كنت أتوقع - مثلي مثل ملايين المواطنين السوريين المحكومين - أن ينتج عن الإجتماعات الأخيرة للجنة المركزية للحزب، أن تنهض الأمور في البلاد إلى جهة التصحيح الذي أصبح ضرورة أكثر من حياتية للمواطنين، وهو أيضا أكثر من حياتية لحزب البعث العربي (؟؟؟؟ تمثيلا عن أني لم أعد أعرف بما أسمي الجزء الأخير من أسمه) واستمراره في قيادة البلاد.
الرفيق المحترم،
أولاً:
1. لنعترف بأن سورية أخذت تعيش منذ سبعة سنوات مرحلةً من التحول من النظام الإقتصادي الذي كان سائدا منذ الحركة التصحيحية، إلى نظام قُصد منه السير في طرق التطور والمزيد من التنمية. إلا أنه لما كانت طبيعة تطوير النظام الإقتصادي تفرض تداخل المصلحة الإقتصادية الوطنية مع مصالح متناقضة: بعضها لأكثرية الشعب، وبعضها لمراكز قوى مؤثرة ومتمكنة من تحقيق أقصى المصالح، ولو كانت على حساب مصالح الدولة وأكثرية الشعب. فإن ما أُسميه مراكز قوى التسلط والفساد، انتهزت فرصة قبول مبدأ التغيير، وعملت ما بجهدها ليكون لتحقيق مصالحها، دون مصالح الدولة أو مصلحة الحزب أومصالح أكثرية الشعب. وهكذا كانت البدايات في العمل على العديد من الإصلاحات الشاملة، ثم تقزّمت إلى توجيه مُجمل المنهج الإقتصادي، ليكون النظام الرأسمالي الليبراري بكل أبعاده.
2. لم تكن هكذا توجهات المؤتمر العام للحزب، وإنما كانت صريحة باعتماد منهج السوق الإجتماعي، وليس الرأسمالي. ولكن لما كان نفوذ القوى صاحبة المصلحة بالنظام الرأسمالي هي الأقوى نتيجة عوامل وأسباب سلبية معروفة.، فقد تمكنت هذه القوى من زرع أدوات لها في الحكومة لتسير بالإقتصاد في الطريق الذي يتوافق مع مصالحها، رغم أنه يخالف قرارا رسميا للمؤتمر العام، يفترض أنه مُلزم للقيادة القطرية ومختلف مستويات القيادة الحزبية، ومُلزم على الحكومة بحكم الدستور.
3. إن مسألة رفع الدعم الذي تحدثت به اليوم، ما هو إلاّ واحد من جوانب عديدة في مسألة التغيير إلى النظام الرأسمالي الذي يقوده الدردري خاصّة، سبقته خطوات حكومية عديدة أوصلت البلاد إلى ما يُمكن تسميته دون تردد ولا وجل، إلى خراب اقتصادي ومعيشي هائل، وبكل ما في هذه الكلمة من معنى.
4. دعني أسألك بصراحة تفرضها خطورة الظروف الداخلية والخارجية: هل الحزب الحاكم للبلاد بموجب المادة 8 من الدستور. هو صيغة قانونية ومؤسسة رسمية لها أجهزتها وقياداتها المنبثقة عنها والتي تُمثلها وتلتزم بسياساتها وقرارتها؟ أو هل هو تنظيم شكلي صوري، يقدر أي من الأفراد الواصلين أو الموصَلين إلى مستوى معين من مستويات قيادته، أن يعمل وفق أهواءه أو فهمه، أو بعد أو قصر نظره، أو تأثير القوى عليه، أو مصالحه الخاصة، في معالجته لشؤون البلاد؟ أكيد أنك ستستنكر مضمون السؤال، وستجيب بأنه حزب رسمي له قياداته الرسمية وقرارته الملزمة لمختلف مستويات قياداته. إذا كان هذا جوابك، ولا أظن أن يكون لأي حزبي مسؤول جوابا غيره، فأرجو تفهّم والتفكير في التساؤلات التالية التي هي في عقل وضمير كل بعثي، وكل مواطن عربي سوري مخلص:
1) هل تعتبر القيادة القطرية أن قرار المؤتمر العام باعتماد منهج السوق الإجتماعي كان خاطئا؟ وهل تعتبر أن من حقّها أن تغيره إلى نظام اقتصادي مختلف تماما هو النظام الرأسمالي، دون الرجوع للسلطة الأعلى التي أصدرته؟
2) وكيف تفسر عدم لجوء الحكومة إلى تنفيذ قرار المؤتمر العام لدرجة عدم كتابة كلمة واحدة فيه حتى الآن، وبالتالي مناقشته وإصداره- رغم ما يقرب من ثلاث سنوات كاملة على صدوره ؟ وكيف تفسر الحكومة تجاوز النظام الإقتصادي السابق لقرار المؤتمر العام، والجنوح المقصود العملي بتسيير البلاد على نظام آخر لا يمت لا إلى النظام القديم السائد ولا إلى النظام المقرر من المؤتمر العام؟
3) وهل يُمكننا القول أن القيادة القطرية أو بعضا من أعضائها - قد قاموا عملياً بانقلاب حزبي، وفرضوا على الدولة منهجا يُخالف المنهج الذي أقره المؤتمر العام؟ وهو قرار استراتيجي أساسي ، وليس مجرد أي قرار إجرائي؟
ذلك أن الأصول التنظيمية تُلزم القيادة بالدعوة للجهة العليا التي أصدرت القرار الإستراتيجي المُتخذ من المؤتمر العام، للإنعقاد مرة أخرى للإستماع ومناقشة الظروف والمتغيرات الطارئة التي تستدعي إعتماد النظام الرأسمالي بدلا من النظام الإجتماعي. وإن مخالفة هذا الأصل التنظيمي لا أرى له تسمية إلا أنها أبعد من التجاوز وأقرب إلى الإنقلاب والتفرد. ولكن دعنا نتساءل هل كان هناك قرار رسمي للقيادة القطرية بتجميد ووقف العمل بنظام السوق الإجتماعي والتحوّل إلى النظام الرأسمالي؟ أو أن الأمرهو في واقعه لا يعدو مجرّد خضوع لتسلط جهات نافذة شريكة لأصحاب مصالح رأسمالية فاسدة، فرضت قرارها على الحكومة، والحزب وقيادته من ورائها يلهث بالسكوت والإقرار الأعمى دون انتباه ومراعاة لمصالح الدولة والشعب والحزب، والإقتصاد الوطني ومعيشة الشعب العربي السوري؟
ثانيا: أنتقل إلى تساؤلات أخرى، تفرض نفسها بالضرورة:
1. هل يُدرك فعلاً الرفاق أعضاء القيادة الفرق بين نظام السوق الإجتماعي الوسطي بين الرأسمالية والإشتراكية والذي تعمل به أغلب دول أوربا الغربية منذ الحرب العالمية الثانية؟ والذي كان من أسباب نجاحها ونموها ورفاهية شعبا، والوصول بها إلى أن تكون القوة اٌلإقتصادية الأولى في العالم، وبين النظام الرأسمالي الذي أخذت تنهار آخر معاقله في أمريكا ذاتها ويقودها إلى الدمار الإقتصادي؟
2. ألا ينسف السير في النظام الرأسمالي بديلا عن نظام السوق الإجتماعي، شرعية وجود الحزب في الحكم، لأن ممارسة السلطة أصبحت إرادات أفراد، تابعين لذوي مصالح مشبوهه' ، وليس لسلطة منظمة أقر الدستور سلطتها، ويجري الحكم وفقا لها؟
3. وهل تتفوق عند القيادة القطرية مصلحة بعض رموز الفساد في سورية، والثابت انحرافها في مسائل النزاهة والمصالح غير المشروعة، ونهب خزينة الدولة، والعمل لإفقار الشعب، وخلق جملة من المعاناة المعيشية المتزايدة للشعب، على مصلحة مجموع الشعب، فيُؤخذ بتوجهاتها وقراراتها بديلا عن قرار المؤتمر العام للحزب المتماشية مع مصلحة البلاد وأكثرية الشعب؟
4. وهل من فِكرِ أو مصلحة الحزب الإستعانة والثقة بأعداء فكره ومصالح الأكثرية التي يمثلها، للسير بالبلاد وفق مصالح أقلية مكروهة ومرفوضة، بل يجب محاربتها؟ رغم أن الإستعانة المذكورة تقود البلاد في خراب إقتصادي مؤكد، وصولا لمرحلة لا بدَّ منها آجلا أو عاجلا لرفض شعبي للحزب؟ أو لا يدخل في هؤلاء المعادين السيد الدردي ومدرسته السياسية وماضيه وعلاقاته مع مؤسسات الرأسمالية الأمريكية والدولية ؟
5. أخيرا سأختصر، وأعود إلى مضمون تصريحك المُتسرّع، وأجيبك حوله، بخلاف ما يزعمه الدردي زورا وبهتانا وتخريباً، أو جهلا وعمى وقصر نظر، وهو ما أثبته التطبيق الفعلي حتى الآن من كوارث اقتصادية ومعيشية كبيرة، لا زالت في أولها والآتي أعظم بالتأكيد:
1) إن أسلوب الدعم للوقود والغذاء قد أثبت قدرته وفائدته في تثبيت النظام الإقتصادي السوري خلال أكثر من ثلاثين سنة متوالية. وأثبت تأثيره في الموازنة بين الإنتاج وكلفته وأعار العوامل الداخلة فيها، وبين الإستهلاك، في تحقيق التنمية، وفي خلق وتزايد مبالغ التصدير سنويا. وهذا الأسلوب هو عملياً جزء من نظام السوق الإجتماعي، وقد جرت عديد من الدول الأوربية على السير به، ولا يرفضه إلا النظام الرأسمالي الأمريكي حصراً. لا أقول أن النظام الأسبق هو الأفضل ولكنه أفضل بالتأكيد من النظام الرأسمالي الخالق للفساد والمستنزف لموازنة الدولة، والمعطّّل كليا عن تزياد الإنتاج ومؤسساته، والمتيح لتحقيق المصالح القذرة على حساب أكثرية الشعب.
2) إن إلغاء الدعم سيتسبب في مزيد آخر من ارتفاعات الأسعار في المواد المنتجة الصناعية والزراعية، وسيتسبب في رفع تكاليف الإنتاج الوطني الصناعي والزراعي والسياحي والخدماتي والنقل والإنتقال بالتأكيد مما سيرفع أسعارها محلياً وللتصدير، مما سينتج زيارة الأسعار وانخفاض التصدير، بدرجة كبيرة ومتوالية بالزيادة (لأن عناصر الكلفةمترابطة ببععضا البعض)، الأمر الذي سيؤدي إلى المزيد من خسائر الميزان التجاري سنويا، وهو ما سيؤدي بالضرورة وبشكل متكرر إلى تضخمات وزيادات أسعار وغلاء مرّة أُخرى، تتطلب زيادات رواتب تنتج تضخمات لولبية متتالية وهكذا، مما ستعجز الدولة عن معاجته في وقت ما قادم. وقد تصل ببعضها إلى درجة رفض سلمي او عنيف من الشعب للنظام وللحزب. أفلا تعقلون؟
3) تكرر سيادتك ما يزعمه الدردي من أسباب بأنها بغرض التوفير على خزينة الدولة،وهذا يفرض التساؤلين الجدّيين التاليين:
التساؤل الأول: وهو هل خزينة الدولة في الأساس إلا لخدمة الشعب، أو هي شركة رأسمالية لها مصالحها الخاصة المُنفصلة عن الشعب والمتناقضة مع مصلحة الشعب؟
التساؤل الثاني: وهو هل تمارس الحكومة العطرية الدردرية المؤيدة من القيادة - ويا للأسف وهذا نذير سوء- الإنفاق من الخزينة وفقا لمصلحة الشعب؟ هل تريد أمثلة؟ أحدث وآخر مثال هو أن المهندس العطري - بارك الله بعلمه ومقدرته - افتتح قبل يومين فقط المبنى الجدد للمطبعة والجريدة الرسمية والتي نفذها (بعضهم) بتكلفة 1,474 مليار ليرة.هل يقبل عاقل مثل هذا الإستثمار والإنفاق الحكومي على مشروع غير منتج إطلاقا، ويمكن اعتباره في ظل الظروف التي تشتكي منها الحكومة وتريد التوفير فيها من لقمة المواطن بأنها مشاريع ترف حكومي لا مبرر له؟ وهل يُقر مهندس شريف واحد إلا أن يقول أن المشروع يتضمن سرقة تتراوح بين 80% و90% من سعر التعاقد بالتراضي؟ وأن هذا المشروع هو من عشرات، يضاف إليها عشرات أُخرى من مشاريع إستثمار يشيب لها الشعر ويضيع فيها العقل لكثرة وضخامة ما تحتويه من فساد واستنزاف هائل لخزينة الدولة التي تقرون رفع الدعم عن الشعب وصناعته وزراعته وتصديره لدعم الموازنة التي يجري الإنفاق منها على فلان وفلان عملياً؟ أفلا تتقون الله، وتتقون الشعب ومصالحه ومعيشته، وتتقون الحزب الذي انتخبكم لقيادته وقيادة الوطن؟
آمل أيها الرفيق، أن يكون تصريحك هو عن قناعة شخصية بحتة نتجت عن تأثير بعض المُغرضين والمنحرفين، وأن لا يكون تعبيرا عن مضمون قرار اتخذته القيادة القطرية أو اللجنة المركزية، وأكرّر أن يكون مجرد انخداع شخصي بترّهات الدردري والعصابة التي تقف وراءه. أمّا إذا كان الأمر غير ذلك، فوالله لا أرى إلا أنها نذير شؤم على الحزب وعلى النظام وعلى البلاد. وفي هذه الحالة أرجو من الرفاق الذين وافقوا على الإنحرافات الرأسمالية الدردررية الفسادية، أن يعودوا للتفكير مجددا بما وهبهم الله من العقل والحكمة وبعد النظر في اتخاذ القرار، وكذلك تحكيم ضمائرهم، قبل أن يوصلوا الشعب إلى درجة عدم التحكم به.
بكل احترام
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية