أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

قوته في ضعفه ... عبد شمالية

بعد احتلال العراق, اتفق نظاما سورية وإيران على تحويله إلى جحيم للأمريكان, واستخدام كل الوسائل الممكنة لتلقينهم درساً في عدم احتلال أي بلد آخر خصوصا البلدين نفسيهما. ولذلك, قاما بدعم الجماعات المسلحة الطائفية وجماعات التخريب وبعض جماعات المقاومة. وتدمر العراق في إثر ذلك, من دون أن ننسى السبب الأول وهو الاجتياح الغربي. وفي حزيران 2010 وصف بشارُ الأسد الحكومةَ الإسرائيلية بالمهووسة بإشعال الحرائق "Pyromaniac" بعد عودة بنيامين نتنياهو لرئاستها, تزامناً مع تسارع الحديث عن حرب شاملة آنذاك.
يتقمص النظام السوري اليوم أدواره السابقة في العراق, والنعوت التي أطلقها على الحكومة الإسرائيلية, بمساعدة ومؤازرة مباشرة من إيران. فهو مهووس بإشعال الحرائق على مساحة أرضه من دون حس من وطنية أو حتى عقل. وقد تجلى ذلك كلامياً وعملياً في مقولة "الأسد أو نحرق البلد" (والتي تبدو الآن, الأسد ونحرق البلد). يحرق النظام نفسه بحرق أرضه شامتاً لتحويل البلاد إلى جحيم انتقاماً من الثورة.
وقد كان عبد الحليم خدام نائب الرئيس السوري السابق قال إنه زار إيران بصفة رسمية قبل احتلال العراق لكي يناقشوا وضع العراق آنذاك. وقد قال إنهم اتفقوا على أفضلية التسامح مع بقاء صدام حسين في الحكم لأن رحيله سيولد فراغاً قد تملؤه أمريكا وحلفاؤها. وصدام ذئب جريح فقد غالبية قدراته وامكانياته ولم يعد مصدر تهديد فعلي, فبقاؤه غدا مصلحة ثنائية. هذا الكلام ينطبق على رؤية أمريكا للنظام السوري في الوقت الراهن. فلا هم يُصفّونه ولا هم يعينونه.
المثير للسخرية ,أو الأسى, أن النظام ساهم في إضعاف نفسه حتى لا يكون خطراً على أحد خارج حدوده. ولعله استعار المقولة اللبنانية: قوته في ضعفه. لكنه لم يُضعف نفسه إلى درجة السقوط. وهو الآن يرى دوراً له في مواجهة القوى التي يسميها العالم إرهابية. معادلة جهنمية رسمها النظام بخبث. لست قادراً على إيذائكم. لقد أخذتم أسلحتي وبلدي مدمرة. ولكني أيضاً قادر على مساعدتكم في مكافحة الإرهاب. أو على أقل تقدير ببقائي تضمنون عدم سيطرة قوى متطرفة على سورية قلب المنطقة الأهم استراتيجياً في العالم. واليوم, يطمح النظام إلى قضاء أيامه القادمة, بعد أن صار مخصياً, مع خاصة السلطان الأمريكي, بلا خوف من حبل!
ورغم أن النظام مترنح, لكنه لم يسقط. وهذا ما يدعو إيران وروسيا إلى الاستمرار في دعمه. فهما يعلمان حاجته الماسّة لهما وبالتالي إن استمر, فسيستطيعان فرض شروطهما ومشاريعهما عليه مستقبلاً في كل المجالات من السياسة إلى الأمن والاقتصاد. فحتى داعموه رأوا فائدة في ضعفه, لأنهم يعلمون أن لا مصلحة أمريكية أو إسرائيلية برحيله حينها. ولعل الاتفاق الكيميائي بترتيب روسي ورائحة إيرانية خير دليل.
وفي الداخل, حرص النظام على اظهار صورتين له, ضعيف أمام الثوار, صامد وقوي في عيون مؤيديه, كي لا تنهار معنوياتهم كلياً. أما من جهة الثورة, فكم مرة سمعنا بساعة الصفر؟ وكم مرة انتظرنا أن يسقط النظام بين ليلة وضحاها؟ لجملة من الأسباب, حُمِل الثوار على الاعتقاد بقرب سقوط النظام في دمشق مرات عديدة, خصوصاً بعدما بان ضعفه الخارجي الذي كان قد تمرس فيه. ولكن بعد كل إطباق على دمشق كان النظام يستعيد بعض الزخم في الغوطة, وكان يوظف هذا كانتصار تكتيكي, يفضي إلى رفع معنويات أهل بيته وتراجع في معنويات الثوار. أما مصطلح ساعة الصفر فقد أمسى داعيا على التندر في صفوف الثوار أنفسهم. نعم, ربما كان النظام يجرنا - أحياناً - إلى ما يرسمه لنا.
وعلى الرغم من ذلك, فاللعبة لم تسر وفق رغبات النظام وخططه, وانقلب السحر على الساحر. ففي النهاية اعتراه ضعف جلي, الأمر الذي استدعى تدخل حزب الله والميليشيات العراقية إضافة للقوات الإيرانية. فلولا هؤلاء لكان سقوط النظام أمراً محسوماً. ولعلنا لا ننسى ما قاله أحد العناصر العسكرية في حزب الله لمجلة تايم الأمريكية بأنهم إن لم يقاتلوا إلى جانب الأسد, فإنه سيسقط في ساعتين.

(119)    هل أعجبتك المقالة (103)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي