أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

لا صمت للريح.. حين يدوي صوتها وتمضي في جنونها


نعم...ترعبنا جدا صور المعتقلين المعذبين حتى الموت. تخيفنا الهياكل العظمية المنكمشة للشباب والأطفال المتخمين بالجوع والعذاب..تفجعنا. قصص التّجويع والتشريد ويوميات الحصار والبراميل....وكل ذلك... والإعلام يصرّ على قتلنا بالألم والذنب؛ كأنّنا من يمارس المذبحة ...حتى أضحت صورة الادّعاء متمددة في الأحاديث تقول بأنّ الثورة هي التي سببت هذه الفجائع والنكبات والويلات. الذنب، في الأساس، ذنب الثوار لا ذنب نظام السّفاح...لأنّ نظام بشار يرد على الإرهاب بالإرهاب.. وكأن لسان الحال يقول: استسلموا ... استسلموا...؛ لكي يرتفع التصفق بمباركة الانصياع للطاغية، والاعتذار عما اقترفته الثورة من آثام وخطايا لتجرؤها على طلب الحريّة.
ويستمر الإعلام في العزف على وتير الإحباط...حتى يوحى للجميع بأنْ لا حل، سوى محاورة الطاغي في عرشه والتعايش مع ظلمه..وتنهار المطالب الكبرى إلى لقيمات ومسكنات صغيرة. وواهم من يتوقّع العودة لذلك الزمن البائد بعد كل ماحصل واستجد؟. 
تلك التي كنا نعيش فيها ردحا من الزّمن لم تكن حياة...مجرّد قبر مرخّم. قواقع وهمٍ مزخرفة. ابتداع شكلي. وانحباس داخلي في هواء ضيّق. ..ومن العجب أن يرتفع الصوت من الشعب المقهور مندّدا بالثورة ، لاعنا إياها، بوصفها مؤامرة أخرجتنا من تلك الجنان وأفقدتنا ذلك الفردوس العظيم؟ 
جهل مطبق وجبن مستفحل وانصياع لتدجين مستمر....أكان علينا إذن أن نستمر راضين بالذل والهوان؛ فنسرح في عيشة الزرائب كالأنعام، ونلتقط الحبوب والأعلاف معفّرة بالتراب والأوساخ مخلوطة بالديدان لنقتات كفاف عيشنا؟ أين هي الحياة الكريمة السعيدة؟
هل علينا لكي ننجو، أن نقبل العيش كالأغنام؟ نرعى في مزارع خصبة متنعمّين بالعلف، لاهين بلا هدف في خصب المراعي المعدة للتسمين. وهي ليست إلا زرائب، وشأننا في ذلك كقطيع ذليل من أغنام ودجاج...ومصيرنا الذبح والسلخ والتقطيع؟
إنّ من يترحّم على عصر عبوديته الذهبي في حظائر الأسد؛ فليبق هناك في ذلك النعيم راتعا في رغده العتيد....أما الإنسان الحر الذي اختار أن يرفع رأسه، ويقول صوته، فلا مجال لأن يعود إلى سلاسل العبودية حتى لو كانت من ذهب خالص وماس ثمين. المجد للحرية وللإنسان الحر.. حتى وإن مات في سبيل جبين مرفوع، يرى الشمس التي يريد. النصر له حتى وإن ضاع في تيه المسالك الشائكة والدروب الوعرة بعيدا عن مرتع الرغد الذليل وعن صمت المقابر الرخاميّة لأنّه إنسان قادر على حمل شقائه على مداد صبره، وكتابة تاريخه بتوهّج جراحه. 
في الأرض خياران: حرية حقيقية وحريّة صناعيّة. حرية حقيقية لا شروط لها إلا المسؤوليّة. وحرية صناعيّة أساسها العبودية، مغرية لتمرّغ الكلاب وسرح الحملان والخرفان...أمّا الإنسان الحر؛ فيختار الحرية الحقيقة. وغير ذلك فهو للعبيد والأنعام....المقاصل الصامتة والمشانق الليلية قد علّمت الحر كيف يمشي على ألمه؛ فلا يتراجع ولا يعود للوراء.

د. سماح هدايا
(121)    هل أعجبتك المقالة (111)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي