أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

نظام الاسد والحل السياسي ... معن فهد طلاع


إن معرفة الآلية التي يوظفها النظام السوري للتعامل مع جميع الرؤى السياسية المطروحة لحل الأزمة تحيلنا إلى معرفة ثلاثة أمور؛ أولها: ماهية النظام وضرورة تفكيك بنيته التي شكلت بمجموعها استمراراً لبقائه وثانيها: قابليته للإصلاح والتغيير، وثالثها: محددات تعامله مع المبادرات السياسية المطروحة لحل "الأزمة السورية".
يمكن وصف بنية النظام السوري بأنها بنية سياسية- عسكرية- أمنية- شمولية، تستند إلى تحالفات أقلوية (طائفية- عسكرية) كونها الضامن الأفضل للمحافظة على معادلة توازن الحكم في كيان جمهوري لم يتح للحكم المدني فيه مجالاً للتطور التدريجي والنضج المؤسسي، كما اعتمد على بناء استراتيجية تضمن اختزال الدولة بكليتها في النظام من خلال عدة سياسات انطلاقاً من العمل على تبعية الجيش المطلقة له والهيمنة الأمنية الكاملة على الدولة، مروراً بنشر ثقافة الحزب الحاكم، وصولاً إلى إحكام السيطرة على السلطات الثلاث وانتهاء بتهميش المجتمع السوري وقواه المدنية.
وقد قادت هذه الاستراتيجية إلى أن يتحول المجتمع السوري إلى قابع تحت التخطيط السلطوي مستبطناً العمل داخله. وليدرك تماماً أن هذاالنظام عبر سياساته البراغماتية قد طبع علاقاته مع مختلف الفئات للتغلب على مشكلة فقدان الشرعية، وقد غدا نظاماً إقصائياً شاملاً، أنهى كل شكل من أشكال الاجتماع أو الحراك السياسي لأي فعل سياسي تشاركي أو إصلاحي، وهي بنية مضادة للإصلاح؛ فالإصلاح الوحيد الممكن هو تغيير البنية عبر الإنهاء الفعلي لنظام الفكر الأوحد وتطبيع الحياة الاجتماعية والسياسية في اتجاه الاعتراف بقوى سياسية مستقلة وقل كل شيء الانتهاء من مبدأ الحكم الأبدي أو الوراثي والتحول نحو نظام سياسي قائم على الانتخابات الحرة على كل المستويات، من المحلي إلى البرلماني إلى الرئاسي.
ومع تطور وتسارع الأحداث في سوريا اتجه المشهد السياسي والأمني والعسكري السوري نحو التعقيد والتشابك، لذا سارعت بعض الدول والقوى إلى طرح مبادرات للحل أو التسوية وصولاً إلى ما يسمى بجنيف2، وهنا لابد لنا من إدراك ومعرفة محددات اتخاذ القرار السياسي السوري تجاه المبادرات والرؤى السياسية للحل.
ينطلق اتخاذ القرار السياسي بشأن المبادرات السياسية من محددات داخلية وخارجية ودبلوماسية تتداخل فيها الاعتبارات الأمنية والعسكرية ومدى التقدم الميداني أو تراجعه أو عدمه، بالإضافة إلى اعتبارات تخص الفئة الموالية للنظام، فنظام الأسد يتوجب عليه دائماً –في حال موافقته أو عدمها- التركيز على فكرةالحرب الكونية والمؤامرة التي تستهدف عناصر الدولة السورية، مستغلاً الشعور القومي لدى مواليه والعداء لإسرائيل ودول "الإمبريالية الجديدة" على حد وصفه، ويركز على أنه يواجه التطرف وخطره على الأقليات. ورغم ذلك سيبقى ملتزماً بإتاحة الفرص للحلول، كما ينطلق من مكونات اعتقادية تتمثل في تعامل النخبة السياسية في القصر الجمهوري مع الحراك الثوري، والتي تزداد تطرفاً وعنفاً مع استمرار الضغط الدولي والعقوبات الاقتصادية.
أما المحددات الخارجية فتتمثل في: 
ثلاثية (صراع- تلاقي- وحدة) المصالح الإقليمية والدولية.
يراعي صناع القرار في النظام السوري معادلات المصالح الإقليمية والدولية. فهي على صعيد وحدة المصالح؛ يجب أن تبقى هذه ضمن سياق مشترك (الرؤية- الخيارات) مع مصالح حلفاء النظام كـ #روسيا و #إيران، فهي تضمن بذلك لصانع القرار ما يلي:
1- خدمة المصالح الحيوية الروسية سواء في الجيوبولتيك الإقليمي أو في عملية تصحيح العلاقات الاستراتيجية مع الولايات_المتحدة الأمريكية والدول الغربية الأخرى، أو الصفقات التجارية والعسكرية. التي لا يستطيع أي حكم بديل توفير هذه الضمانات لبقاء المصالح واستثمارها.
2- الاستمرار في التأكيد على عدة مصالح إيرانية أهمها:
أ‌- نظام الأسد حليف استراتيجي تاريخي، الأكثر ثباتاً في الشرق_الأوسط على مدى أكثر من ثلاثة عقود ، قدم عدة خدمات جلية للنظام الإيراني بدءاً من الحرب الإيرانية العراقية، وشق الصف في الجامعة العربية، وصولاً إلى إيصال الحرس_الثوري إلى قلب لبنان وتعزيز موقفها هناك عبر دعم حزب الله.
ب‌- تعامل النظام مع التحركات الاجتماعية والثورية الشعبية السورية ستفشل مخططات المعارضة الإيرانية المترقبة للأحداث السورية كالحركة الخضراء مثلاً.
ت‌- بقاء الأسد هو استمرار للمشروع الإقليمي الإيراني المكلف سياسياً ومالياً وأيديولوجياً وطائفياً في المنطقة بأكمله، وفقدان نظام الأسد سيكون له تداعيات عميقة في بنية المشروع الإيراني بالمنطقة.
أما على صعيد صراع المصالح؛ فيجب دائماً التركيز والتذكير والانتباه من المصالح التي تشكل حالةً تفكيكية لبنية النظام – مما سينعكس سلباً على مصالح الحلفاء- كالمصالح التركية وبعض دول الخليج والمصالح الأيديولوجية الغربية. وفي هذا الصدد يعتمد الأسد ثوابت عدة:
1-إظهار النظام التركي كحلقة امتداد لفكر عثماني أكثر تطرفاً، وتحويل حسابات الربح التركية إزاء الربيع العربي إلى خسارة عبر التلويح بالفوضى وتغير التوازنات وخلط الأوراق.
2-المال العربي عامةً والخليجي خاصةً هو مال في خدمة قوى الإسلام السياسي العسكري الفاعلة في المنطقة.
3-إن القيم الإنسانية والحضارية التي تنادي بها الدول الغربية ما هي إلا وسيلة دعائية مكشوفة تستهدف الدور الوظيفي للنظام المتمثل بمقاومة مشاريعهم الاستغلالية بالمنطقة.
تدرك القيادة السورية بأنها تلتقي مع الولايات_المتحدة والدول الغربية و إسرائيل في كثير من المصالح، وعليه ترسم سياساتها وقراراتها مؤكدةً على مخاوف الإدارة الأمريكية من صعود تيارات الإسلام السياسي ، وأنه ليس من مصلحة #الغرب الدخول في حرب ضد سوريا لأسباب تتعلق بالتكلفة ومصادر الطاقة، وأن أمن إسرائيل من أمن النظام السياسي في سوريا.
كما أن هناك عدة محددات خارجية نذكر منها: المتغيرات الإقليمية والدولية المرافقة للأحداث. وصعود قوى وأنظمة سياسية في دول الربيع العربي مترافقة معها حالة من الانقسام الداخلي الفوضى بتلك البلدان. والوضع الجيوسياسي السوري وتأثيره على الحسابات السياسية والعسكرية والأمنية لدول الجوار.
أما المحددات الدبلوماسية فقد اعتمد النظام على دوائره الدبلوماسية في إلغاء مفاعيل وفاعلية الضغوط وبما يؤمن له كسب المزيد من الوقت ليتسنى له تغيير معادلات الصراع لصالحه معتمداً على عدة عوامل وخبرة النظام السياسية التفاوضية .بالإضافة إلى اعتماده على فعالية حلفائه في المحافل الدولية.
وهناك نقطة في غاية الأهمية في هذا السياق تتمثل أنه على الصعيد الدولي الرسمي ما يزال نظام الأسد متماسكاً ومتعاوناً ويمثل لشرعية الدولة.
إن أي إصلاح ولو كان جزئياً "بالمعنى الثوري" هو إنهاء للنظام وكل آلياته وهذا ما يجعله يعتمد مبدأ المراوغة والالتفاف والتغيير الصوري فقط، لأنه يدرك أن الإصلاح المطلوب هو نسف لحكمه. لذا أجد أن أي حل سياسي وحتى ضمن رعاية دولية سيكون لنظام الأسد دور في إقصائه كلياً.

(123)    هل أعجبتك المقالة (121)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي