أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

المتصوفة الأدعياء وأثرهم في بطح الشعوب ... جعفر الوردي


لا مشاقة في الاصطلاع، ولا ضير في المسميات، فأيّا كانت معنى كلمة التصوف أو وقتها ‏وتسميتها، فالحكم على الشيء هو حكم على أصله، لا على اسمه وكنيته.‏
في الأصل منهج التصوف أسماه ابن تيمية رحمه الله بالسلوك، ويُعرَف عند المتقدمين بالسير ‏إلى الله وتطهير القلوب من الاعتماد والتوكل على غيره.‏
فمعناه في الأصل نبيل عظيم شريف، إلا أن أدعياء التدين، وأصحاب الشهوات يمتطون أيّ ‏مذهب أو منهج لتبرير شبهاتهم، وتمرير خرافاتهم على حساب منهج وعلماءَ بل ودين كامل.‏
شاع مؤخرا أن منسوبي ذلك المنهج ناصروا الطغاة ووقفوا مع الظلمة الفسقة، ضد شعب مسلم ‏أعزل، وهذا لا يرتضيه إنسان عاقل فضلا عن كون دينه ينهاه عن ذلك.‏
بيد أن الكثير من أهل التصوف أصحاب العلم والمعرفة، كانوا أول من ثار على الطغاة ‏والمستبدين ودعوا لقتالهم وتخليص العباد من شرورهم.‏
لكن أولئك المتطفلين على الدين، تعللوا بالآثار والأحاديث ووجهوها على ما يدعم مصالحهم ‏الشخصية وينصر شهوات نفوسهم في التصدر والرياسة.‏
فبحجة أن ليس للعالِم مكان في السياسة ولا التدخل في شؤون الحكم، ضلَّ العبادُ، واضطُهدوا، ‏وعاشوا التنكيل والويلات من جراء هذا الاعتقاد السقيم.‏
مروّجوا هذه الأفكار إما أصحاب مناصب أو أتباع أو جاهة، فهم في ذلك أخوف منهم على دين ‏الله وعلى مصالح العباد، فأن يبقى عَلَمًا يشار إليه بالبنان، ويوضع في صدر المجالس، ويُقدّم ‏في المحافل، أحبّ إليه من أن ينكر على طاغية ويرد ظلمه ويبين إجرامه.‏
ولعل المسلمون يعون بعد عقود مريرة من زمن الاختلاف والشقاق، أن الأسماء لا اعتبار لها ‏مقابل الدين الذي يوحد الجميع، والكل مأمور بأن يدخل فيه ولا يختلف عليه (يا أيها الذين آمنوا ‏أدخلوا في السلم كافة) لا أدعوا وأدخلوا في مسميات جعلتموها دون الله ودون شريعته السمحاء، ‏فكل سلفي يبرئ منهجه ومشايخه أكثر مما يبرئ الإسلام، وكل متصوف كذلك يفعل، وهكذا، ‏وراحت الأمة وذهبت هيبتها ..! والكل مشغول بتلميع مشايخه وتبين كفر وضلال الآخرين..!‏
متى نعي أن الحق واحد عند الله لا نعلمه نحن؟ إلا القرآن والنبي الكريم، وما نتج عنه فهم ‏الصحابة ومن بعدهم ومن ورثهم هو اجتهاد يحسبون أنه الحق فيتبعونه ويتعبدون الله به.‏
ويحق لك أن تعتقد أن الذي وصل إليه فهمك واجتهادك من اتباع هو الحق، لكن لا يحق لك ‏البتة أن تعتقد أن غيرك خارج عن نطاق الإسلام، وضال مضل فاسد؛ فأنت بذلك تتألّى على ‏الله وتقوّله.‏
أولئك المتصوفة المثبطون، وأولئك المتسلفة الطائفيون، هم من يضع من الإسلام، وهم من يسيء ‏له أكثر مما يعمل ويعدّ له أعداؤه وحاقدوه.‏
فهلّا أرحتم الدين من شرّكم؟! وهلّا تركتم شريعة الله دون وصاية أو إرث عنه ؟!‏
فلو تخليتم عن ذلك لانتصر الإسلام وابيضت صورته في وجه أعدائه، أكثر مما تعتقدون أنك ‏توصلونه لهم.!‏

(113)    هل أعجبتك المقالة (107)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي