انسحاب المجلس الوطني السوري رؤية تحليلية... رعد اللاذقاني

أصدر المجلس الوطني السوري مساء الاثنين 20 كانون الثاني 2014 بياناً يعلن فيه انسحابه من الائتلاف بجميع هيئاته، وعدم بقاء أي علاقة للمجلس بهذا التكتل أو استمرار أي تمثيل فيه، وأضاف بأن مشاركة الائتلاف في مؤتمر جنيف2 أخلّ بوثيقة التأسيس وبالتزاماته السابقة.

يأتي هذا بعد انسحاب 44 عضواً من الائتلاف في 6/ كانون الثاني- يناير أي قبل أسبوعين من إعلان المجلس، الذي أعلن في وقت سابق عزمه على الانسحاب من الائتلاف إذا ما صوّت الأخير لصالح الذهاب إلى جنيف2.

وحيث إن هذه الخطوة، على الأرجح، لا تقل تأثيراً في شكلها العام، ومقاربتها القانونية، عن انسحاب الأعضاء الــ 44 في الائتلاف ومنهم 5 من أعضاء المجلس الوطني، ولأن 24 ممثلاً عن المجلس هم أعضاء في الائتلاف بقي منهم 19 لا يزالون كذلك حتى إعلان انسحاب المجلس. وكون خلافات داخلية وانقسامات كثيرة في صفوفه تجعل من الصورة أكثر ضبابية، خصوصاً مع وجود كتلة الإخوان المسلمين التي تكتسحه ولا يعبأ ممثلوها بقرار الجماعة رفض جنيف2. فإننا نسعى في هذا التحليل المختصر إلى تبيان حيثيات الخطوة، وربطها بالأحداث والمواقف السياسية داخل المعارضة السورية، وبالتحركات الدولية والإقليمية المتسارعة، ووصلها بشكل أو بآخر باستحقاق جنيف الذي صوت عليه 58 عضواً في الائتلاف من أصل 121.
فما هي تداعيات هذه الخطوة؟

يضم الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية 121 عضواً من بينهم 9 كتل يمثلها 44 عضواً قاطعت اجتماعات الهيئة العامة بعد الانتخابات الأخيرة لأسباب تتعلق بسياسات كارثية اتبعتها قيادة الائتلاف على مدى الأشهر الستة الماضية بالانفصام عن الثورة، والانفصال عن الواقع في الداخل، وضعف التمثيل وكبت صوت القوى العسكرية، وتراجع الأداء السياسي والخضوع للإملاءات الخارجية...الخ، كما يقول المنسحبون.

وتجاوز رئيس الهيئة القانونية "عميد المحامين السوريين" قرار اللجنة القانونية، بإقراره التصويت على قرار الذهاب إلى جنيف2 وسط هذه الغيابات، بحسب ما ورد في محضر اجتماع اللجنة القانونية المتعلق بالموضوع، مما أدى للتصويت قبولاً بنسبة تقل عن 50% من عدد أعضاء الهيئة العامة، في الوقت الذي شاركت فيه كتلة المجلس الوطني السوري، وانقسمت فيما بينها على قرار التصويت، وكذلك حصل مع بقية الكتل.

وكان قرار التصويت على جنيف لحظة الحسم النهائية أمام المجلس الوطني، ليبقي على مصداقيته أمام الشارع السوري، وفي نظر بقية قوى المعارضة بعد تعهده بالانسحاب في حال صوت الائتلاف على الذهاب إلى جنيف.

وفي عودة إلى الماضي القريب، كان المجلس الوطني السوري كتلة معطلة في الائتلاف، يستطيع -في حال استطاع ضبط صفوفه وإلزام ممثليه- إنجاح أو إفشال أي مشروع قرار. وعندما جرت توسعة الائتلاف الأخيرة ودخول الكتلة الديموقراطية إلى جانب مجموعة من الكتل التي تمثل الحراك الثوري وهيئة الأركان، تراجع دور المجلس الوطني، وتعززت الانقسامات في صفوفه، وبدأت حالة الاستقطاب داخله.

تجتمع كتل (إعلان دمشق، الحراك الثوري، التيار الوطني السوري، الإخوان المسلمون، وبعض المستقلين) في تشكيل المجلس الوطني، وتتعدد حالات الانقسام بدءاً من شكله العام، وخطابه الرسمي، وحتى صناعة القرار في داخله، ووحدة الكلمة بين كتله. كما تتشكل استقطابات في داخل الكتل المؤسسة له، لتعزز انقسامات من نوع آخر، ستبدأ ملامحها بالظهور مع إعلان المجلس انسحابه الكامل من الائتلاف الوطني السوري وجميع هيئاته.

أسباب الانسحاب:
للمجلس الوطني السوري أسباب معلنة للانسحاب بشكله الرسمي القانوني، ويبرز جنيف2 كأهم هذه الأسباب في المرحلة الراهنة، وما يؤكد ذلك هو تفسير قرار الأمانة العامة الأخير بالانسحاب من الائتلاف في حال التصويت على الذهاب.
كما أن له أسباباً غير معلنة، ويبرز منها السعي لإعادة مجد المجلس ومصداقيته أمام الشارع الثوري، ووقوفه مع الثوار في جميع الظروف والأحوال ومهما كانت النتائج. لكن تحقيق هذا الأمر يظل مهمةً صعبة في ظل الاكتساح الكبير للمجلس من قبل جماعة الإخوان المسلمين المتواجدة فيه تحت عناوين مختلفة، بينما يحاول "إعلان دمشق" مالك أدوات صناعة القرار في الأمانة العامة الحالي بالتحالف مع التيار الوطني والحراك الثوري قطع الطرق أمام الجماعة، لكن الانسجام ليس كبيراً أيضاً بين هذه المكونات نفسها، الأمر الذي يسمح للجماعة بإضعافها جميعاً.

إضافةً إلى هذا، يعزو السيد محمد سليم الخطيب، عضو الائتلاف المنسحب مؤخراً، قرار انسحاب المجلس إلى رغبة بعض أفراد كتلة إعلان دمشق سحب الشرعية عن أي قرار يصدر عن جنيف2 لسوء الوفد المفاوض، وعدم قابليته لهكذا نوع من الاستحقاقات السياسية، وانعدام قدرته على الفعل السياسي والتأثير على الأرض. وأضاف إلى ذلك سبباً آخر يتعلق بنأي الإخوان بنفسهم عن توجهات المجلس المعلنة واتخاذهم مواقف فردية تتعلق بحسابات مصالح مشتركة مع الكتلة الديموقراطية ومن والاها بعد التقارب الكبير بينهم.
المقاربة القانونية:

إن انسحاب المجلس الوطني بحسب الدكتور حسين السيد عضو اللجنة القانونية للائتلاف والمنسحب مؤخراً، والسيد أحمد كامل عضو المكتب الإعلامي في المجلس الوطني السوري؛ يعني انسحاب جميع أعضاء المجلس تلقائياً، بسبب دخول ممثلي المجلس ككتلة واحدة إلى الائتلاف وليس كأفراد، ولأن دخولهم كان بتوقيع من رئيس المجلس السيد جورج صبرة وليس بتواقيع فردية.

ولكن أحمد رمضان عضو الأمانة العامة في المجلس يقول بأن قرار الانسحاب جاء بمبادرة فردية من السيد جورج صبرة بدون الرجوع إلى الهيئة العامة، وهو أمر غير دقيق، لأن الأمانة العامة في المجلس والتي تبلغ مشاركة كتلة الحراك الثوري فيها نسبة تمثيل أكثر من النصف؛ صوتت بأغلبية على الانسحاب من الائتلاف في حال صوت على الذهاب إلى جنيف.

وهناك مقاربة تقول بأن قرار جورج صبرة غير قانوني لأنه وقع القرار بعد انتهاء ولاية الأمانة العامة، وهو أمر لايبدو صحيحاً لأن تصويت الأمانة العامة على الانسحاب في شهر تشرين الأول أكتوبر 2013 جاء في فترة ولايتها القانونية.

مقاربة الحالة المستقبلية:
إن انسحاب المجلس الوطني يعني انسحاب جميع أعضائه تلقائياً، هذا في الحالة القانونية السليمة، لكن هذا الأمر لن يعبأ له، خصوصاً مع تواتر مخالفة النظام الداخلي للائتلاف، فخسارة أعضاء المجلس بالنسبة للفئة التي تستلم زمام صناعة القرار بالائتلاف تعني الخسارة الثالثة لمشروعية قرارات وتوجهات ومواقف وسياسات الائتلاف -بما أنها تلي انسحاب الأعضاء الــ 44- ، بعد خسارة الشرعية الثورية.

كما أن انسحاب المجلس الوطني السوري في ضوء المعطيات السابقة، يعني بقاء هيثم المالح وحيداً في اللجنة القانونية للائتلاف.

ويرجح أحد أعضاء الأمانة العامة للمجلس الوطني حدوث الانقسام في صفوفه، لأن كثيراً من أعضائه لن يلتزموا بقرار الأمانة وسيبقون أعضاء في الائتلاف بعد تلاعب قانوني يقول بعض الأعضاء إنه أصبح النهج الغالب على عمل رئاسة اللجنة القانونية.

وما هو مؤكد، بغض النظر عن حدوث الانقسام أو عدمه، هو أن المجلس الوطني بات خارج الائتلاف، ولكن سؤالاً قانونياً يطرح، هل انسحب أم استقال، أم جمد، أم حالة من نوع آخر، كخروج المجلس نهائياً من الائتلاف، فمن الواضح أن المجلس اتخذ موقفاً أكثر تصلباً من مجموعة الــ 44 في هذا الشأن، بقطعه أي صله له بالائتلاف، وخروجه نهائياً عنه، وعن جميع هيئاته، كما جاء في بيانه.

وإذا بقي المجلس كجسد سياسي قائم، وهو أمر يبدو صعباً في المرحلة الراهنة، فإن هناك أربع سيناريوهات محتملة لا يمكن الخوض بتفاصيلها حتى تستجد الأمور وتتوضح بشكل أكبر:
1. بقاء المجلس وحيداً منفرداً في سياساته، وله صفة شرفية أكسبته إياها الثورة السورية بعد نشوئه في النصف الثاني من عام 2011.
2. تلاقي المجلس مع مجموعة الــ 44 وبدء التنسيق لتشكيل كيان موحد يقف ورقة ضغط في وجه الائتلاف.
3. تلاقي المجلس مع بعض الكتل العسكرية ومجموعة الـ44 لتشكيل كيان جديد بتنسيق متبادل وتشاور دائم.
4. بقاء المجلس كجسد، وتنسيقه مع كتلة الــ44، والكتائب العسكرية، دون تشكيل كيان سياسي جديد.

أما إن انقسم المجلس على نفسه، فإن السيناريو المحتمل هو التالي:
1. انضمام أعضاء في المجلس مع كتلة الـ44 والاندماج فيها بشكل أو بآخر، وربما تشكيل كيان سياسي جديد فيما بعد بالتنسيق مع قوى الثورة، وبقاء أعضاء آخرين في صف القيادة المتحكمة في الائتلاف بعد التلاعب القانوني، وانعزال أعضاء عن العمل السياسي.
ولكن يبقى كل ما سبق رهناً بالمستجدات السياسية على الساحة السورية من ناحية، وبالمعطيات الدولية ونتائج مباحثات الجولة الأولى في جنيف2 من ناحية ثانية.

(129)    هل أعجبتك المقالة (133)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي