أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

من الغوطة الشرقية.. يوميات حفار قبور

"الناس عايشة مع بعضها.. وأنا أقضي أيامي بين قبور الشهداء الكرام" جملةُ تختصر حياة "أبو محمد"، خياطُ حولته الثورة إلى حفار قبور.

وأبو محمد الذي أراد تحويل يومياته إلى كلماتٍ أرسلها لنا، على أمل أن يُسهم الإفصاح عن المأساة بالتخفيف من وقعها، يقول: رغم إحساسي بأنني كبرت ألف عام بسبب الظروف الصعبة التي مررتُ بها، حتى أني نسيت بأن عمري ثلاثين عاما وأني مازلت شاباً، إلا أني سعيد بمهنتي التي اختارها الله لي.

ومن الخياطة إلى دفن الشهداء، تحولٌ فرضه عليه انعدام الزبائن الراغبين بإرتداء ملابس جديدة، وكثرة جثامين الشهداء الذين لايجدون من يدفنهم..ولذلك اعتمد أبو محمد على قوته العضلية، ليسدد -حسب قوله- جزءا بسيطا من الدَّين للشهداء بدفنهم..

ويضيف: أحياناً أكون بصدد دفن شهيد، فإذا بقذيفة تودي بحياة المشيعين الذين كانوا منذ دقائق أحياءً يمشون في المقبرة..فأدفن بنفسي شهداء آخرين..

ولا تقف معاناة "أبو محمد" على سوداوية المشهد أو على أيامه التي لا يتغير فيها شيء باستثناء ازدياد عدد القبور من حوله، فالمعول هو كل ما يملكه أبو محمد من أدوات، فلا جرافة ولا معدات تساعده في مهمته الشاقة، ولكن ذلك لا يمنعه، من مزج الألم بالسخرية.

يقول أبو محمد رداً على سؤالنا له عما إذا كانت تصله أي مساعدات: "موجة البرد القادمة من تركيا، التي اجتاحت الغوطة مؤخراً هي جزء من المساعدات التي أرسلها الائتلاف للغوطة المحاصرة.

ورغم الحصار والألم لايتمنى أبو محمد إلا أن يرجع الزمان 40 عاماً.. لأنه يريد أن يطوي فترة حكم الأسد من تاريخ سوريا، فلا طغيان ولا ثورة ولا شهداء.. أمنيةُ يعلم أبو محمد جيداً أنها لن تتحقق.

وفي نهاية كل يوم يُعانق أبو محمد معوله بعد أن يتأكد من نوم الشهداء بهناء، ويغادر مملكته إلى منزله على فمه جملةُ واحدة: "الحمد الله على كل حال".

لمى شماس - زمان الوصل - خاص
(442)    هل أعجبتك المقالة (719)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي