أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

على سيرة بثينة شعبان

باعتبار أن بثينة شعبان على كل لسان هذه الأيام، فقد رأيت عرض مساهمتي المتواضعة في الموضوع، والتي هي عبارة عن قصة حقيقية حصلت بيني وبينها: 

رن هاتفي ذات يوم وكان الطالب موظفة من وزارة المغتربين، قالت أن الدكتورة بثينة، "وكانت وزيرة المغتربين آنذاك" ترغب برؤيتي لأمر هام، وحددت لي موعدا.

كنت على الموعد في مكتبها في وزارة المغتربين، كان برفقتها بضعة أشخاص فهمت أنهم لجنة عليا مسؤولة عن مؤسسة القدس الفلسطينينة على ما أذكر، وأنهم يريدون تعيين مدير عام سوري لتلك المؤسسة، وقد تمت تزكيتي لهذا المنصب من قبل غرفة صناعة دمشق.

لم أقبل بالمنصب بسبب عملي الجيد آنذاك، لكن حصل نقاش بيني وبينهم حول القضايا الإدارية، استمعت إليه بثينة باهتمام، وقالت أنها تريد التحدث إلي على انفراد بعد رحيل الضيوف وطلبت مني الانتظار.. 
قالت أنها أعجبت بأفكاري وطروحاتي الإدارية التي تدل على العلم والخبرة، وتريدني أن أكون ضمن لجنة يشكلونها في رئاسة الوزراء مهمتها دراسة إمكانيات إصلاح وتطوير مؤسسات القطاع العام في سوريا، ويهمهم ضم كفاءات إدارية من القطاع الخاص إلى هذه اللجنة، وأنها وجدتني مناسبا تماما لهذه المهمة..
قلت لها أنني مستعد لتقديم الغالي والرخيص من أجل بلدي، وبدون أي مقابل، لكن العمل على إصلاح القطاع العام بهذه الطريقة غير مجدي، وهو مضيعة للجهد والوقت والمال، ولا يمكن لألف خبير مثلي أن يغيروا قيد شعرة فيه...

قالت لي بالحرف الواحد: أف.. ليش متشائم هالقد أستاذ نادر؟ فقلت لها: هل تعذرين صراحتي وطريقتي المباشرة في الحديث؟ فقالت: بالعكس، أنا أحب الصراحة وأتمنى أن تقول كل ما تريد بدون تردد، فذكرتُ لها مجموعة من الأسباب التي تكبل القطاع العام وتجعله غير قابل للإصلاح، ومنها سياسة التعيين الاجتماعي حيث يتم تحميل مؤسسات القطاع العام أضعاف ما تحتمله وتحتاجه من الموظفين، وسياسة الرواتب والأجور التي لا تسمح للعاملين بالحصول على الحد الأدنى لمعيشتهم، والتي تساوي من جانب آخر بين من يعمل ومن لا يعمل..، وطريقة تعيين المدراء التي تقوم على معايير الولاء والمحسوبيات والرضى الأمني دون الاهتمام بمعايير الكفاءة والمقدرة..، ومنها أن القطاع العام بوضعه الحالي هو أشبه ببقرة حلابة يستغلها المسؤولون والمتنفذون وضباط المخابرات، ولن يسمح هؤلاء بتغيير هذا الواقع... وعلينا، إذا أردنا إصلاح هذا القطاع، أن نبدأ بهذه الأمور أولا وإلا فلا فائدة من أي جهد آخر، وسألتها إن كان بإمكانها تعيين مدير كفؤ ومناسب دون المرور عبر الأجهزة الأمنية، قالت لا بد من دراسة أمنية، ولا يمكن التعيين دون الموافقة الأمنية، وهذا ضروري لكي لا يتسلل إلى القطاع العام لصوص ومخربون... فقلت لها أن أجهزة الأمن آخر همها اللصوص والمخربين، وأنت ترين أن اللصوص والمخربين يملؤون القطاع العام، وما يهم المخابرات في الحقيقة هو الولاء والاتجاه السياسي، ولا بأس عندها من تنصيب الموالين وإن كانوا أقل الناس كفاءة، وإبعاد غير الموالين مهما علت كفاءاتهم، ولو أدى ذلك إلى تدمير كل مؤسسات القطاع العام..

وأنهيت حديثي بالقول أن إصلاح القطاع العام ليس عملا إداريا أو ماليا أو اقتصاديا حتى نقول أن بإمكاننا التصدي له، إنه عمل سياسي بالدرجة الأولى، وبدون قرار سياسي وإرادة سياسية لإصلاحه سيكون كل جهد في هذا الاتجاه محكوم بالفشل الذريع، وهذا بالضبط ما ينتظر لجنتكم.

تنهدت بطريقة توحي أنها تؤيد كلامي دون أن تصرح بذلك، واكتفت بالقول أن الأمور صعبة ومعقدة، لكنها تعتقد أن هناك هامشا معقولا يمكن العمل عليه.. وأبدت إعجابها برؤيتي وتحليلي للأمور وبشجاعتي اللافتة في قول ما لا يجرؤ أحد على قوله، خاصة وأننا لا نعرف بعضنا ولم نلتق سابقا.. 
اعتذرت عن اللجنة، لكن اتفقنا أن أقدم لها دراسة توضح رؤيتي ووجهة نظري في إصلاح القطاع العام، ووعدتني أن تكون الدراسة موضع اهتمامهم الجاد، وطلبت مني أن أذكر كل شيء يخطر ببالي دون تردد، فقلت لها أنني لن أتردد لأني لا أخاف من أحد، ولا أعتقد أن أحدا سيزعجني طالما أن الدراسة ستبقى بين يدي مجلس الوزراء حصرا...

بذلت جهودا كبيرة على مدى عشرة أيام، لتكون دراسة علمية موضوعية دقيقة عن مشاكل القطاع العام وطرق إصلاحه، وقد ضمنتها كل آرائي وأفكاري دون تردد، لكن حرصت على الابتعاد عن العبارات الاستفزاية القاسية، وإيجاد الصياغات المناسبة للمسائل الحساسة.. ثم أرسلتها بمغلف مختوم إلى مكتبها مع أحد السائقين، فاتصلت بي نفس السيدة بعد بضعة ساعات، ونقلت لي شكر وتقدير السيدة الوزيرة..

بعد بضعة أيام جاءني اتصال من أحد ضباط المخابرات، وكنت على معرفة جيدة به بحكم العمل، وقال أنه يريد رؤيتي في مكتبه بالفرع بأسرع وقت، وكانت طريقته في الكلام تخلو من اللباقة التي اعتدتها في حديثه معي..

كنت في مكتبه بعد ساعتين كانتا كافيتين لاستعراض عشرات القصص والتفاصيل والسيناريوهات التي يمكن أن تكون سببا في هذا الطلب المفاجئ والغريب من ضابط في الأمن يفترض أنه يكن لي الود والاحترام كما يقول.. ومنها قصص خطيرة ومؤذية كنت أخشى فعلا أن تكون سببا في الطلب..

فور دخولي وقعت عيني على الدراسة التي كنت قد أرسلتها للدكتورة بثينة، وكانت ملقاة أمامه على الطاولة، فعرفت قصة هذا الاستدعاء، وتنفست الصعداء لأنها لم تكن قصة أخرى..

أمسك بالدراسة ولوح بها بعصبية وانزعاج، وبادرني بالقول: شو نادر أنت جنيت...

استغرقت المقابلة أزيد من ثلاث ساعات عبر فيها الضابط عن أسفه واستغرابه من تصرفي الأرعن غير المحسوب، والذي لا يتناسب مع علمي ومركزي، والذي لم أراع فيه أسرتي وأولادي .. وبين لي خطورة ما كتبت في الدراسة خاصة لجهة السيطرة الأمنية على مقدرات القطاع العام، وأن هذا الكلام كفيل بتغييبي في السجون لسنوات، ومرر خلال الحديث دروسا في الوطنية ومقتضيات الصمود والتصدي التي تستدعي قيامهم بأشياء كثيرة لا يفهمها الناس ولا يحبونها.. وكرر على مسامعي أنه لولا رضى الله ورضى الوالدين عني لذهب ملفي إلى ضابط آخر، واتخذ التحقيق شكلا آخر، وكان مصيري شيء آخر... 

خلال ساعات التحقيق الثلاث، ولوقت طويل بعدها لم تبارح صورة بثينة شعبان مخيلتي، ولم تبارح كلماتها ذاكرتي.. 

كيف يمكن لشخص بهذا الموقع أن يتصرف بهذه الحقارة؟ إنه نظام الأسد...

من كتاب "زمان الوصل"
(147)    هل أعجبتك المقالة (126)

واحد سوري

2014-01-31

معك كل الحق ياسيد نادر. اللصوص في كل منصب في القطاع العام. الله ستر وهربنا على بلاد أجنبيه هرباً من أن نشارك عبد القادر قدوره وسليم ياسين والطرابلسي وعزيز خليفه وبقية المزعبرين في نهب القطاع العام.


r j

2014-01-31

لعمى شو انها وحدة حقيرة و سافلة.


m.ja3lofdal

2014-01-31

ما في شي جديد - هيك حكموا البلد.


نادر جبلي

2014-02-01

لا يا عزيزي، لا أتفق معك مطلقا، "ومو كل العلوية هيك" علينا التخلص من هذه اللغة الطائفية وهذه الطريقة في التفكير لأنها ظالمة وغير صحيحة أولا، ولأنها أكثر أذية وخطورة على حياتنا ومستقبل أولادنا من أي شيء آخر ثانيا ولأن فيها دعم غير مباشر وخلاص للنظام ثالثا. هناك من الطائفة العلوية من هو أكثر وطنية ونزاهة مني ومنك، والصراع الطائفي إذا استكم كفيل بتدمير أعتى الدول. معيارنا في الحكم هو الإجرام ودعم المجرم والعداء للثورة.. كائنا من كان الفاعل. صدقني يا عزيزي أننا باندفاعنا وراء الفتنة الطائفية إنما ندمر بلدنا بأيدينا ونفعل ما يريد لنا النظام أن نفعله.... مع احترامي.


محمد السوري

2014-02-01

الشكر الجزيل للأستاذ نادر على نشر هذه الواقعة . أشجع كل من خاض مثل هكذا تجارب مع النظام الأسدي المجرم أن ينشر تجاربه . صحيح أننا نحن السوريون نعرفهم جيدا , لكن الهدف تعريتهم أمم الجميع في الخارج حتى ينكشف للعالم مدى وضاعتهم وانحطاطهم رغم ما يحملونه من أعلى الدرجات العلمية , وأن ما كان يحكمنا خلال نصف قرن وما زال مع اليقين أنه إلى زوال بإذن الله هي شرذمة وضيعة من الأجهزة الأمنية التي تتحكم في سوريا على هواها . أكرر شكري للأستاذ نادر على أسلوبه الرائع في الطرح ..


Sisar

2014-02-01

هي رمز الإفساد في سورية ،انت جاي تبيع ماي في حرة السقايين،.


أبو عمر

2014-02-01

لا جديد... كل الطائفة تكن الكره للمسلمين، وهذا أمر عادي. الذي يقوم به هؤلاء النصيريين لعنة الله عليهم هو أمر عقائدي والمسألة ليست مسألة سياسية بحتة، بل مسألة عقائدية وهي قتل المسلمين بالنيابة عن إسرائيل، وإلا لما بادرونا بالقتل. هذه الطائفة ليس لها إلا حل واحد. الإرسال إلى القبور. وسيكون ذلك بإذن الله تعالى.


التعليقات (7)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي