ما قبل بدء المفاوضات ليس كما بعده، ثمة فارق كبير علينا كمعارضة التقاطه وإدراك ابعاده.
قبل بدء المفاوضات كانت لكل منا رؤيته الخاصة بجنيف ومسار الحل السياسي.. تراوحت بين رفضه بالمطلق وتخوين رواده، وبين قبوله بدون شروط، وما بينهما ممن أرادوا جنيف بشروط صارمة أو ممن أرادوه بشروط أقل صرامة..
كذلك الأمر بشأن تشكيل الوفد المفاوض، فالاختلاف كان واسعا أيضا حول تشكيله ووحدته وأحقية القوى في القيادة والتمثيل.. وكان التجاذب بين الائتلاف الوطني وهيئة التنسيق أبرز ما فيه...
لكن ما أراه الآن، وبعد انطلاق قطار جنيف، أنه يجدر بنا جميعا، كقوى معارضة، إعادة النظر بمواقفنا وحساباتنا وبلورة مواقف وطنية جديدة تتناسب مع الاستحقاق الجديد ويكون معيارها الرئيس مصلحة سوريا والشعب السوري، وأرى أن الموقف المطلوب الآن من قبل جميع قوى المعارضة الوطنية، على اختلافها وتنوعها وتضارب مواقفها..المؤيد منها لجنيف والمعارض له والمشترط والحذر والشكاك.. هو وقف المهاترات والصراعات والحروب الكلامية، ودعم المفاوضات والالتفاف حول الوفد المفاوض، والعمل المخلص لإنجاح جهوده لتحقيق ما أمكن من مكاسب لمصلحة هذا الشعب الذي أصبح منهكا إلى الحد الأقصى.
لست عضوا في الائتلاف، ولم أكن من أنصار الذهاب إلى جنيف بدون شروط مسبقة، أو بدون مشاركة الجميع وتوحيد الصف والتحضير الجيد.. وقد كتبت ذلك في أكثر من مقالة وقلته في أكثر من مقابلة.. لكنني أرى الآن، وبعد أن حصل ما حصل وأقلعت المفاوضات، أن كل عمل أو قول أو سلوك يؤدي إلى النيل من الفريق المفاوض وإضعافه إنما هو عمل سيء يضر بالمصلحة الوطنية وبمصلحة السوريين قبل أن يضر بمصلحة الإئتلاف والمفاوضين.. والعكس صحيح، فكلما ازداد دعم المفاوضين وتعزيز مواقفهم كلما قويت شوكتهم تجاه الغير، وتحسن موقعهم وتحسنت نظرة الآخرين لهم وبالتالي تحسن أداؤهم.
مصلحة السوريين الآن تكمن في استغلال هذه الفرصة الدولية المتاحة، والتي قد تكون الأخيرة، وفي إنجاح هذه المفاوضات وتحقيق ما أمكن من مكاسب تضع حدا لبؤس الناس، وتفتح الطريق أمام التغيير الذي طالما حلموا به.
النيل من الائتلاف الآن وإضعافه، لا يفترض أن يكون أولوية أحد، وهو ليس مكسبا لأحد، إنما هو ضرر خالص على الشعب السوري ومصلحة خالصة لأعدائه.. إنه الآن وفي خضم المفاوضات، أولوية الصغار ضيقي الأفق قصيري النظر..
وللاسف، فإن مراقبة المواقف السياسية الآن تثبت أن المعارضة السورية تشبه النظام الذي تعارضه في جوانب عديدة، منها وعلى راسها أنها غير قابلة للإصلاح ولا أمل في شفائها..
هيثم مناع في لقائه على فرانس 24 منذ يومين كان حريصا قبل اي شيء آخر على إظهار هشاشة الإئتلاف وضعف تمثيله وفقدان الفريق المفاوض لأي من مقومات النجاح من مهارات وكفاءات وخبرات.. لا يكلف السيد مناع نفسه عناء الإجابة عن سؤال رئيس: ما الفائدة من هذا الكلام ومن المستفيد؟ لا يهم.. المهم تصغير الآخرين وبهدلتهم وإفشالهم طالما أنه لم يحظ بدور البطولة.. وهيثم مناع نموذج عن الكثيرين..
وماذا نقول عن أعضاء الإئتلاف المنسحبين قبيل المشاركة في جنيف بسبب عدم فوزهم في انتخابات الائتلاف؟ وماذا نقول عن موقف المجلس الوطني الذي أعلن انسحابه من الائتلاف بذريعة المشاركة في جنيف؟.. لا شك في أنها مواقف بالغة السوء والضرر، وهي إن دلت على شيء فإنما تدل على خفة أصحابها وقصر نظرهم وبعدهم عن السياسة..
لو كان هؤلاء سياسيون لأدركوا من خلال تحليلهم للواقع وفهمهم لموازين ومعادلات القوة، أن جنيف، على عيبه، ورغم كل ما رافقه وما يكتنفه من غموض وأخطاء ومظاهر مريبة، هو فرصة كبرى يجب القبض عليها بكل قوة، وحشد كل الجهود لإنجاحها، لأكثر من سبب، أولها عدم وجود خيارات أخرى، فلا التدخل الخارجي وارد ولا الحسم العسكري متاح، وثانيها أن المعارضة بشقيها السياسي والمسلح أضعف من أن تحدث فرقا على المدى المنظور، وثالثها أن أوضاع البلد وأهله أصبحت لا تحتمل.. وضياع هذه الفرصة قد يدخل البلد في نفق من الحروب الأهلية والطائفية، وقد يحوله إلى دولة أو دويلات فاشلة..
ولو كانوا سياسيين لتعاطوا مع الأمر الواقع بمرونة وحنكة، فجنيف بدا، وأصبحت المصلحة الوطنية، التي يدَعيها الجميع، تقتضي أن نخرج من جنيف بأكبر قدر ممكن من الفائدة لشعبنا، وهذا بالتأكيد لن يكون بإضعاف المفاوضين والنيل من شرعيتهم..
دعونا نتصرف مرة واحدة بمسؤولية وذكاء وبعد نظر.. دعونا نتخلى مرة واحدة عن أنانيتنا وعقدنا وطريقتنا في التفكير.. دعونا نكبر مرة واحدة ونعض على جراحنا من أجل وطن جريح نازف، وشعب متعب مشرد جائع.. دعونا مرة واحدة نتصرف كسياسيين وكرجال دولة لا شيء يعلو على مصلحة وطنهم وأهلهم..
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية