يوماً بعد يوم، تتزايد الأدلة والوقائع على طبيعة المرحلة التي تعيشها منطقتنا وأمتنا. وهي وقائع ومؤشرات تدل على أن أمتنا تمر بمرحلة تاريخية مفصلية وصعبة، وأنها تقف على مفترق طرق صعب ويتجاذبها مصيران: الأول هو مصير الإبادة والفناء والاجتثاث الذي تخطط له القوى المعادية لهذه الأمة، والذي عبرت عنه أوضح تعبير مرشحة الرئاسة الأمريكية هيلاري كلنتون عندما هددت بإبادة إيران وإزالتها من الوجود إذا هاجمت إيران إسرائيل.
وهذا التهديد الذي أطلقته مرشحة الرئاسة الأمريكية لم يأت عفو الخاطر، كما أنه ليس مجرد استرضاء مريض ورخيص لشريحة من الناخبين اليهود في الولايات المتحدة الأمريكية، ولكنه تجسيد حقيقي لطبيعة العقلية المسيطرة على مفاتيح صناعة القرار في الولايات المتحدة الأمريكية التي تقود عملياً القرار الغربي الاستكباري، وخاصة في القضايا والمواقف المتعلقة بمنطقتنا وأمتنا. وهي عقلية عدوانية استئصالية تدخل معنا في معركة بقاء بعد أن رسخ في أذهان صناع القرار الغربي الاستكباري أننا نحمل مشروعاً حضارياً بديلاً للمشروع الغربي المتغطرس المعجب بالرجل الأبيض المحتقر لما سواه، وقد صار السلوك المتغطرس ثقافة شعبية لدى الغربيين نحو غيرهم، وخاصة المسلمين الذين هم اليوم أكثر شعوب الأرض تعرضاً للعدوان الغربي، وسعيه لاجتثاث أمتنا، وهو الساعي الذي يأخذ أشكالاً مختلفة، ففي فلسطين هناك مسلسل القتل والتدمير اليومي للبشر والحجر في إطار مخطط العدو لتثبيت احتلاله واقتلاع أصحاب الأرض الشرعيين من وطنهم، وفي هذا الإطار يجيء الحصار الجائر والتجويع المجرم لأهلنا في غزة، وهو الحصار الذي يشارك فيه بعض المحسوبين على أمتنا، بعد أن نجح الاستكبار الغربي في أن يجعل بعضنا يضرب بعضنا الآخر، ويحاصر بعضنا الآخر، ويتحالف بعضنا مع عدونا ضد بعضنا الآخر، كما يحدث الآن في غزة وكما حدث قبل ذلك في العراق والسودان وليبيا، وكما هو مرشح مستقبلاً لأجزاء أخرى من جغرافيا أمتنا التي تقود مشروع الممانعة والمقاومة للاستكبار الغربي. وحصار غزة هو جزء من خطة الإبادة والاجتثاث التي تطبق في فلسطين كجزء من خطة الإبادة والاجتثاث الشاملة لأمتنا، فمثلما يجري حصار غزة يتم حصار سائر أراضي فلسطين التاريخية عبر الحواجز الأمنية التي تجعل حياة الفلسطينيين قطعة من العذاب، وعبر الكتل الاستيطانية التي تلتهم ما تبقى من أرض فلسطين وصولاً إلى سياسة الترحيل القسري للفلسطينيين، سواء جاء هذا الترحيل فردياً أو جماعياً.
ومثل فلسطين، كذلك هو الحال في العراق الذي صار أبناؤه مشردين تحت كل سماء في هذه الكرة الأرضية، وصار البقاء في العراق نوعاً من المشي في حقل للألغام، لا يعرف المرء متى ينفجر أحد ألغامه تحت قدميه، فيودي به في إطار المذبحة المفتوحة ضد أهلنا في العراق الأشم الذي تنتهك حرمات تاريخه، كجزء من عملية الإبادة والاجتثاث المقصودة لأمتنا، وفي هذا الإطار تأتي عملية المطاردة المنظمة والحثيثة لعلماء العراق لقتلهم وتصفيتهم، ذلك أن من أهم أسلحة العدو لتنفيذ مخطط إبادة هذه الأمة إبقاءها ضعيفة ومتخلفة، لذلك صار علماؤها أول المستهدفين برصاص عدوها وسمومه وبكل صنوف إجرامه. تحقيقاً لهدفه في إبقاء أمتنا في حالة تخلف، وخاصة على الصعيد العلمي، ولعل هذا ما يفسر لنا الجنون الغربي الذي تحول إلى عملية استعداء مجنون للمشروع النووي الإيراني الذي يسعى لكسر الاحتكار الغربي للتفوق التكنولوجي، وهو أمر لا يتصوره المستكبرون الذين يسعون لإبقاء سيطرتهم على الشعوب، ومصّ دمائها من خلال نهب ثرواتها ومنعها من تطوير قدراتها.
وإذا كان مشروع إبادة الأمة الذي يتبناه الغرب يأخذ شكل القتل المباشر، كما هو الحال في فلسطين والعراق ولبنان وأفغانستان، والتهديد بالقتل والتدمير كما هو الحال مع إيران وسوريا، فإنه يأخذ أيضاً أشكالاً أخرى في أجزاء أخرى من جغرافيا أمتنا، التي يُصر الاستكبار الغربي على إغراقها في حالة من الفوضى المعطلة لقواها المانعة لوحدتها وتقدمها، والاستكبار الغربي لا ينكر سعيه لإغراق منطقتنا بالفوضى، بل يعتبرها إستراتيجية معلنة له سمّاها ''الفوضى الخلاقة'' في عملية استخفاف غير مسبوقة بالعقل البشري، فمتى كانت الفوضى خلاّقة؟، ومتى كان الفوضويون قادرين على بناء شيء؟...
لقد تعددت أشكال الإبادة التي يُمارسها الاستكبار الغربي ضد أمتنا، وصار الغربيون يتنافسون في إيذائنا والعدوان علينا في إطار سعيهم لتحقيق مشروعهم ضدنا عبر حرب شاملة يخوضونها ضدنا، ابتداء من الاحتلال المباشر، مروراً بعودة القواعد العسكرية الغربية إلى بلادنا، وعودة سفرائهم في عواصمنا إلى لعب دور المندوب السامي صاحب القرار الفعلي في هذه العواصم، والذين صارت أولى مهماتهم خلق العملاء وحمايتهم وإيصالهم إلى مواقع صنع القرار في هذه العواصم، وصولاً إلى منع قيام أي نوع من أنواع التعاون بين عواصم الأمة وأبنائها، خوفاً من وصول الأمة إلى المصير الثاني البديل لمصير الإبادة والفناء والتذويب الذي يريده لها الاستكبار الغربي الذي يعلم علم اليقين أن وقوف أمتنا على مفترق الطرق لن يطول، وأنها ستختار طريق وحدتها الذي هو سر خلاصها،وقبل ذلك فإنه جزء من عقيدتها وتكليفها الشرعي، تماماً مثلما أن مقاومتها هي خيارها التاريخي وواجبها الشرعي وطوق نجاتها، لذلك يتكالب عدوها على ضرب هذه المقاومة ساعياً إلى منعها من التمدد والانتشار لتصير ثقافة الناس وسلوكهم اليومي، غير أن الوقائع تؤكد فشل العدو في تحقيق هذا الهدف، بدليل هذا التعاطف الجماهيري الكاسح مع قوى المقاومة، والذي دلت عليه الاستطلاعات، بما فيها تلك التي تجريها مراكزه ومؤسساته؛ فتزيد نتائجها من جنونه وسعاره، وهو الجنون الذي يوقعه بالمزيد من التخبط الذي يقابل لدى أبناء أمتنا بالمزيد من الوعي والمقاومة، التي هي طوق نجاتنا وخيارنا للخروج من مفترق الطرق إلى الحياة الحرة الكريمة، وليس إلى الإبادة والاجتثاث كما يريد لها عدوها الذي يعرف أكثر من بعض المحسوبين على هذه الأمة أن وحدتنا ومقاومتنا هما سر بقائنا وسفينة نجاتنا وطريقنا إلى رضوان الله.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية