على باب القصر العدلي في دمشق، خرج محمد بثيابه الرثة، حافي القدمين، والبثور تملأ وجهه ويديه، لفتني صغر سنه، اقتربت منه وهنأته بالسلامة، كان يتساءل أين أنا الآن؟.
تذكرت محمد وابتسامته الهادئة، وأنا أستمع إلى نائب وزير الخارجية في حكومة النظام فيصل المقداد، وادعاءاته بعدم وجود أطفالٍ معتقلين في سجون الأسد.
وبعيداً عن أرقام المنظمات الدولية وشبكات حقوق الإنسان، التي تتحدث أحياناً عن أرقامٍ مرعبة للأطفال المعتقلين، ومنها من يؤكد وجود حوالي 20 ألف طفلٍ معتقل في سجون النظام "وفق تقديرات الشبكة السورية لحقوق الإنسان"، وبمعزل عن شهادات الناشطين والمعتقلين السابقين وتوثيق الحقوقيين، سأنقل ما رأيته بأم العين على باب القصر العدلي في دمشق.
محمد لم يتجاوز بعد الستة عشر عاماً، اعتقل مع والده من مدينة حلفايا في حماه، قبل أربعة أشهرٍ من إطلاق سراحه، كان تائهاً لا يدري إلى أين سيذهب، حاولت أن أفهم منه كيف اعتقل، شرح أنه اعتقل مع والده على خلفية إحدى المظاهرات التي كانت تخرج في ذلك الوقت، حيث قامت قوات الأمن بحملة مداهمة واعتقلت جميع الذكور في المنطقة من رجالٍ وأطفال.
سألني الطفل عن والده، طلبت منه الانتظار لمراجعة قائمة ديوان المحكمة وإذا ما كان تم تحويل والده، لكن محاولاتي باءت بالفشل، وعبثاً حاولت البحث عن الاسم في قوائم الأسبوع السابق، أخبرني أنه ووالده كانوا في نفس المكان "في فرع أمن الدولة" وتم تفريقهم قبل بضعة أسابيع.
كان من الصعب الاتصال على رقم هاتفه في حماه بسبب انقطاع الاتصالات، لكن أين يمكن لهذا الطفل أن يذهب وهو لا يملك أي شيء في مدينةٍ لم يأت يوماً إلى زيارتها؟.
لكن محمد استطاع أخيراً تذكر رقم هاتف قريبته في مخيم الوافدين "الواقع على طريق عدرا ودوما"، وكان الطريق إلى هناك شديد الخطورة، لم نجد طريقةً لإيصال الشاب إلى هناك، حتى تبرع أحد الأشخاص الذي كان ينتظر بشكلٍ يومي تحويل ابنه إلى المحكمة، بإيصاله لأقربائه.
حكاية محمد ليست يتيمة، فهناك آلاف الأطفال يعيشون تجربة الاعتقال، منذ ثمانينات القرن الماضي وإلى اليوم، وإن استطاعوا الصمود والبقاء على قيد الحياة، فإن الصدفة وحدها هي التي يمكن أن تنقذهم من الضياع والتشرد، فمعظم المعتقلين من الأطفال ربما لن يجدوا لهم بيتاً أو أهلاً يعودون إليهم.
زينة الشوفي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية