لا مشاقة في الاصطلاع، ولا ضير في المسميات، فأيّا كانت معنى كلمة التصوف أو وقتها وتسميتها، فالحكم على الشيء هو حكم على أصله، لا على اسمه وكنيته.
في الأصل منهج التصوف أسماه ابن تيمية رحمه الله بالسلوك، ويُعرَف عند المتقدمين بالسير إلى الله وتطهير القلوب من الاعتماد والتوكل على غيره.
فمعناه في الأصل نبيل عظيم شريف، إلا أن أدعياء التدين، وأصحاب الشهوات يمتطون أيّ مذهب أو منهج لتبرير شبهاتهم، وتمرير خرافاتهم على حساب منهج وعلماءَ بل ودين كامل.
شاع مؤخرا أن منسوبي ذلك المنهج ناصروا الطغاة ووقفوا مع الظلمة الفسقة، ضد شعب مسلم أعزل، وهذا لا يرتضيه إنسان عاقل فضلا عن كون دينه ينهاه عن ذلك.
بيد أن الكثير من أهل التصوف أصحاب العلم والمعرفة، كانوا أول من ثار على الطغاة والمستبدين ودعوا لقتالهم وتخليص العباد من شرورهم.
لكن أولئك المتطفلين على الدين، تعللوا بالآثار والأحاديث ووجهوها على ما يدعم مصالحهم الشخصية وينصر شهوات نفوسهم في التصدر والرياسة.
فبحجة أن ليس للعالِم مكان في السياسة ولا التدخل في شؤون الحكم، ضلَّ العبادُ، واضطُهدوا، وعاشوا التنكيل والويلات من جراء هذا الاعتقاد السقيم.
مروّجوا هذه الأفكار إما أصحاب مناصب أو أتباع أو جاهة، فهم في ذلك أخوف منهم على دين الله وعلى مصالح العباد، فأن يبقى عَلَمًا يشار إليه بالبنان، ويوضع في صدر المجالس، ويُقدّم في المحافل، أحبّ إليه من أن ينكر على طاغية ويرد ظلمه ويبين إجرامه.
ولعل المسلمون يعون بعد عقود مريرة من زمن الاختلاف والشقاق، أن الأسماء لا اعتبار لها مقابل الدين الذي يوحد الجميع، والكل مأمور بأن يدخل فيه ولا يختلف عليه (يا أيها الذين آمنوا أدخلوا في السلم كافة) لا أدعوا وأدخلوا في مسميات جعلتموها دون الله ودون شريعته السمحاء، فكل سلفي يبرئ منهجه ومشايخه أكثر مما يبرئ الإسلام، وكل متصوف كذلك يفعل، وهكذا، وراحت الأمة وذهبت هيبتها ..! والكل مشغول بتلميع مشايخه وتبين كفر وضلال الآخرين..!
متى نعي أن الحق واحد عند الله لا نعلمه نحن؟ إلا القرآن والنبي الكريم، وما نتج عنه فهم الصحابة ومن بعدهم ومن ورثهم هو اجتهاد يحسبون أنه الحق فيتبعونه ويتعبدون الله به.
ويحق لك أن تعتقد أن الذي وصل إليه فهمك واجتهادك من اتباع هو الحق، لكن لا يحق لك البتة أن تعتقد أن غيرك خارج عن نطاق الإسلام، وضال مضل فاسد؛ فأنت بذلك تتألّى على الله وتقوّله.
أولئك المتصوفة المثبطون، وأولئك المتسلفة الطائفيون، هم من يضع من الإسلام، وهم من يسيء له أكثر مما يعمل ويعدّ له أعداؤه وحاقدوه.
فهلّا أرحتم الدين من شرّكم؟! وهلّا تركتم شريعة الله دون وصاية أو إرث عنه ؟!
فلو تخليتم عن ذلك لانتصر الإسلام وابيضت صورته في وجه أعدائه، أكثر مما تعتقدون أنك توصلونه لهم.!
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية