ديكتاتورية حزب صعد إلى السلطة على ظهر الدبابة .. حنق شعبي من رئيس يطرح نفسه كآلهة يجب تعميده كقائد ابدي .. توظيف العشائرية الطائفية الضيقة في الجيش ومؤسسات الدولة .. قمع للحريات السياسية .. اعتقالات .. ضيق اقتصادي من اشتراكية مفبركة .. هزائم فادحة وانتصارات وهمية على إسرائيل كان أهم نتائجها خسارة الجولان ... كل هذا خلف غضبا شعبيا تفجر في أواخر السبعينات في مظاهرات وإضرابات عمت القطر السوري كله بمدنه وريفه خاضت غمارها شرائح الشعب السوري كلها من تجار وموظفين وطلاب وفلاحين وعمال على مختلف انتماءاتهم السياسية من قومية ويسارية شيوعية وإسلامية وغير متحزبين في فسيفساء ثورية شعبية رائعة . خرجت مظاهرات من الطرف الآخر..تواجه الصفان رفع الصف الموالي يافطة ( الحكم للبعث ) .. فأبى شباب من الإخوان أن يرفعوا عبارة مضادة تعبر عن شمولية الحراك ك :( الحكم للشعب ) مثلا.. ليرفعوا يافطة مكتوب عليها ( الحكم لله ) لم يكن الصراع دينيا لم يكن صراع النظام ضد الله كان صراعا بين حراك شعبي وسلطة حول استحقاقات وأهداف شعبية. محقة وعادلة.. للأسف لاوعي الشارع المنتفض تقبل هذا الشعار وهنا بدأ الشرخ اللذي أودى إلى فشل الانتفاضة الشعبية وتحويلها إلى حراك ديني العصبية ثم إلى صراع حزب وهو الإخوان المسلمين مع النظام .. ثم انقياد وتورط هذه الجماعة التي كانت اكبر التنظيمات السياسية السورية آن ذاك إلى فصيل مروان حديد اللذي فضل انتهاج العنف منذ البداية وبسذاجة بالغة كسبيل للتغيير واختصار كل معاناة ومظلومية الشعب وأهداف الانتفاضة في البعد الطائفي للضباط والسياسيين الصقور في الحزب والجيش بالإضافة إلى التورط في التعامل مع نظام البعث العراقي وإدخاله في إدارة الصراع بين الإخوان والنظام تمويلا وتدريبا وخذلان العراقيين للإخوان في معركتهم لاحقا .. النهاية المأساوية معروفة للجميع متجسدة في معركة حماة وما نتج عنها من مذبحة ودمار قامت بها سرايا الدفاع بقيادة سفاح سوريا رفعت وبمباركة لص سوريا حافظ .. كانا هما الفصل الأخير من انتفاضة السوريين التي حادت عن مسارها في الثمانينات.
في عهد اللص الابن .. مازال السوريون يجترون نفس المأساة .. نفس المعاناة .. التغيير الوحيد كان في تواريخ الروزنامة ووجوه صغار اللصوص في السلطة عدا ذلك كل شيئ كما هو .. قامت ثورة 15 اذار مستلهمة اندفاعها من نجاح الثورات الشعبية في مصر وتونس واليمن .. فهب الشعب عن بكرة ابيه وبكل شرائحة وانتمائته في ثورة خرج الصدر الاعزل فيها مواجها المدفع الرشاش .. اذهلنا الدنيا كلها بتصميمنا .. بوطنيتنا .. بفدائيتنا .. وتسطير ابناء وبنات شعبنا للبطولات ..وتسارعت عجلة الثورة نحو هدم النظام واسقاطه .. رغم الاعتقلات والجرائم ..تضخم جمهور الثورة في الداخل والمهجر .. حينها تكرر نفس الخطأ دخلت الشعارات الدينية الى ادبيات الثورة وشعارتها .. استغل هذه النقطة رجال دين مغمورين اصبحوا فيما بعد نجوما .. ومع اشتداد القبضة الامنية واجرامها .. وبدء تكوين نواة حراك مسلح شعبي منظم من قبل الضباط والجنود المنشقين و المتطوعين من الاهالي لحماية المتظاهرين.. اصبح في مرحلة اخرى جيش سوري حر ... زادت وتيرة العزف على الشعارات الدينية بشكل اقوى .. وزاد حضور رجال الدين في قيادة دفة الثورة .. مع انحسار ملحوظ لناشطي التنسيقيات المدنية التي كانت في اشهر الثورة الاولى عصب الثورة والمحرك الاساسي لها ... زاد اجرام النظام وعزفه على وتر الطائفية من اهانة المقدسات والرموز والنساء وادخال حزب الله وكتائب الشيعة من العراق الى سوريا للقتال بجانب النظام تحت شعارات طائفية فظة.. لتنحسر المظاهرات حتى اختفت لصالح وجود التكتلات والتنظيمات العسكرية .. التي وجد كثير منها نفسه خارج مظلة الجيش السوري الحر تحت رايات تكتلات دينية عسكرية متدرجة في التدين تبدأ من الاعتدال الى التطرف .. لنصل في النهاية الامر الى واقع تحول ثورة مدنية الى كفاح شعبي مسلح ومن ثم الى صراع اديلوجي اكثر من كونه ثوري تحرري بين تنظيمات وكتائب اسلامية غارقة في تحالفات عربية لم تقدم لهم سوى الوعود و الفتات والخذلان من جهة وبين نظام مجرم لا شرعي مدعوم من ايران وروسيا من جهة اخرى .. بالاضافة الى معارك تنظيم دولة العراق والشام الساعي زاعما للاقامة الخلافة في سوريا اللذي وجد له موطئ قدم في ظل الجو المشحون دينيا في سوريا محاربا بذلك ثورة الشعب السوري ويتمثل ذلك في جرائمه بحق اهالي المدن المحررة او في قتاله مع ما تبقى من فصائل الجيش الحر والكتائب والتنظيمات العسكرية الاسلامية المناوئة للنظام .. مما اضاف الى الصراع المزيد من الميتافيزيقيا والادلجة الدينية ... خارج هذه المعمعة معارضة سياسية منظمة كالائتلاف والمجلس الوطني وتكتلات وتحزبات سياسية اخرى غير مؤطرة لا يكاد يربطها بجمهور الثورة وبمطالب الشعب الا خيط بسيط انقعطع او كاد ينقطع بسبب الاداء الانبطاحي السيئ اللذي زاد شعبنا معاناة فوق معاناته كان آخر نتائج هذا الاداء هو هذا الانقياد المخزي الغير منظم الغير مدروس الغير معروف النتائج الى مؤتمر جنيف .. في الوقت اللذي يعول الكثير من السوريين على جنيف لايجاد حل للافق المسدود في سوريا وانا منهم.. لا اجد نفسي متفائل بقدرة المعارضة السورية على حصد مكاسب حقيقية للشعب وللثورة في جنيف ..الا اذا استثنينا الخطب النارية والوعود المتكررة وعددناها مكسبا .
...ربما تاتي هذه المراجعة التحليلية متاخرة كثيرا .. اننا كسوريين لم نقع في نفس الطابوسة( الانغماس في ادخال الاديلوجيا الدينية الى الحراك الثوري) مرتين فحسب .. بل ان ملكة الاستقياظ المتاخر من الوقعة في هذه الطابوسة مازالت متجذرة في جيناتنا . أتمنى ان يدركنا الوقت للخروج منها كي لا تصبح ثورة 15 من آذار كانتفاضة الثمانينيات صفحة مؤلمة أخرى في تاريخ الشعب السوري ....
أسد عبد الكريم القصار
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية