أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

من أغاني "الخالدية"..إلى نهايات وجع "القصير": الشهيد "بلال الونيش" أيقونة الثورة السورية في حمص

" الونيش السوري" أسطورة الثورة في حمص واحد أهم رموزها الناصعة، كان ينقل المصابين بسيارته ويحملهم على ظهره للإسعاف وينقل الدواء لمحتاجيه، هزأ جسده بطلقات القناصين التي كانت تتحاشاه وتهابه وهو بينها يركض لانتشال الجرحى إلى درجة أن أصدقاءه كانوا يتندرون بأنه "بلا دم" وعندما جُرِح أول مرة في حي الخالدية لم يكن أحد يصدق أن هذا الشاب الرائع يُجرح أوينزف منه الدم، وتتالت إصاباته مرات كانت كل واحدة منها كفيلة باستشهاد غيره لكنه كان ينجو ويبتسم دائما ويقول: (ما آن الأوان) وذات يوم من أيام حزيران 2012 باغته صاروخ غادر وهو يحمل الدواء للثوار المصابين في حمص فاستشهد تاركاً وراءه سيرة إنسان أنموذج مشرف في أخلاقه وصدقه وتفانيه وخدمته للثورة السورية أكثر من مليون "مدع وأفّاك ونصاب".

أم علاء المحمد شقيقة الشهيد بلال المحمد الملقب بـ"الونيش" تحدثت لـ"زمان الوصل" عن جوانب من حياته ومواقفه في الثورة قائلة: 

كان أهل حمص في أول الثورة كما هو معروف –يخرجون للتظاهر كل يوم جمعة ولم يكن بلال يهتم للموضوع بداية، ما دعا أصدقاءه لنعته بصفة الجبان وكان هو بالمقابل من النوع "الكتوم" قليل الكلام، كثير الأفعال ولم يكن من الذين يتباهون بعملهم، وفي أحد الأيام قامت مظاهرة في حي الخالدية -حيث كان يسكن- فأصيب شابان من المتظاهرين فأسعفهما، وهنا وشى به مخبر، ليبدأ الأمن بالسؤال عنه وملاحقته، وأصبح يتخفى عن أعينهم، وعندما بدأ الأمن بمداهمة البيوت في الخالدية قام بمداهمة منزلنا، وكان بلال ينام فيه لأول مرة بعد ثلاثة أشهر من الغياب، وعندما أحسّ بوجود عناصر الأمن استطاع الهروب، فقاموا باعتقال كل أفراد أسرتي بما فيهم النساء والأطفال، حتى أنهم قاموا بإلقاء قنابل دخانية في "سقفية المنزل" للتأكد من أن أحداً ليس مختبئاً فيها، وبعد هروبه من المنزل انتقل بلال إلى دمشق وانخرط هناك في العمل الإغاثي حيث عمل على استضافة النازحين هناك في فندقي "خزامى" و"غازي الأول" في منطقة المرجة وكان يقوم بتأمين كل احتياجات نزلائه من النازحين بالغذاء واللباس من حسابه الخاص، وهناك استطاع تزويج 17 فتاة حمصية من المغتصبات، وحينما جاء الأمين العام السابق للأمم المتحدة إلى دمشق كان بلال أحد مرافقيه من المعارضة السورية مما أثار حنق النظام عليه وأصبح من ضمن 10 أشخاص مطلوبين لكل فروع الأمن في سوريا 
نصف مليون دولار مقابل جثته !


وتضيف شقيقة الشهيد "أم علاء":
كانت حياة شقيقي بلال وخاصة في بداية الثورة غامضة لا يعرف تفاصيلها أقرب المقربين إليه حتى في مجال عمله الإغاثي، وكان دائم التنقل بين مصر وتركيا وسوريا وأذكر أنه كان في مدينة حماة فتمت محاصرته مع عدد من الناشطين والثوار لمدة 13 يوماً لكنه استطاع التسلل إلى قرية "الدار الكبيرة" بعد عناء شديد، وهناك قام بدعم النقطة الطبية بمختلف الأجهزة والمعدات الطبية آملاً في أن تصبح مشفى مع مرور الزمن وسقوط الطاغية بشار، كما ساهم بدعم "الحولة" المحاصرة بالطحين وقام بمساعدة المشافي الميدانية هناك، ودعم النقطة الطبية بقرية "الغجر" بالأدوية وكذلك دعم المكتب الإعلامي هناك، وقام بالتعاقد مع أطباء وصيادلة في بلدة "الزعفرانة" لمعالجة الفقراء من مهجرّي الدار الكبيرة، وفي كل ذلك كان شخصية محبوبة من قبل جميع الناس الذين عاملوه، ولم يتوانَ عن مساعدة أي إنسان، وعندما اشتد الحصار على هذه القرى بتاريخ 5-6-2013 قام -رحمه الله- بتشكيل فريق إغاثة طبي لدعم أهالي القصير إلى أن جاءنا خبر استشهاده هو والشهيد "عبد الرحمن قيسون" بكمين شرق مهين بتاريخ 19-6-2013 من خلال استهداف سيارة كانت تقله بعدة صواريخ، ويبدو أن سيارتهما كانت مراقبة من قبل قوات النظام وعندما حاولنا الحصول على جثته رفض النظام تسليمها إلا بعد دفع نصف مليون دولار فقالت والدتي للثوار اجمعوا هذا المبلغ ولكن اشتروا به سلاحاً لتستمر الثورة ويظل ذكر بلال فيها.

"هدول القناصين متل الكلاب "!
الطبيب "منصور الرجب" أحد أطباء الإغاثة في حمص يحدث "زمان الوصل" عن صديق الشهيد "بلال الونيش قائلاً ": تعرفت عليه وكان ينقل المصابين بسيارة نص نقل ويحملهم على ظهره للإسعاف وعندما ينقص الدواء كان ينقذنا، وعندما ينفذ الأكسجين يأتى به إلينا من حيث لاندري. 

زودّ المشافي بكل ما تحتاج وما استعصى عليه عمل، وليلاً عندما كان لا أحد يجرؤ على الخروج نهاراً، عندما كان القناص يمنع حركتنا حول المشفى كان يطعمنا.

و(صفيحة كمان) وعندما كنت ترى رجلا بألف طبيب، ومسعفا بألف مسعف فأنت أمام قامة تعلو إلى السماء نبلا وكبرياء أنت أمام "بلال الونيش" ويردف رجب: (شاهدته قبل سفري بساعات صدفة في مقهى بمنطقة "أبو رمانة" وهو المطلوب لكل فروع الأمن في سوريا, وكان جوابه المعهود عندما سألته كيف الأوضاع "عالأول دكتور") وهي عبارة تعني الشخص الذي يمسك على الأول في الدبكة.

ومن جهته يرى الناشط الإعلامي عادل مطر: أن "أسطورة الونيش" سبقت صاحبها، إذ كان شخصاً يتمشى بكل هدوء وسط إطلاق الرصاص والقناصين لانتشال الجرحى في حي الخالدية بحمص بالطبع لم يكن مقنعاً كفاية مجرد قول بلال:"هدول القناصين متل الكلاب إذا خفت منهم بيقتلوك" ويضيف مطر: (من يعرف بلال عن قرب سيكتشف هذا اللغز: قلب طيب يليق به هذا الجسد القوي، وإيمان بعزة الدم السوري على أخيه السوري أن يبقى مرمياً في الطريق جزاء حريَّة صرخ بها له ولأخوته في وجع نظام همجيّ ووحشي لا تشبهه بأي حال من الأحول هذه المشاعر الإنسانية والوطنية التي اعتقد أنّه قتلها عند السوريين خلال سنين قمعة لهم.

ويضيف مطر بحسرة وألم: "ذهب بلال وذهبت معه ذكريات تصلح سيناريوهات في البطولة لم تشهد مثلها الأيام. سيفتقده أقرانه ومحتاجي العلاج والجرحى وشوارع حمص وزواريبها التي ستحكي عنه حكايات وتذكره كل الحالات الإنسانية التي كساها نُبلا. يكفيك بطولة أنك لم تحمل سلاحا قَط، من بدايات أغاني "الخالدية".. إلى نهايات وجع "القصير".. رحل "الونيش"، نعاه الجميع بقولهم:"رجل يختصر الخالدية ،بطل في قبيلة بألف رجل".

فارس الرفاعي - زمان الوصل - خاص
(166)    هل أعجبتك المقالة (117)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي