بعد أن كانت الشيوعية بعبع العالم الذي تخيف به أمريكا دوله حتى حولتها إلى سيف لها تنتهك بسطوته حرمات الدول، انهارت الشيوعية فما كان من الولايات المتحدة قطب العالم الأوحد إلا أن تبحث عن بعبع جديد ليبرر وجودها وتخيف به شعبها وتستغله ليكون سيفاً تسلطه على رقبة العالم، وكان خيارهم هذه المرة هو الإسلام، وبدأت حرب بوش الصغير الصليبية من واشنطن باتجاه أفغانستان، ثم العراق، وكانت النتيجة أن زحف فرسان الصليب الأمريكي قد مُني بالهزائم في كل موقع من هذه المواقع حتى أصبحوا يبحثون، بل ويستجدون وسيلة ينسحبون بها دون أن يخسروا كل ماء وجههم الذي لم يبق منه الكثير.
ففي أفغانستان أصبحت الحكومة ''الشرعية'' تستجدي مشاركة طالبان ومقاتليها في مؤسسة الحكم، بعد أن أثبت النظام الحالي عدم قدرته على السيطرة على البلاد، فلجأوا إلى طالبان التي كانوا بالأمس يتهمونها بالقمع والتخلف، وفي العراق أسقط الأمريكيون نظاماً وجاؤوا بنظم ونظم وأصبح في العراق الموحد مئة دولة ودولة، فهناك دولة كردية، وأخرى سنية وثالثة شيعية ورابعة ''شرعية''، ولا ننسى طبعاً عرش الدولة الأمريكية وممثلها السامي في العراق السليب، ورغم كل ذلك، فجأة وجد الأمريكيون أنفسهم أمام هزيمة تتبعها هزيمة، وبعد أن جاءوا باسم حرية وتحرير العراق وبناء الدولة المدنية أصبحوا يخطبون رضا العشائر والميليشيات ورجال الدين، مقرين بأن لا حل أمامهم إلا باللجوء إلى الحس الإسلامي والقبلي عند العرب علهم يفلحون بالخروج من المستنقع العراقي بأقل الخسائر، أما في لبنان فحدث ولا حرج، فبعد أن اغتالت أيادي أمريكا في المنطقة الرئيس رفيق الحريري أصبح دمه حجة يستخدمها القاصي والداني لاحتلال لبنان وزعزعة أمنه واستقراره، فكان التدخل وراءه التدخل بعدها الحرب، وكانت النتيجة انتصار المقاومة الإسلامية واندحار الفلول والأذناب الأمريكية والإسرائيلية ومرة أخرى وجدت السياسة الأمريكية بغبائها الذي أصبح ذا شهرة عالمية نفسها أمام مطب جديد دفعها إلى استجداء التدخل السوري وطلب التعاون من قبل المقاومة بعد ان كان همها هو الانسحاب السوري من لبنان، والقضاء على المقاومة وسلاحها، بل ووجودها، وبالمحصلة فقد وجدت أمريكا أن صراعها مع الإسلام ككل واحد لن يجدي؛ فالإسلام العقيدة والأيدولوجيا والشعوب أكبر وأقوى من أن يحارب كلا واحداً، لذا أصبح خطب ود الإسلام والدفاع عنه بحجة أن هناك إسلاماً فاشياً أو راديكالياً وإسلاماً معتدلاً ''ينال الرضا الأمريكي'' هو ديدن الولايات المتحدة وأصدقائها، لكن بقيت أمريكا أمام معضلتها الأزلية وهي ضرورة إيجاد البعبع الذي يبرر وجودها وسعيها للسيطرة على العالم فكان الاختيار هو الرموز الإسلامية والتي منها دول مثل سوريا وإيران وحركات وأشخاص كان أخرهم الشيخ يوسف القرضاوي وحركة حماس، فهي من جهة دول ورموز ومؤسسات تستحق أن تكون نداً للقوة العظمى في العالم، ولن يُلام الأمريكيون على معاداتها، ومن جهة أخرى هي معقل من معاقل الإسلام في العالم، وبالتالي يضرب الأمريكيون عصفورين بحجر واحد، فيزعزعون المنطقة ويكسبون عدواً دائماً هو الإسلام، ومن ناحية ثالثة فإن كثيراً من هذه الجهات ترفض الخنوع أمام الجبروت الأمريكي، مما يجعلها مرشحةً ممتازةً لاتهامها بالتطرف وعدم احترام الشرعية الدولية والتي ترجمتها الحرفية: ''الرغبات الأمريكية''.
ومنذ ذلك الحين أصبح ''الإسلام الراديكالي'' الهدف الأوحد للهجوم الأمريكي، وكانت المسألة رغم قذارتها محتملة من قبل الكثيرين لأنها حتى اللحظة أخذت صورة تنازع الدول والإيدلوجيات هو أمر عادي، لكن غير العادي ما حدث في الأيام القليلة الماضية حين حاول مرشحو الرئاسة الأمريكية أن يجعلوا من إيران سلماً يصعدون عليه نحو الرضى الشعبي والإسرائيلي معاً، فكثرت اتهاماتهم وترهاتهم حول إيران الدولة المسلمة الجارة دون أن نسمع أي رد من أي طرف عربي وإسلامي، لكن ما جاوز الحد أن تصل الوقاحة بشخص أن يهدد بإزالة دولة، وهذا ما فعلته المرشحة هيلاري كلنتون حين هددت بإزالة إيران عن خريطة العالم إن هي هددت أمن إسرائيل...
تصوروا قيام هيلاري كلنتون التي لم تصل بعد إلى بر الأمان في ترشيحها بمعنى أنها لم تضمن حتى ترشيح حزبها لها بالتهديد بتدمير الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ولماذا؟، لأنها قد تهدد أمن إسرائيل هذا الكيان المصطنع المدنس منذ نشأ وحتى يزول، إذن فماذا بقي عندما تضمن الترشيح أو تفوز مثلاً؟، وطبعاً لا عرب استنكروا ولا مسلمين شجبوا، بل على العكس جاء الاستغراب من قبل سياسيين وإعلاميين أمريكيين، وحتى من منافسيها على مقعد الرئاسة لأن ما تفوهت به هذه الإمرأة جاوز كل حد وعقل ودخل في إطار الخزعبلات والمزايدات الجوفاء، فمن هي هيلاري كلنتون حتى تهدد وجود دولة وشعب وهل تظن أن الولايات المتحدة لو كانت قادرة على القضاء على الإسلام أو رموزه صمتت كل هذا الوقت؟ لكنها لم ولن تقدر......
إيران أو سوريا أو حماس وغيرها و حتى أشخاص العلماء والقادة الإسلاميين أصبحوا في هذه المرحلة المؤلمة من تاريخ الأمة أحد الحصون والمعاقل القليلة للإسلام القادرة على حمايته وحفظ جزء من هيبة الأمة التي شارفت على الزوال، بل والكثيرون على ثقة أنه لو حزب الأمر فإن إيران التي تتهم بالتعصب للعرق الفاسي وكراهية العرب لن تتردد في الدفاع عن العرب والعروبة؛ فبالدرجة الأولى فإن الأمة الإسلامية كل واحد، وبالدرجة الثانية فنحن كعرب مسلمين نعلم أن لا وجود لنا دون بعدنا الإسلامي، تماماً مثلما يعلم العالم الإسلامي أن لا استمرار له بلا العرب.
لذا وبما أن وجودنا كل واحد مترابط فأن ينتصر العرب للدول الإسلامية والرموز الإسلامية، تماماً مثلما انتصرت الدول الإسلامية للعرب في كل قضاياهم من قضية فلسطين إلى لبنان، بل وحتى أشياء قد نراها بسيطة مثل هدم قلعة أجياد التي خلقت زلزالاً في الشارع التركي المسلم، هو واجب ديني قومي يتساوى فيه المسلم مع العربي حتى لا يكون أحدنا للآخر كالثور الأبيض لشقيقيه
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية