيفات من تشابه، فإنه لا بد من تحديد زاوية المقاربة دوماً، ولا بد من تحديد المقصود بالسياسة في هذا المقام، حيث من البدهي عدم وجود ممارسة للصراع السياسي السلمي على السلطة في ظل واقع الحرب، ولكن مقاربة كل تيّار لشكل هذه السلطة المستقبلي وشكل الصراع الواجب عليها داخليّاً، وشكل العلاقة مع الدول الأخرى أو الغرب حاليّاً ومستقبلاً، وتقديم خطاب نظري وحضور في المناورات العملية هو الرؤية السياسية التي يجب النظر إليها ومقاربة موقف الإسلاميين منها.
1- السلفية الجهادية (والحركية)
وفرت الثورة السورية مسارات متعددة للسلفية الجهادية، ما بين الخط الأكثر تشدّداً وقطيعة مع السياسة داخليّاً ومع العالم خارجيّاً مثل تنظيم دولة العراق والشام، إلى خط القاعدة الذي يبني استراتيجية مواجهة عالمية لكنه يفشل في التأسيس لقاعدة شعبية أو للدخول في تدبير الاختلاف والتعدد، الفشل الذي بدأ يتلافاه في الحالة السورية مع جبهة النصرة التي تؤسس وجودها على التحالف مع المجموعات السلفية والتصالح مع المجتمعات المحلية، ويظهر أثر "أبو مصعب السوري" واضحاً في الجبهة (للتوسع في الأمر قراءة مقال سابق في زمان الوصل: ماذا أراد الجولاني؟).
وصولاً إلى الخط السلفي الجهادي المحلي والذي يحمل جذوره الفكرية والرمزية في تجربة الجهاد الإخوانية في الثمانينيات وتجربة عبدالله عزام إضافةً إلى تنظير أبي مصعب السوري، والتواصل مع القاعدة والتداخل معها على مستوى القيادات التي لها تاريخ في تجربة القاعدة في أفغانستان والعراق والمشاريع الميدانية التي أوضحتها المواجهة مع تنظيم الدولة، الذي تمثله في الحالة السورية أحرار الشام، التي تقع في منطقة ما بين السلفية الجهادية والحركية القطبية التي يمثلها الشيخ محمد بن سرور زين العابدين.
حاولت حركة أحرار الشام منذ البداية توضيح أن مشروعها سياسي اجتماعي لا محض عسكري، وبنت استراتيجية تمددها على أن تكون بمثابة ممثل "للسلفية الوطنية" وكمسار محلّي للإيديولوجيا الجهادية، فركّزت على الانتشار على أوسع رقعة حتى لو بكتائب محلية صغيرة أو بعيدة عن التأسيس الإيديولوجي الصلب المشابه لها في بعض المناطق، كما أصدرت بيانات حول مواضيع سياسية كشكل الدولة والأقليات والمسألة الكردية، بلغة متزنة بين اللغة الشرعية والواقع السياسي، لكن هذا الخطاب الذي ظهر في البيانات لم ينجح في التطور إلى طرح سياسي متكامل ولا إلى ممارسة سياسية تشكل بديلاً قوياً للمعارضة المتمثلة في الائتلاف، حتى بعد استلام الأحرار المكتب السياسي في الجبهة الإسلامية، رغم أن علاقات الأحرار –وغيرهم- مع الدول الداعمة يمكن اعتبارها ممارسة سياسية فيها الكثير من المناورات والصراع أيضاً، كما أن المسكوت عنه في هذا الخطاب السياسي كان أكثر من المعلن، حيث لا يختلف كثيراً رأي الكثير من شرعيي الأحرار في مسائل كالديمقراطية والتعامل مع الغرب والسماح بالأحزاب المخالفة عن فتاوى السلفية الجهادية المعتادة، والتي تدور في حلقة الولاء والبراء والسياسة الشرعية التي يُعاد إنتاجها وتطويعها للراهن والتي تحمل ممكنات للتجديد والواقعية فيما لو واجهت تعددية التيارات الإسلامية الشريكة كإشكالية مؤسسة بدلاً من اختزال الواقع بالمواجهة مع العدو الكافر، (مع الإقرار أن السلفية الجهادية أكثر من نظّر سياسيّاً ضمن المدارس الإسلامية الحديثة ولكنها بقيت بعيداً عن مسألة بناء الدولة كمشروع اجتماعي سياسي وبقيت في حدود فقه المواجهة والجهاد)، وتجدر الإشارة إلى أن المتأثرين بأبي مصعب السوري أكثر واقعية في طرحهم السياسي والدولي، مع وجود تيارات تجديد سياسي وفكري مهمة ضمن الحركة يمكن أن تؤثر على الخطاب العام للحركة ومدى واقعية مشروعها السياسي.
وهذا التباين في مستويات الخطاب السياسي داخل الأحرار، والاختلاف في حدود الوقوف أو التجاوز أمام الإشكاليات العالقة داخل الخطاب السلفي التقليدي، انتقلت إلى الجبهة الإسلامية لدى تأسيسها أيضاً.
2- السلفية العلمية (والحركية)
رسخ الشيخ ناصر الدين الألباني للمدرسة السلفية العلمية في سوريا، دون نفي وجود مدرسة سلفية شامية تجد جذورها لدى جمال الدين القاسمي وأحمد مظهر العظمة ومحب الدين الخطيب ولكنها فقدت استمراريتها الشعبية المؤثّرة، خاصة أن ناصر الدين الألباني هو المسؤول عن إعادة إنتاج السلفية حديثيّاً، وتعدّ مدينة دوما المعقل الأساس لهذه المدرسة في سوريا، حيث تأسس فيها لواء الإسلام، وتوسع إلى جيش الإسلام الذي يشكل القوة الأكبر في ريف دمشق، إضافةً لأذرعه في المحافظات السورية.
ولا يقف حضور المدرسة السلفية العلمية لدى جيش الإسلام، بقدر ما يمتدّ إلى كثير من التديّن "الثوري" نتيجة أن أنماط التدين الشعبية لم يكن لها حضور في دعم الثورة ماديا ومعنوياً مشابه لحضور التيار السلفي الخليجي ورموزه، كما أنه لا يمكن تبين حدود قاطعة ما بين التيار السلفي الجهادي والسلفية العلمية الحديثية، حيث إن الجذر الفقهي والعقدي مشترك بين المدرستين، والاختلاف نشأ في مسائل سياسية من الأنظمة المحلية قبل أن يتوسع إلى الموقف من النظام الدولي ككل، كما أن السلفية العلمية السورية لها تأثر واضح بالسلفية الحركية، بحكم تجربتها كمناوئة للحكم لا كمهادنة له، ولا يمكن مقاربتها بالتشبيه مع المدرسة السلفية الرسمية في السعودية أو السلفية الدعوية في الإسكندرية، كما أنه حتى السلفية العلمية تتقارب في وضع الحرب مع السلفية الحركية ومنظّرها الشيخ محمد بن سرور زين العابدين، الذي لا يخفى دعمه وتأثيره في الواقع المسلّح، على السلفية الجهادية المحلية أو السلفية العلمية المحلية أو حتى مجموعات الجيش الحر التي تنحو منحى إسلاميّاً.
وكانت جبهة الأصالة والتنمية أول محاولة لتجذير السلفية الجامية في الواقع السوري المسلح، ولكن هذا التجذير لم ينجح بحكم أن واقع الحرب يفرض أولوية ميدانية وهامشية إيديولوجية لدى كثير من الكتائب، ما يجعل تعاونها مع جهة ما أكثر براغماتية و ضرورة من أن يكون تبعية فكرية أو سياسية.
ولكن تجاوزاً للتحديد الدقيق للمصطلح، فإن السلفية العلمية كما يظهر من مشايخها السوريين لم تتجاوز المواقف التقليدية للمدرسة السلفية بشكل عام، مثل القول بكفر الديمقراطية والتأكيد على الغزو الفكري الغربي وواجب القطيعة مع العلمانيين، وعدم وجود أي تنظير جاد في موضوع الدولة عدا دراسة كتب السياسة الشرعية والأحكام السلطانية، ورغم وجود ممارسة سياسية أيضاً على مستوى العلاقة مع الداعمين، فإن بناء مشروع سياسي بديل يقدم تصوّراً واضحاً عن الدولة القادمة، والمشاركة في الممارسة السياسية مع الهيئات المعارضة أو كبديل عنها، لم يبدأ بعد.
3- المدرسة الشامية (الإسلام المجتمعي)
نعني بالمدرسة الشامية هنا المؤسسة الدينية التقليدية ونمط التدين الشعبي العام على تباينات ما بينها داخل الإطار الصوفي الأشعري المذهبي العام، لا المؤسسة في دمشق خاصة، ولم يكن لدى المؤسسة الدينية التقليدية التي تتمركز في المدن مثل دمشق وحلب وتمتد لتشكل نمط التدين العام في المجتمع السوري، تنظير سياسي فيما قبل الثورة فيما عدا الجهد الفقهي التأصيلي من داخل المدرسة (مثل التي قام بها وهبة الزحيلي)، أو محاولات الرد على الطرح السياسي المقلق للسلطة (مثل كتاب "الجهاد: كيف نفهمه وكيف نمارسه" للبوطي)، وكان الاتفاق الضمني بينها وبين السلطة على أن تكتفي بممارسة تربوية علمية حتى يُسمح لها بالبقاء، وتم إجهاض الحركية من الخطاب الإسلامي العام فيما بعد وأد الثورة الإخوانية، ولم يخرج تنظير سياسي من هذه المؤسسة –ولا من أي مؤسسة دينية "سنّيّة"- لشكل الدولة مشابه للتنظير السياسي مثلاً لدى المؤسسات الدينية الشيعية، حيث بقيت المسائل تدور على تعليم الفقه والعقيدة والتربية الحسنة، ومواجهة الحكام بالنصح، كما أن المواقف المعارضة للنظام مع بدء الثورة صدرت كمواقف شخصية لا كمواقف تيّار، فلم ينبن عليها خطاب يؤسس حركيّاً وسياسيّاً للمواجهة، عدا عن أن ميل المشايخ الذين تبنوا مواقف معارضة إلى الثورة السلمية وعدم قدرتهم على التسليم والتأثير بالثورة المسلحة حتى وقت طويل، إضافة إلى رفضهم تخوين المؤسسة الدينية المؤيدة للنظام، ساهم في تخفيف حضورها في الواقع المسلّح، و إن كان حضور هذه المدرسة المباشر في تجمعات كبرى في دمشق وريفها (مثل الاتحاد الإسلامي لأجناد الشام) إضافة للكتائب الصوفية في حماة والدير وغيرها، وحضورها غير المباشر في شكل التدين الذي تنتمي إليه الكتائب التي لم تنتم إلى إيديولوجيا ناجزة، من تلك التي ما زالت ضمن مسمى الجيش الحر، أو حتى ضمن الجبهة الإسلامية نفسها، مما لا يمكن إنكاره، ولكنه حضور على مستوى التأثير الوعظي والقرب الاجتماعي، ولم يقترب من تطوير خطاب حشد وتعبئة جهادي، أو الدخول ضمن التأثير السياسي، وإن كانت هذه الهوة تتقلص بفعل المنافسة التي يفرضها وجود مجموعات سلفية قوية على قيام تكتلات إيديولوجية مقابلة.
4- الإخوان المسلمون
فقد الإخوان المسلمون قواعدهم الشعبية مع الثمانينيات، وحاولوا ترميم هذه العلاقة مع الثورة، عبر تصدر المشهد السياسي من جهة كونهم الحزب الوحيد المنظم والذي بنى شبكة علاقات خارجية متينة قبل الثورة، وعبر الدعم المادي إغاثيا وعسكريّاً ثانياً، إضافة لشبكات العلاقات التي بُنيت مع الثورة نتيجة الأمرين.
حاول الإخوان عدم الدخول في الثورة المسلحة بشكل معلن، ولكنهم لم يغفلوا عن أهمية حضورهم في هذا الميدان، ودون الدخول في تفاصيل هذه المشاركة لأن هذا سيكون موضوع مقال مستقلّ، فإن عدم تبني الإخوان لحركة مسلّحة بشكل معلن وواضح واكتفاءهم بالدعم ومحاولات الاستتباع، وعدم تطويرهم أي خطاب جهادي أو حركي متعلق بالثورة، أفقد خطابهم السياسي شرعيته الميدانية أمام الناس، واختزلهم في صورتهم الحزبية السياسية، التي دخلت في المحرقة الإعلامية نتيجة تصدّرها المشهد، عدا عن أن مشروعهم السياسي المقدّم كان أكثر ليبرالية مما يسمح واقع الحرب، ولكنهم ما يزالون يشكلون حلقة الوصل –على المستوى النظري- ما بين قطبي الطرح الإسلامي "الجهادي" من وجهة نظر العلمانيين وبين الممارسة السياسية "العلمانية" من وجهة نظر الجهاديين.
مع الإشارة إلى حضور المدرسة الإخوانية القوي كمسار إسلامي حركي مجتمعي أصيل ولم يفقد تأثيره وقدرته على توفير خطاب جهادي فكري دعوي للمنتسبين إليه، مع ملاحظة أن هذه المدرسة تتقاطع مع "المدرسة الشامية" أو تشكل مسار تطور محتملاً ومناسباً لها، ومع ملاحظة أنه كثيراً ما لا يتقاطع تأثير هذه المدرسة الإخوانية مع العلاقة بالجماعة الإخوانية الحالية.
5- النخبة الفكرية الإسلامية
يحتاج تتبع مسألة الدولة في الفكر الإسلامي عامة، ولدى المشتغلين بالفكر الإسلامي من السوريين خاصة، بحثاً مستقلّاً، ولكن بإمكاننا دون خوف من المصادرة على البحث أن نتبين نقص التنظير الجاد حول الدولة، مع وجود مشتغلين تخصصوا في موضوع الدولة وحاول التوفيق وتبيين عدم التعارض بين نموذج الدولة الحديثة والأصول الشرعية مثل الدكتور لؤي صافي (و كتابه المهم: العقيدة والسياسة)، ومن قدّم طرحاً ليبراليّاً بالكامل مع رتوش وديباجات إسلامية (مثل خالص جلبي)، ومن اشتغل على تأصيل مسائل العلاقات الدولية وفقه الحكم وتجديدها شرعيّاً (مثل الدكتور وهبة الزحيلي)، ولا يكاد يخرج الاشتغال على موضوع الدولة عن هذه الأطر الثلاثة، الاشتغال الذي لم يتطور إلى مشاريع وتيارات بطبيعة الحال.
مع ضرورة التنويه على أن تأثير مفكرين غير سوريين كان أكثر ظهوراً على التيارات الإسلامية في سوريا، و يتعلّق هذا بما سبق في المقدّمة عن تقييد السلطة للحقل الفكري والهيمنة العلمانية على الأكاديميا، و إن كانت مؤسسات مثل دار الفكر ساهمت في تأسيس فضاء فكري إسلامي وتوضيح وجود نخبة إسلامية لها حضورها في الواقع السوري.
وإن كان التأصيل الشرعي لمسائل الدولة والسياسة بلغة شرعية فقهية يبدو أكثر إلحاحاً وتأثيراً مع قوّة التيار السلفي الطاغية في الواقع السوري وعدم تقدّمه لمستوى الإشكاليات السياسية التي يفرضها الراهن وشكل الدولة والحديثة وطبيعة العلاقة مع المجتمع الدولي، المسائل التي قدّمت لها حلول من داخل المدرسة السلفية الحديثية نفسها (مؤلفات الدكتور حاكم المطيري مثال مهم هنا)، إضافة إلى تطوير الطرح الفكري الذي يحلّ ويحرّر الإشكال (الذي قد يكون متخيّلاً أحياناً) ما بين الأصول الإسلامية والدولة الحديثة نحو تقديم نموذج أكثر عمقاً وتغطيةّ لمسائل الدولة وإشكالاتها الواقعية لا الايديولوجية المحضة.
خاتمة: أين الفريضة الغائبة؟
حاولنا في هذا المقال تقديم عرض موجز عن التيارات الإسلامية في الواقع السوري وعلاقتها بالسياسة، وطبيعة رؤيتها السياسية لمسائل الدولة والعلاقات الدولية، والدوائر المغلقة التي تراوح ضمنها الكثير من هذه التيارات، ما بين الاشتباك مع الميدان وفقدان السياسة، من خلال التوقف عند صورة الدولة السلطانية في التاريخ الإسلامي والقطيعة مع الراهن السياسي نظريّاً عبر استيعابه من خلال مفاهيم الولاء والبراء وجاهلية الأنظمة الوضعية، وهو التيار الغالب رغم محاولات التجديد الداخلية فيه، وما بين الاشتباك مع السياسة وفقدان الميدان، وما بين محاولات التوفيق والتأصيل الفكري.
ومع هذه القطيعة المركبة والتي يعززها واقع الحرب، ويربكها عن اتخاذ خطوة للأمام الخوف من الاتهام بالانحراف عن النموذج الشرعي النقي أوّلاً، والتهديد الدولي الذي يحاصر أي مشروع سياسي إسلامي "جهادي" ثانياً، وقطيعة المعارضة السياسية مع الميدان وتبنّيها شرعية التوازنات الحزبية والإقليمية كبديل عن شرعية الميداني ثالثاً.
وداخل هذه القطائع المركبة، نستعيد مقولة عبدالسلام فرج حين وصف الجهاد بكونه الفريضة الغائبة، لنقول في واقعنا الزاخر بالمسارات الجهادية القوية والتي تحقّق تقدّماً وانتشاراً مستمرّاً، إن تجديد التصور السياسي والتفكير بمسائل الدولة بما لا يفقد الصلة بالواقع الميداني والسياسي وما يحقق العمق التأصيلي الفكري معاً، هو الفريضة التي تبدو غائبة عن الإسلاميين السوريين.
من كتاب "زمان الوصل" ضمن قسم "إسلام وجهاد"
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية