لا شيء يعكس واقع تخبط المجتمعات وحالة إسهالها السّياسيّ في المحافل الدّوليّة كما الإعلام فقد بات الأخير أخطر من القنابل الذريّة واليورانيوم الإيرانيّ الّذي يخشاه الزّنجيّ الأمريكيّ ؛فالإعلام الناجح أيضاً ثورة وما كان اقتصار هذه الثورات على دول دون أخرى إلاّ سبباً ؛ من هنا فإنّ التطور الإعلاميّ ولا شكّ حالة تدل على الرّقيّ ومؤشر واضح على حريّة التعبير ؛وقد بات الواقع السّوريّ أرضيّة وجبات دسمة لمواد صحفية شتّى من درجة / v I p / في ظلِّ مستنقع مجهول مربك لمصيره السّياسيّ ،فقراءة بعيدة عن التحيز في تحليلات بعض شاشات الفضائيات الّتي تستضيف ضيوف لا تقل حضورهم عن مذيعيها - مع الاحترام لألقابهم وصفاتهم في مراعي السّياسة - وتظهرهم بحصافة تجتر حرارة الواقع من أجلِ الولوج نحو قراءة مسبقة لفهم المستقبل بالأحلام والأوهام .
الحديث الجاري في الشّارع الإعلاميّ السّياسيّ في الأزمة السّوريّة أنّه من سابع المستحيلات أن تصل المعارضة بهذا الشّكل المتخبط كهيئة سياسيّة منقسمة كشلل تبحث عن حل في حضنِ مجتمع استجهل محارق الشّعوب المصطنعة للحفاظ على مصالحها وهذا غير منطقي لهيئة تريد أن تقود خيار ومصير نسبة مئويّة من الشّعب، بينما النسب الباقية موزّعة بين من رفض حضور جنيف - لأداءات الائتلاف ونوايا المجتمع الدّولي والنظام بعد أن ناوروا مناورات عمرها سنوات طويلة - ومعارضة داخلية تسمّى بهيئة التنسيق الأقرب مسافة إلى عقل الحكومة؛ في أحشائها صراع وتوزيع وتقسيم قوميّة ثانية للشعب الكُرديّ .
من الصّعبِ أن تجد في العالم مواطناً يشبه المواطن السّوريّ - فهو لا يشعر بانتمائه إلى أي دولة أو فصيل في العالم مهما بلغ درجة التقارب العاطفيّ والملليّ أو الجغرافيّ أو حتّى المذهبيّ - ففي سوريا من الخطأ أن تدّعي أنّك ذكي ومنتقد ومحلل سياسيّ تحمل حلاً في حقيبتك الدّبلوماسيّة ؛وأجدب من يعتقد إيجاد أي مخرج حقيقي للقضية السّوريّة وأنّ الحل بيد الحكومة أو المعارضة ، ومن الجنون تشبيه الحالة السّوريّة مع ظروف دول ومجتمعات أخرى ؛لقد أثبت الإشكال الاجتماعيّ السّياسيّ والطّبقيّ في سوريا خلال عقود طويلة تفضيل الغبيّ على الذّكيّ ؛ فهل نستطيع الاتّكاء على الأغبياء لإيجاد حل ورسم ملامح المرحلة القادمة لأنّ الأذكياء أثبتوا أنّهم يقرؤون الفرضيات بشكل خاطئ فمن الطّبيعيّ أن تكون النتائج سلبية ، لذلك لا حل ولا نتيجة في مباحثات جنيف الّتي من المفروض أنّها تطبيق قرارات وليست مباحثات والتي كانت فيها كمّية الدّسم عالية جداً – إعلامياً - حتّى أُصيب المدعوون بحالة إسهال شديدة أفرزت قراءات خاطئة وفلسفات جديدة كانت نصائحها مكالمات فائتة لم يرد عليها الأمريكيون والأوروبيون والإيرانيون والرّوس والعرب على الشّعب السّوريّ،والسّوريون وحدهم يعرفون الحل وشكله.
الشّعب السّوريّ أدرى بشعابها ؛ ونسبة الدّسم الّذي يرغب به الجميع من أجلِ تحقيق أحلامهم ومكاسبهم بين أقطاب متناحرة ، ويقيناً – وهذا ما لا يمكن إنكاره – الحكومة السّوريّة تعلم ماذا تريد ؟ وقد وضعت المعارضة أمام خيار واحد من خيار واحد فجنيف انتهت بقول وزير الإعلام السّوريّ : لن يأخذوا في السّياسة ما لم يأخذوه بالقوة بعد صراع دام ثلاث سنوات ،ولن يستطيعوا الحصول على أي تنازل في أي جولة قادمة ، جنيف ظهرت نتائجها بعد كلام المندوب السّوريّ الدّائم لدى الأمم المتّحدة بأنّ أعضائه لا يمونون حتّى على أنفسهم! جنيف انتهت عندما قالها وزير الخارجيّة وليد المعلّم : واهمٌ من يعتقدُ أنّ النظام زائل ؟ مختلٌّ من يعتقد أنّ رحيل النّظام قريب هذا على لسان السّيناتور جون ماكين ذو الوجه السّموح وأضاف: توقّعتُ فشل مؤتمر جنيف ،ولا تنسوا علامات اليأس على وجه رسول المصالحة المبايع لحل القضايا المعقّدة ؛ نعم نكسة جنيف كانت منذ الاتفاق السّوريّ الرّوسيّ الأمريكيّ في الملف الكيماوي فلماذا لا نقتنع أنّ الطّبل والزّمر صحيح في جنيف ولكن العرس منتهي والعروسة الآن تطالب بالطّلاق الشّرعيّ و كلّ نفقاتها .
قصّتنا نحن - السّوريين - مع الحكومات والمعارضات والمحافل الدّوليّة أشبه بقصّة العاهرة والزّوج الصّالح فالزّوجة كانت تبرر للزوج دوماً ،والزّوج غفور مسامح حتّى عندما مسكها مسكة يد ! السّوريين الطيبون أيضاً مسكوا الوطن والأسباب والحلول مسكة يد ، وتركوها لأنّ ثقتهم بالمجتمع الدّوليّ لم تكن مجرد كذبة نيسان ما أنزل الله بها من سلطان ؛ نحن – السّوريين – مازلنا ليلى الطّيوبة الّتي يأكل الذّئب بعقلها ؟ لم يشأ المجتمع الدّولي وقف نزيف الدّم والمصالحة والسّلم الأهلي في الصّراع المختلق ، ولم يضرب ضربة راعفةَ على أنفِ من لا يلتزم بقراراته، وأبطال الثورة البلشفيّة وجمهورية الولي الفقيه - طبعاً بعلم استخبارات أردوغان وعلى عين حرس الكعبة الشّريفة - ربتا مؤخّرة الولايات المتّحدة لتقول: إنّ الدّول الدّاعمة للإرهاب هي المسؤولة عن كلّ هذا الدّمار والخراب والجرائم وحرق الأوطان والشّعوب وأنّ القادم أعظم ،مستثنين أنفسهم لتبتسم صاحبة نزعة الشّراهة في زمن الرّقم الواحد في أرشيفات الحروب الأهليّة وسياسة الحقد على الأطفال .
كاتب وإعلاميّ
سوريّ
twitter: @rashedalahmad2
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية