أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

داخل حمص المحاصرة..صقور وحمائم

وردت استفسارات عدة تسأل حول قصة الطريق الذي كان متاحاً لإخراج المدنيين عبره من حمص والتي وردت إشارة عنه في مقال الأسبوع الماضي.

لإيضاح ذلك سنورد معلومات عنه في هذه المادة:
"بالمحصلة كانت العملية جيدة من حيث التخطيط، واجهت العملية مشكلة ولم تكن ضمن الحسابات، بعض مخالفات الخطة أدى إلى ما وصلت إليه"

تشبه تلك المحصلة التي تسربت من شهادة المكتب الإعلامي الموحد لحمص النكتة المتداولة "العملية نجحت، لكن المريض قد مات".

الشهادة التي قال القيّمون عليها إنها شهادة "حياد على معركة المطاحن" والتي جاءت بعد اجتماع دام أكثر من أربع ساعات لقادة حمص ووجهائها لدراسة أسباب فشل محاولة فك الحصار، ومن يتحمل تلك المسؤولية، أثارت حفيظة بعض من نشطاء وثوار المدينة ممن اعتبروها شهادة "تبييض" لمواقف القادة لا أكثر ولا أقل وأصدروا بياناً اعتبروا فيه "أن المكتب الإعلامي قد تحول من صوت للثورة إلى صوت للمجلس العسكري الذي تراكمت أخطاؤه".

تقول شهادة المكتب الإعلامي إن الخطأ الأساسي تمثل بدخول الشباب إلى داخل التأمينات بدون إبلاغ أبو محمد غوطة المسؤول عن الشق الثاني من العملية على محور القصور، بينما تقول شهادة أخرى لبعض المشاركين بالعملية أن "أبو محمد غوطة" لم يقم مطلقاً بالانتشار في محور القصور بدعوى وجود عدد من جنود النظام قريباً من ثغرة الدخول، في الوقت الذي أوصل فيه أحد مقاتلي كتيبة الأنصار لعبد الباسط الساروت خبراً مفاده بأن قوات النظام سيطرت على جزء من طريق الإخلاء، الخبر الذي فيما بعد تبين أنه غير صحيح.

وتكمل الشهادتان المتناقضتان تبيان ما حصل، حيث قام الساروت بطلب تعزيزات ومؤازرة، وسواء صح تبرير شهادة المكتب الإعلامي بأن غرفة العمليات أرسلتها له لكنها تأخرت بسبب ازدحام النفق، أو لم ترسلها من أصله ما تسبب بخلل على محور التأمينات كما تقول الشهادة الثانية، لكن النتيجة المؤكدة أن سبعين شاباً لاقوا حتفهم دون أن يتحمل أحد ما المسؤولية ودون أن يعترف أحد ما بالتقصير.

التناقض في الشهادتين ورمي التهم بينهما لا يعكس مجرد اختلاف في وجهات النظر، بل شقاقاً بات يتكشف مؤخراً وإن كانت حقائقه معروفة للجميع داخل الحصار.

وحتى المقطع المصور مؤخراً للساروت لم ينفع في وضع حد للتهم المتراشقة وربما لن تفلح محاولته في حشد الجميع على قلب رجل واحد وتأجيل الخلافات لقضاء أو هيئة شرعية تبت مستقبلاً بالأمر.
ففي حمص المحاصرة بات هناك صقور وهناك أيضاً حمائم، قبلاً صمتت الحمائم شهوراً طويلة، مرة بداعي عدم شق الصف وانتظار الحلول، ومرات تحت ثقل الحصار والوجع الواحد..لكن إلى متى؟ هذا ما بات يفكر به بعض النشطاء والأهالي ممن لم يتبق لهم إلا القليل من حبات الزيتون وكثير من خيبات الأمل بعد فشل المجلس العسكري وضع حد للأزمة وشائعات أخرى عن تجاوزات بعض القادة وابتعادهم عن الهم اليومي للمحاصرين، تجاوزات لا مجال للتأكد من صحتها في ظل الحصار القائم ولا مجال أيضاً لتجاهلها أو نفيها وقد باتت حديث مواقع التواصل الاجتماعي.

إنهاء الحصار وإخراج المحاصرين بأي وسيلة كانت هو مفتاح النصر للمدينة، حتى لو ترتب على ذلك إعادة احتلال قوات النظام لهذه الأحياء هكذا ينادي فريق بدأ صوته يعلو أكثر، بدوري أشاطر هذا الفريق همومه وآراءه..وأعلم جيداً أنه سيتنطع لنا إزاء هذا الكلام كثيرون معتبرين أننا طابور خامس ينادي بتسليم المدينة للنظام كما درجت العادة، وفات هؤلاء أنه في سنة ونصف على الحصار استطاع النظام أن يستنزف خيرة المقاتلين ونخبة الشباب الحمصي، وأن التخوين بعبع بات شبحه لا يخيف، إزاء طفل يموت جوعاً أومجاهد جريح يفتك بجسده الوباء.

فإلى متى يستمر المجلس العسكري بقبول لعبة الحصار وهو الذي بلع الطعم منذ البداية؟ والى متى ينتهج حرب الجيوش وهو الذي لا طاقة لديه لخوض هكذا معارك خاسرة؟ وإلى متى سوف يسمح باتساع الرقع بين أبناء الحصار وتقريب هذا وشيطنة ذاك؟ وإلى متى سيستمر الموت المجاني دون أن يتحمل قائد المسؤولية أو يقدم للمحاسبة، وهنا نذكّر القيّمين على معركة المطاحن بما كانوا قد قالوه عن الشهيد "أبو أسعد الشركسي" قائد ثوار حي البياضة الذي قضى مع جنوده اختناقاً بالغازات السامة، يومها قلتم "لو ردت إليه الروح لحاسبناه عن مسؤولية خسارة المعركة".

*طريق البساتين 
من القرابيص باتجاه الوعر مروراً بنهر العاصي..كان هذا هو طريق البساتين الذي فتحه ثوار حمص مع بداية الشهر الرابع 2013، بعد عملية ناجحة تمكنوا خلالها من السيطرة على حي القرابيص بالكامل وجزء من حي القصور...بعدها ظل الطريق سالكاً مدة 4 شهور و17 يوماً..في الشهرين الأولين كانت الطريق سالكة بسهولة تامة، ما دفع بالكثيرين لتوجيه انتقادات ومطالبات لضرورة إخلاء الأطفال والنساء وكبار السن، فكان رد "أبو محمد بحلاق" بأن الأولوية هي لإدخال الذخيرة، ومع زيادة مطالبات وضغوطات الشارع تم إعفاء بحلاق من مهمة الإشراف على الطريق وإيلائها لآخرين، وفعلاً تم إخراج ما يقارب من ثلاثين عائلة..فيما بعد ساء الوضع وبات الطريق مستهدفاً من قبل قناص "الغاردينيا" وأصبحت عمليات استهدافه بالقذائف والهاون مستمرة وصارت عملية إخلاء الأهالي محفوفة بالمخاطر...بقيت الطريق بعدها ما يقارب الشهرين سالكة بصعوبة.

فيما بعد اقتحمت قوات النظام البساتين وقتلت ثلاثة من العناصر المرابطين، وتم فقدان الطريق بشكل كامل.
يقول بعض المعترضين على عدم إخراج العائلات كان يمكن وبسهولة إجلاء ليس فقط كافة المدنيين - وبدون أية مخاطر- بل خروج جميع المقاتلين وانتهاج آلية حرب العصابات بدلاً من التمترس داخل أحياء مهدمة يحيط بها كحبل المنشقة كل من قوات النظام والأحياء الموالية.

من كتاب "زمان الوصل"
(139)    هل أعجبتك المقالة (133)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي