في السابعة صباحاً ينزلُ سكان الطوابق العليا في حي مساكن هنانو الى الملاجئ في أسفل الأبنية البيضاء حيثُ تتشابه الأبنية المتلاصقة هناك بالشكل والألم مع وجوه النساء والأطفال ، لحظات من الترقب تسودُ المشهد حتى سقوط البرميل الأول الذي لا يتأخر كثيراً عن موعده في السابعة صباحاً من كل يوم .
لعلّ من المفارقات الغريبة أن مهندسين "روس" أشرفوا على بناء مساكن هنانو قبل نحو 25 عاماً ، وهي ذاتها التي تُدمّر الآن باختراع روسي من نوع آخر اسمه "البراميل المتفجرة".
تقول الأخبار أمس الأول أن 20 برميلاً سقطت على الحي (الخميس ) أخذت ما اخذت معها من أرواح ،وهو ذات الحدث في الأمس وقبل الأمس وقبل قبل الأمس ، اذ لا يكاد يخلو يومٌ دون سقوط خمسة براميل على الأقل ، تخلّف وراءها ما تخلف من دمار و دماء.
كان حي مساكن هنانو الحي الأول الذي دخلهُ الثوار القادمين من الريف الشمالي الى حلب ، حيثُ تم تشييد مساكن هنانو قبل نحو 25 عاماً خارج أحياء حلب المدينة في طريق كان مهجوراً يعتبر مدخل القادمين من الريف الشمالي "طريق المدينة الصناعية ، المسلمية ، فافين ، مارع" الى حلب ، لكن زحف المدينة نحو الريف جعلهُ داخل مدينة حلب ، بل وبني بعده احياء جديدة كـ حي الانذارات والمدينة الصناعية في الشيخ نجار اللذين لم يكونا موجودين قبل نحو عشر سنوات.
وحين قرر عبد القادر الصالح مع مجموعته الدخول الى حلب في اول أيام رمضان 2012 ، دخل من مساكن هنانو ملتفاً حول الحاجز الكبير الذي كان متوضعاً عند حاجز الانذارت ، وبعد تحرير نصف أحياء حلب من النظام ، عادَ الصالح الى الحاجز الذي تركهُ في الخلف وجرت هناك معركةٌ يقولٌ السكان أنهم لم يشهدوا مثيلاً في ضراوتها حتى الان .
استمرت المعركة التي جرت على اتستراد مساكن هنانو الرئيسي لمدة 48 ساعة دون ان يتوقف الرصاص ولا القصف ، واستنجدَ النظام بالطائرات التي حلقت على علو منخفض جدا وقامت بقصف الحي ومحيطه لنجدة الحاجز الذي يتهاوى ، لكن الثوار لم يتراجعو حتى سقطَ الحاجز.
لايزال سكان الحي يذكرون كيف فرّت دبابات النظام ومدرعاته من حاجز اتستراد مساكن هنانو ، لتُدير سبطانة المدافع نحو الأبنية السكنية وتبدأ بالأذى وقصف الأبنية عشوائياً ، لكن الثوار لاحقوها وتم اعطابها على بُعد كيلو مترات قليلة بالقرب من حي الصاخور، ولاتزالُ خُردتها هناك حتى يومنا هذا.
احتضن الحي كبار قادة التوحيد وكان متنفساً لهم وسكناً نظراً لابتعاده عن جبهات النظام بعد تحرير أحياء كثيرة بعدهُ وصولاً الى بستان القصر، وكان لأبي الفرات وحجي مارع منازل متغيرة فيه، كذلك حجي حمص وغيره من القادة الكبار الذين مروا على الحي وسكنوه.
كان يحتوي الحي على مبانٍ حكومية كثيرة مثل قسم شرطة هنانو ذو البناء الأبيض الضخم ، وسكن الضباط في الأبينة المجاورة للقسم ، اضافة الى المركز الثقافي و مبنى البريد وملعب كرة القدم و عشرات المدارس والمباني الأخرى ، ناهيك عن أبنية للعمال والموظفين كان قد انشاها النظام على الطراز الروسي ، قبل ان يتم تحويلها الى مقرات وثكنات عسكرية وهيئات شرعية و شرطة عسكرية بعد سيطرة الثوار عليها.
ويقطن مساكن هنانو نحو 170 ألف نسمة بحسب تقديرات حكومية قبل الثورة ، لكن العدد ارتفع مؤخرا الى نحو نصف مليون بعد ان فتحت المدينة أبوابها للنازحين من مختلف المناطق ، نظرا لاحتوائها على اعداد كبيرة من الأبنية احتوت النازحين من الجزء الواقع تحت سيطرة النظام، اضافة الى نازحي المحافظات الأخرى.
أصبح الحي في الأسبوع الأخير خاوياً على عروشه تقريباً من المدنيين ، إلا قلة قليلة لا تملكُ مالاً كافيا للنزوح بسيارة قد تكلفها 6 آلاف ليرة سورية حتى الحدود التركية ، ففضلت الموت بكرامة بين جدران المنازل التي تهتز في كل ساعة على وقع برميل متفجر جديد بانتظار أمل.
زمان الوصل - الهيئة العامة للثورة - خاص
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية