الهاجس الأمني الذي عاشه السوريون قبل الثورة سافر معنا في الطائرة، وعاش بيننا طيلة أيام الدراسة التي قضيناها في روسيا، ودائماً كنا نشعر أن هناك طلاباً مدسوسين بيننا، يتمتع كل شخص فيهم بصفات تأهله لمنصب لا يقل عن مدير عام في مبنى حكومي مؤلف من ستة طوابق، أهمها أن "خطه حلو"، وذمته واسعة، وضميره ميت، كانت مهمتهم مراقبة كل صغيرة، وكبيرة نفعلها.
أحدهم لطالما حدثنا عن قرابته "النسوانية" مع عائلة الأسد، وأن هناك خلافات عائلية تحدث بينهم، وبين تلك العائلة الكريمة، ووصل الحد بطالب آخر إلى أن يتجرأ ويقول: كل مشاكلنا من "هالعائلة"، ولو مو هالعائلة بالحكم كانت سوريا أفضل بلد عربي على الأقل!.
كنا نفسر هذا النوع من التصريحات بأنها نوع من الاستدراج، ومن يطلقها تنطبق عليه الصفات المذكورة أعلاه، وتؤهله لمنصب "مخبر للسفارة".
الأغلبية قابلوا تلك "الاستدراجات" بالصمت، والابتسامات كنوع من "كف الشر" أو "ابعد عن الفسفوس، وغنيله"، ورغم ذلك كنا نسمع بعض التعليقات الجريئة من بعض الطلاب، ومنها تلك "الحزورة" التي كان يرددها دائماً طالب من "الغوطة الشرقية"، الحزورة تقول: رقبته طويييلة ومانو زرافة!، عيونه خضر ومانو قط!.، أبوه كان رئيس؟!!... الخ
كان هناك طالب ثالث حتى تعليق على خبر تأخر رواتب الموفدين في موقع شبه رسمي لم يجرؤ على كتابته، وفي أحد الأيام ذهب هذا الطالب إلى موسكو لتوقيع بعض الثبوتيات، وعند عودته كان محملاً بصور "السيد الرئيس"، وبالأعلام، واللافتات، وذلك استعداداً للعرس الوطني المتمثل بالاستفتاء لسيادته لولاية دستورية ثانية، ونصح ذلك الطالب المتميز كل الطلاب السوريين بضرورة المشاركة في ذلك اليوم الوطني!.
وفي صباح السابع والعشرين من شهر أيار، كان موعد الذهاب إلى الصندوق الذي كُتب عليه "نعم" من الجهات الأربع، وكلما قابلنا ذلك الطالب المتميز لامنا على التقصير، وعدم الاهتمام بمصالحنا، وبمستقبلنا، وتنبأ لنا كالبوم بأن السفارة ستشطب أسماءنا من قائمة الموفدين، وبالنهاية ستطردني روسيا إلى الوطن "الأم" سوريا، وأنتم تعرفون بقية الحكاية!.
بعد عدة أيام من فوز الرئيس المفدى بولاية ثانية ذهب الطالب الجريء صاحب الفوازير إلى السفارة في موسكو، وهناك سأله بعض الكولكجية من موظفي السفارة: شو كيف كانت الانتخابات عندكن ببطرسبورغ؟ فأجاب بصوت عال: والله ما رحت ولا جيت!!
استغرب الموظف ما سمعه، وقال: له ليش ما رحت؟!
فأجابه ذلك الطالب الرائع: راحت عليّ نومة، بعدين هو ناجح ناجح بدوني.
الأول، قريب الأسد من طرف "نسائي" مازال يتابع دراسته كموفد إلى بطرسبورغ، ولا ينوي التخرج حالياً!!
والثاني، مازال خائفاً على وظيفته، وسيكمل بعد فترة وجيزة عامه الرابع في خدمة الجيش العربي السوري!
أما الثالث فقد دخل منذ أيام عامه الثالث في زنزانات الأسد الغاشم لأنه كان ينظم المظاهرات في قريته في الغوطة المحاصرة.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية