الجيش الحر يسقط قوس "داعش" من العراق إلى حلب

استغل مقاتلو "الدولة الإسلامية في العراق والشام" التخاذل الدولي في إنقاذ الشعب السوري، وبدؤوا يتدفقون إلى سوريا عبر الحدود التركية التي تبلغ حوالي 800 كيلو متر وكذلك عبر الحدود العراقية التي تصل إلى حوالي 600 كيلومتر، بذريعة الجهاد.
في البداية، احتضن الشعب السوري هؤلاء المقاتلين الأجانب، بسبب إحساسه النفسي بالظلم، وأن العالم ترك السوريين تحت آلة قتل النظام، أضف إلى ذلك كله تدفق المقاتلين الشيعة من حزب الله وألوية أبو الفضل العباس العراقية.. لكن اللعبة انكشفت وسقط القناع، مع ظهور أجندة هذا التنظيم.
أولى سقطات هذا التنظيم، هي ترك جبهات القتال ضد قوات النظام السوري، والانشغال بالسيطرة على المقار الأمنية، إذ سيطر التنظيم في العام 2013 على معظم المناطق التي حررها الجيش الحر في ريف إدلب وحلب، في الوقت الذي كان الثوار يتركون هذه المناطق باعتبارها خالية من قوات النظام والانتقال إلى منطقة أخرى.
ومع اتساع رقعة المناطق المحررة، اتسعت كذلك سيطرة "داعش"، وعمدت على توطيد سيطرتها وبناء جهاز أمني قمعي تدخل في أدق تفاصيل حياة المواطن السوري، ومع نمو هذه السيطرة، حاولت داعش فرض النمط الديني التكفيري –الأمر الذي لم يعتد عليه السوريون في تاريخهم-. وكانت هذه السقطة الثانية للتنظيم.
ومع إطالة أمد الحرب في سوريا، حاولت "داعش" توسيع قاعدة المقاتلين، لذا غيرت استرايجيتها في قبول المقاتلين، بعد أن أصبح الهدف هو جلب أكبر عدد ممكن من المقاتلين لتظهر أنها القوة الضاربة على الأرض.
ففي البداية كان الدخول إلى هذا التنظيم، يحتاج إلى "تزكية" من شخصيتين قياديتين في التنظيم واختبار ديني قائم على الأفكار التكفيرية، أما بعد أن تحول الهدف إلى تشكيل قوة ضاربة، باتت الدخول إلى هذا التنظيم بدون معايير –ويفسر البعض اختراق المخابرات السورية للتنظيم انطلاقا من هذه النقطة، أما دخول بقية الشبان السوريين إلى ظلام هذا التنظيم يعود لسببين: الأول عامل الإغراء المادي، إذ بلغ الراتب الشهري لكل من ينتسب إلى داعش حوالي ألف دولار شهريا، والثاني تكدس كميات كبيرة من السلاح لدى التنظيم في الوقت الذي يبحث فيه الكثير من السوريين على السلاح لقتال قوات النظام.
تعاظمت قوة "داعش" في سوريا، بعد تحرير الثوار مجتمعين بما فيهم "داعش" لمدينة الرقة من قوات النظام، لتكون المحافظة الأولى التي تتحرر بالكامل من قوات الأسد، ونتيجة لغياب التنظيم وتشتت قوة الجيش الحر والانسحاب المفاجئ للنظام، سيطرت داعش ومعها جبهة النصرة على المدينة .. وهنا بدأت الاستراتيجية الأخيرة في مخطط داعش وهو ربط الشمال بالشرق امتدادا إلى العراق.
تربط مدينة الرقة، الشمال السوري (محافظتي حلب وإدلب المحررتين) بالشرق حيث محافظة دير الزور التي حررها الجيش الحر بنسبة 80 في المائة، ومن هنا تأتي أهمية الرقة بالنسبة لطموحات داعش. فبعد أن تمكنت في حلب وإدلب، سعت لربط الشمال بالشرق للتواصل مع الحدود العراقية، حيث المقر الأساسي لدولة العراق والشام الإسلامية في محافظة الأنبار، وبدأت مخططها في ابتلاع دير الزور، وحاولت اختراق العشائر في دير الزور وإنشاء ما يسمى بالإمارات الإسلامية، إلا أنها فشلت رغم وجود بعض مقاتليها في دير الزور. وسعيا منها لربط دير الزور بالرقة وصولا إلى حلب وإدلب، أغرت قيادات في الجيش الحر بالمال ليكونوا "أمراء" على بعض المناطق، وبالفعل أعلن أحد قياديي هيئة الأركان شخص يدعى صدام الجمل الانضمام إلى داعش وتنصيبه أميرا في المنطقة الشرقية، لكن مخطط السيطرة على المنطقة الشرقية لم يكتمل، إذ انفجر الجيش الحر ضد محاولات داعش بحرف مسار الثورة. وبدأت المواجهة العلنية بين الكتائب المنضوية تحت الجيش الحر وداعش، بعد أن امتنع الثوار طوال عام عن مقاتلتهم.
فلم يعد السوريون يحتملون ممارسات المتطرفين، الذين اعتقلتوا الناشطين والأطفال والنساء في سجونهم الخاصة، وبهذا الممارسات والانتهاكات فقدت داعش الحاضنة الشعبية وباتت بالنسبة للشعب السوري في مرتبة النظام، وظهرت المظاهرات في أكثر من مدينة تنادي بطردها من أرض سوريا، ومرة أخرى تجرّع السوريون السم بالحرب المفتوحة على جبهتي تطرف النظام والتنظيم.
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية