ينتقم اللبنانيون من السوريين بطريقة بشعة، وكأنّ ذاكرتهم تأبى أن تنسى إرثاً ضخماً وقديماً خلفه ضباط النظام السوري أثناء تواجدهم على أرض لبنان، فيدفع الأبناء اليوم تلك الفاتورة وذاك الثمن الباهظ لسيطرة نظام طالما عانى من إرهابه اللبنانيون، كالسوريين الذين لجؤوا هربا من ذلك الإرهاب، ليلاقوه بلبوس القانون المغلف بالمواقف المسبقة!
سلسلة من الأفعال التي توصف بالعنصرية يواجهها السوريون في أرض الإهانة.. يعانونها في جمهورية تعرف بالشقيقة، ولا تزال حتى اللحظة تحتل مكانة مرموقة في مخيلة الدمشقيين وفي أدبياتهم القديمة، بينما ينبئ الواقع بسقوط المخيلة الرومانسية الحالمة، واقع يحمل عشرات الأدلة التي تؤكد: "لا كرامة للسوري في لبنان تحديداً".
ويأتي في مقدمة الممارسات ما يقوم به جهاز الأمن العام اللبناني بحق الشباب السوري، حيث يقبع مئات منهم في السجون على خلفية اتهامات لا شرعية لها، لاسيما في زمن الحرب الدائرة في سورياــ حيث يلجأ الأمن العام الذي يتسلم أدارته حاليا (اللواء عباس ابراهيم) الى توقيف المئات (نساء ـ شباب) بحجج واهية كالدخول غير الشرعي إلى البلد من طريق "عرسال" البلدة الحدودية، الذي ينظر إليها هنا على أنها مرتع الإرهاب السوري (على وجه الخصوص).
ويشار إلى أن هجرة ازادات معدلاتها أضعافاً في الآونة الأخيرة بسبب المعارك الجارية في القلمون والنبك ويبرود القريبة من "عرسال".
ومن الطبيعي أن يدخل البعض بطريقة التسلل أو الهروب إلى مكان آمن في أوقات استثنائية كالحرب والقصف، ولكن يبدو أن أجهزة أمنية في لبنان تحاول أن تثبت بأنها ذراع آخر للنظام، وإن كان أقل بطشا.
تقول إحدى المهندسات الشابات من (القصير) التي أوقفت في سجن الأمن العام لعدم امتلاكها لأوراق دخول شرعية، أوقفت فترة عشرين يوما على ذمة التحقيق:"لم يمض على إقامتي سوى خمسة أيام أعرف أني دخلت خلسة لكني راجعت النيابة العامة لترتيب إقامتي في لبنان وحولّت إلى مديرية الأمن العام وتم إيقافي!!.
وتعيش السورية (يمن) أبشع قصص المعاناة في بيروت بعد أن أوقفت أسبوعاً كاملا فور وصولها من معارك القلمون، بتهمة مزاولة المهنة دون إقامة، علما أن ابن اختها هو المعني بالأمر وليس هي، وتروي تفاصيل ما حدث معها في مبنى الأمن العام حيث طالبها الأمن دفع غرامة الإقامة وتفوق 300$، علما أنها أوقفت سابقا أكثر من مرة، والبعض أوقف لأشهر في سجون طرابلس وبعبدا بسبب تأخر في الإقامة والدخول غير الشرعي، والبعض حول إلى النيابة العامة تحت مسمى "حيازة قسيمة منتهية المدة" وهذا بحد ذاته يعتبر بحثا كاملا يجب الوقوف عنده ومعالجته بشتى الوسائل مع الجهات المختصة في لبنان لأنه لا يراد من الكلام التشهير بصورة أحد، فلطالما نطالب بدولة قانون، فالقانون يقول: "على كل السوريين تسوية أوضاعهم بسرعة".
لأنّ ماسبق لايمثل شيئاً أمام معاناة الشباب حيث يتم توقيفهم لمدة طويلة، يصفها مسؤولون في الأمن العام بالطويلة مقارنة مع وضع كان سائدا قبل أشهر قليلة، عندما كانت مدة التوقيف لا تتعدى الأسبوع أو حتى اليومين، وثم يصار إلى تسوية أوضاعهم وتجديد الإقامة لهم في البلد، أما الآن وعلى خلفية الازدحام الحاصل والضغط الشديد غير المسبوقين، فإنّ مدة التوقيف تتعدى الشهر كحد أعلى، وعشرين يوما كحد أدنى، وأيضا لأسباب تتعلق بأوراق الإقامة والثبوتيات، وضياع هوية أو بطاقة الدخول أو ماشابه، لكن أن يتم اصطياد السوريين يوميا هذا ما لايمكن تصديقه، ولذا من الحق السؤال: "ليس هناك أي وسيلة أخرى للتعامل مع السوريين الذين يعانون مشاكل من هذا النوع بطرق حضارية قانونية أكثر..؟"
والزيارة الوحيدة التي قامت بها منظمة الصليب الأحمر الدولي إلى سجون الأمن العام، كانت في مطلع هذا الشهر واهتمت بملف الأجانب فقط، ولم يسمعوا مشاكل السوريين إطلاقا، ولدى سؤال أحد المسؤولين فيها: "قيل لنا إن قضاياكم مع الأمن العام لا تستغرق وقتا كغيرها مثل العراقيين والعمالة الفيلبينية والإثيوبية والأفريقية".
بالمقابل، قامت السلطات اللبنانية بتنفيذ قرار منع الترحيل الذي كان يعمل به قبل اندلاع الأحداث في سوريا، ويمتنع الأمن اليوم عن ترحيل السوريين مهما كانت التهمة ويجدر القول إنه قرار يعتبر من أهم الإجراءات الإيجابية بحقهم، لكن يجب الاعتراف أنه كسوريين غير قادرين على تحمل كل إساءات الأمن العام الجسيمة، خاصة في هذا الظرف الراهن، وعلى اللبنانيين التنبه لنقطة سقطت من أذهانهم فجأة، بأن ليس كل سوري عرساليا بالضرورة، ويصدّر الإرهاب لبلدهم الآمن، وليس كل السوريين هم ضباط حاجز "عنجر"..ذاك الحاجز الذي يحمل سمعة ذائعة الصيت في ذهن اللبناني.
من جهة أخرى، كثيرون ممن دخلوا لبنان أساؤوا إلى البلد المضيف، ربما بعض السوريين فعلا خالفوا القانون بطريقة أو بأخرى، وبعضهم ساهم بشكل أو بآخر إلى تشويه صورة ما.. إنما يجب مراجعة ردة الفعل اللبناني، فالحرب عاشوها هم قبل كل شيء، ما تفسير أن تصب الجهات المختصة كل اهتمامها عالسوريات في هذه اللحظة، وتوقف العشرات منهن تحت سنّ العشرين بتهم "الدعارة"، والمضحك المبكي أنه لا يتم محاكمتهم قانونيا، فقط توقيفهم مدة طويلة ثم إطلاق سراحهم بكفالة مالية!!
يسعى البعض في دوائر القرار السياسي اللبناني إلى تمرير مشروع قرار بحق العمالة السورية التي يعود تاريخ تواجدها إلى فترات تسبق الأحداث، عمالة تقدر بالآلاف، يسعى البعض إلى محاولة قوننتها والتضييق عليها وسن قرارات تمنع المعامل والمصانع الاعتماد عليها كونها الأرخص..هذه آخر التسريبات.
وهناك مطالب كثيرة من سائقي الخطوط العامة والتاكسي الخاصة بمنع السوريين من العمل عليها، بحجة أنّ منافسة غير شريفة تجري في سوق العمل، أليس كل هذه التصرفات عنصرية، أسمع أحد السائقين يقول: " أحسن من الأردن وتركيا لا يوجد.. هم منعوهم من الخروج من المخيمات إطلاقا".
بيروت - زمان الوصل - خاص
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية