"زمان الوصل" تفكك رموز خطاب البغدادي.. لا "مرتدين" لا "صحوات"، بل سلسلة "غزوات" أطاحت بها "ليلة الغدر"

- اغتصاب نساء المقاتلين المنتمين لتنظيم "الدولة"، كان رواية سيئة الإخراج من قبل التنظيم سدد فاتورتها من سمعته.
- لو أردنا إحصاء "التقاطعات" بين بنية وتسلسل ومضمون ومدلولات خطاب البغدادي الأخير، مع خطابات بشار، لوجدناها عديدة، ومثيرة للانتباه الشديد.
- خطاب البغدادي هو من "كلاسيكيات" خطابات "الجماعات الجهادية"، ولا يخرج عن تلك التي كان المرء يستمع إليها في ستينات أو سبعينات القرن الماضي.
على خلاف النبرة المتشنجة والفظة في كلمة المتحدث باسم تنظيمه (العدناني)، جاءت كلمة "أبو بكر البغدادي" زعيم تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" في ظاهرها، لكنها مع ذلك لم تخرج عن السياق العام لكلمة العدناني، الذي وضع "الدولة" في مقام "المظلومة" و"المفترى عليها"؛ ما يعني أن البغدادي كرر ما قاله "العدناني" في خطابه المشحون بالوعيد والتكفير، ولكن بلهجة أخف حدة!
أُكرهنا عليها
وفي بداية كلمته الصوتية التي استمعت لها "زمان الوصل" وعمدت إلى "تفكيك" أهم ما جاء فيها من إشارات، أوضح البغدادي أن "من سُنة الله تبارك وتعالى وحكمته، أن تختلط صفوف المؤمنين والمجاهدين بمن ليسوا منهم وبالمنافقين. وما كان الله عز وجل ليدعَ الصفّ المسلم مختلطا بأولئك المنافقين والأدعياء المتسترين بمظهر الإسلام المتوارين خلف دعوى الإيمان، فأمضى سبحانه وتعالى في الناس سُنة الفتنة والابتلاء".
وتابع: "إن المجاهد في سبيل الله لن تزيده المحن إلا نقاوة وصفاء، ولا الشدائد إلا عزيمة وثباتا، فاصبروا يا أيها المجاهدون في الدولة الإسلامية في العراق والشام وصابروا ورابطوا ولا تحزنوا من خذلان القريب وتواطئ الأعداء ولا تهولنكم الحملة الشرسة ضد الدولة فإن الله عزَّ وجلّ ينصر جنده ويدافع عن الذين آمنوا.. واعلموا أن المحنة التي أصابتكم في الشام إنما هي إن شاء الله خير كثير لكم، فلن تلبث إلا قليلا وتنقلبَ منحة عظيمةً بإذن الله".
ونادى "البغدادي" من سماهم "أبناء الدولة في الشام"، قائلا: "إن الله يعلم ثم أنتم تعلمون، أن الدولة بذلت ما بوسعها لوقف هذه الحرب التي شُنت عليها من قبلِ بعض الكتائب المُقاتلة، ويلعم الله ثم أنتم تعلمون أننا ما أردنا هذه الحرب ولا سعينا أو خططنا لها... وقد اُكرهنا عليها وبقينا على مدارِ أيامٍ ندفع بها ونسعى لإيقافها رغم الغدر الواضح بنا والتعدي السافر علينا حتى ظنَ أولئك المغرر بهم أن الدولة لقمة سائغة وأنهم قادرون عليها، منجرين خلف زيف وأباطيل الإعلام فما كان لنا إلا أن نخوض هذه الحرب مُكرهين".
الجميع يتاجر بكم
وبعد أن أمر عناصر "الدولة" بتجنب "الظلم" والمسارعة إلى "رد الحقوق" و"التوبة"، وأوصاهم بأن "يكفوا عمن يكف نفسه ويلقي من وجهكم سلاحه ممن قاتلكم من الكتائب مهما بلغ جرمه وعَظُم ذنبه"، استطرد البغدادي: "وأما أنتم يا أهلنا في الشام فلكم الله.. الجميع يتاجر بكم والكل ينهش فيكم متسابقاً للصعود على أكتافكم بل أشلائكم... النصيرية تسفك دماءكم وتنتهك أعراضكم وتهدم بيوتكم بزعم قتال الإرهاب لحمايتكم، اليهود والصليبيون يتآمرون على الإسلام ويكيدوا للمجاهدين ويحاربونهم متباكين عليكم متاجرين بدمائكم وقضيتكم، الطواغيتُ من حكام بلاد المسلمين يشترون الذمم ويجندون الأذناب ويصنعون الأتباع بزعمِ إغاثتكم، اللصوص والسُراق وقطاع الطرق ينهبون أموالكم وخيراتكم ويمصون دمائكم باسمكم وزعمِ نُصرتكم والدفاع عنكم وحمايتكم... فإياكم أن يؤثّر عليكم الإعلام المخادع ولن تجدونا إن شاء الله إلا أرحم الناس بكم وأشدهم على أعدائكم فهذه حقيقتنا، وحسبنا أن الله يعلمها".
وواصل: "حسبنا أن الله يعلم أننا سعينا بكل صدق وإخلاص لنحميّ المسلمين ونذود عن أعراضهم ونصون دماءهم، فنُتهم بين ليلة وضحاها أننا نُكفّر أهلنا في الشام معاذَ الله، ونستبيحَ دماءهم كلا والله.
حسبُنا أن الله يعلم أننا حرصنا على أمن وسلامة أهلنا في الشام وأننا الوحيدونَ من تحمّل علانية عبء مقاتلة عصابات قطاع الطرق وملاحقة اللصوص والقتلة، فنُتهم بين ليلة وضحاها أننا قتلةٌ لأهلنا في الشام، وأصحاب المقابر الجماعية لهم، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
حسبنا أن الله يعلم أننا تكلمنا مع كل الناس وفتحنا أيدينا لكل الجماعات، ثم نُتهم أننا لا نرى إلا أنفسنا ولا نعترفُ بمجاهد غيرنا، ونبخس الناس أعمالهم.. حاش وكلا.
حسبنا أن الله يعلم أننا لن ندعي العصمة يوما أو نتعمد الخطأ أو نصر عليه، كما نُتهم.
مواجهة قريبة
وكشف البغدادي عن سلسلة عمليات كبيرة كان تنظيمه ينوي القيام بها، لكن "غدر" الكتائب، حال دون تنفيذها، قائلا : "حسبنا أن الله يعلم أن ليلة الغدر بنا وطعننا في ظهورنا كان لنا جيش في ولاية الخيرِ (دير الزور حسبما يسميها التنظيم) يقودهُ الشيخُ عمر الشيشاني عازمٌ ألا رجع حتى يحرر الولاية كلها وقد وضع الخطة لذلك ومضى بها، وأن لنا قوةً في حلب تتقدم على الجبهة الغربية ضمن خطة لتحريرِ حلب بالكامل، وقوة أخرى تتحشد لاقتحام كويرس من الجبهةِ الشرقية، وقوة أخرى تستعد لاقتحام ثكنة هنانو ومفارز مجهزة للعملِ على النصيرية بالتزامن داخل الأحياء الواقعة داخل سيطرتهم، وأن الله يعلم أن قوةً مُجهزةً في ولاية أدلب معبئة تنتظر جفاف الأرض لتقتحم في يوم واحد أحدَ عشرَ حاجزا للنُصيرية وتحرر وادي الضيف، وأن قوة تتأهب في ولاية حماة لشن حملة على النصيرية.
وختم البغدادي كلمته الصوتية برسالة وججها إلى الولايات المتحدة، قائلا: "فلتعلمي يا حامية الصليب أن حرب الوكالة لن تغني عنك في الشام كما أنها لن تغني عنكِ في العراق، وعمّا قريب ستكونين في المواجهة المباشرة.. وإن أبناء الإسلام قد وطّنوا أنفسهم لهذا اليوم".
رواية سيئة الإخراج
وفي إطار تحليلها لمضمون خطاب البغدادي استعانت "زمان الوصل" برأي مراقب مهتم بالشأن الجهادي، ومتابع لأحداثه وخطابات "رموزه"، فأوضح أن أول ما يلفت النظر في خطاب زعيم "الدولة" تجنبه الواضح لذكر مفردات من قبيل "صحوات" "مرتدين"، وهو ما أثار انتباه جل من حللوا الخطاب ونفذوا إلى ما بين سطوره، وجعلهم يتساءلون عن سر امتناع البغدادي، وهل هو حقيقة تغيير جوهري في لغة الخطاب والموقف من مناوئي "الدولة" في سوريا، أم هو مجرد خيار تكتيكي اقتضته مصلحة التنظيم ريثما تمر سحابة الاقتتال الأخير؟.
وألمح المراقب إلى أن خطاب المتحدث باسم التنظيم (العدناني) الذي كان محشوا بمفردات التهديد والتكفير لكل من يخالف "الدولة"، ترك على ما يبدو أثرا بالغ السوء في نفوس شريحة غير قليلة من أهل سوريا، وهو ما أراد "البغدادي" تداركه عبر امتناعه عن أي عبارة تصف خصوم الدولة بالمرتدين والصحوات، لكنه –أي البغدادي- لم يتورع عن وصفهم بالمنافقين، كما ورد في أول الخطاب، وبمنفذي الأجندة الأمريكية عبر "حرب الوكالة"، وفق ما ورد في ختام الخطاب.
ونوه المراقب كذلك إلى خلو كلمة "البغدادي" من أي ذكر لحوادث "اغتصاب نساء المهاجرين"، وهي الروايات التي تفننت صفحات محسوبة على "الدولة" في ترويجها وإلصاق تهمة ارتكابها بالفصائل الثورية، وقد فسر المراقب تغاضي البغدادي عن ذكر هذه الحوادث حتى ولو تلميحا، بأنه تدارك لخطأ شنيع وقعت فيه "الدولة" عندما قدمت روايات في هذا الباب لا تستند لأي وقائع، فأظهرت التنظيم بصورة من لايتورع عن اختلاق الأكاذيب، وقربت صورته من صورة نظام بشار في أذهان العامة.
واعتبر المراقب الكلام عن اغتصاب نساء المقاتلين المنتمين للتنظيم، بأنه كان رواية سيئة الإخراج من قبل التنظيم سدد فاتورتها من سمعته، وإلا لما كان "البغدادي" ليتغاضى عن قضية بهذا الحجم لو كانت حقيقية، لاسيما أن "الأعراض" كانت وما زالت تحظى بموقع متقدم في فكر الجماعات الجهادية خصوصا، والإسلامية عموما.
ودخل المراقب إلى صلب خطاب البغدادي بعمق، ليقول إن الخطاب لم يسلم من لغة التعميم، التي ليست من فقه القرآن ولا السنة ولا من يعملون بهما في شيء، بل هي من مأثورات الجماعات والدول ذات التنظيم الاستبدادي، متسائلا: كيف لأمير جماعة تصف نفسها بالدولة الإسلامية أن يخاطب أهل الشام بأن "الجميع" يتاجر بهم، و"الكل" ينهش فيهم.. فهل هذه لغة مقبولة منطقا، فضلا عن أن تكون مشروعة ديناً.. وهل "الجميع" و"الكل" يشملان تنظيم "الدولة" أم إنهما خارجهما؟!!
وتابع المراقب: خطاب البغدادي إجمالا هو من "كلاسيكيات" خطابات "الجماعات الجهادية"، ولا يخرج عن تلك التي كان المرء يستمع إليها في ستينات أو سبعينات القرن الماضي، اللهم إلا في ذكر الأحداث الحالية بسوريا، ولو تم انتزاع هذه الأحداث منه، لظهر وكأنه خطاب من تلك الحقبة.
وفسر المراقب كلامه: هذا ليس قدحا في مضمون الخطاب، ولا لغته، بل في طريقة معالجة من يريد أن يقيم لنفسه "دولة"، متناسيا أن من أهم أسسها إعمال مبدأ المحاسبة، والشفافية واعتماد الشورى، وليس الرد على الاتهامات الخطيرة التي يواجهها التنظيم بعبارات من قبيل "حسبنا الله ونعم الوكيل"، "حسبنا أن الله يعلم"، "نبرأ إلى الله من كل ظلم من أفراد الدولة".. وهي عبارات لها تقديرها ووقعها الكبير في نفوس عامة المسلمين، ولكنها لا تحل مكان إقامة العدل وتفعيل الشورى ومحاسبة المخطئ أيا يكن، بدل الاكتفاء بالتبرؤ منه والتنصل من عمله، كما يفعل أي نظام مستبد، وخير مثال عليه نظام بشار الأسد.
وأكد المراقب أن "الدولة" ستكون أكثر إقناعا في دعوى مناهضتها للظلم وتبرؤها من الظالمين، عندما نراها تطبق المساءلة بحق من يسيئون من أفرادها، وهم على قيود التنظيم، وليس بعد ان يخرجوا عليه وينشقوا عنه، كما فعلوا بقيادي "جبهة النصرة" (الحضرمي)، الذي سارعوا إلى اكتشاف ردته ومحاكمته وإعدامه، بعد أيام قليلة من انشقاقه عن "الدولة"!
على خطى بشار؟
واستطرد المراقب: لو أردنا إحصاء "التقاطعات" بين بنية وتسلسل ومضمون ومدلولات خطاب البغدادي الأخير، مع خطابات بشار، لوجدناها عديدة، بل وربما مثيرة للانتباه الشديد، فالبغدادي يصف خصوم "الدولة" بـ"المغرر بهم"، ويدعوهم إلى "إلقاء السلاح" كي "يعفو" عنهم ويكف عن قتالهم، ولا يراهم سوى "منجرين خلف زيف وأباطيل الإعلام".
والبغدادي أيضا، يضع كل لومه على من يقاتلون تنظيمه لأنهم منعوه من تنفيذ "مشروعه التحريري"، الذي كان سيمتد من شرق سوريا إلى غربها، لولا أن غدرت به تلك التنظيمات، فنقضت كل خططه العسكرية بليلة واحدة، سماها ليلة الغدر.
وتساءل المراقب مستنكرا: كيف لنا أن نصدق على صحة كلام البغدادي، بأنه كان يجيش تنظيمه لشن "الغزوات" في حلب وحماة وإدلب ودير الزور لكسر "النصيرية"، ثم نراه بالمقابل يرسل أكثر من 50 مفخخة بين حزام وسيارة إلى مواقع الكتائب المقاتلة.. أم إن البغدادي اختار مواجهة "المؤامرة" على طريقة بشار، الذي يقتل الشعب لينتصر على إسرائيل والإمبريالية؟!
ورأى المراقب أن إصرار "الدولة" على إقحام مصطلحي "اليهود والصليبيين" في جميع خطاباتها التي تخص سوريا، لايختلف من حيث المبدأ عن إقحام مصطلحي "إسرائيل وأمريكا" في خطابات النظام، معتبرا أن قضية الشعب السوري قضية عادلة في أساسها ولا تحتاج لاستحضار أي طرف آخر مهما بلغ شره؛ لنثبت جدارتها وعدالتها وواجب كل حر بالدفاع عنها، باعتبار هذا الدفاع شرفا له ومزكيا لإنسانيته، وليس باعتبار دفاعه منّة يمن بها على المظلومين!
زمان الوصل - خاص
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية