أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

هيئة التنسيق... وخفي حنين

في مؤتمر هيئة التنسيق بحلبون نهاية صيف 2011، وأثناء استراحة كتابة البيان الختامي، ذكر مدير الجلسة ونائب رئيس هيئة التنسيق آنذاك، حسين العودات، قصة لتسليتنا أنقلها بتصرف، وهي عن امرأة تركت رجلها سعيا وراء رجل آخر يدعى سيد علي، وعندما أخفقت في مسعاها حاولت العودة إلى رجلها فرفضها، فكانت خسارتها من جميع الاتجاهات، فذهبت قصتها مثلا بين الناس، يطلقونه على من يخسر كل شيء من أجل شيء محدد، ثم لا يناله بالنتيجة، والمثل هو: لاحظت (حظيت) برجيلها، ولا خذت سيد علي.

لا أدري لماذا حضرتني القصة بقوة بعد العاصفة التي أثارتها هيئة التنسيق بسبب عدم دعوتها إلى مؤتمر جنيف المقبل بعد بضعة أيام.. ربما لأن المثل الذي ساقه نائب رئيس هيئة التنسيق آنذاك في سياق حديثه عن جهة ما، وفي مؤتمر الهيئة تحديدا، ينطبق الآن على الهيئة نفسها.

حال الهيئة الآن يدعو للرثاء، فتراها كمن تلقى ضربة على الرأس أفقدتها صوابها وتوازنها، فحميت الجماجم، وتسرع القلب، وارتفع مستوى الغضب، وقل التركيز، فأطلقت موجة عارمة من التصريحات والبيانات العنترية التي لم توفر أحدا، من الائتلاف إلى الأمريكان إلى الأمم المتحدة إلى مؤتمر جنيف برمته ومن أساسه.. وصولا إلى أصدقائها وحلفائها الروس، كيف لا وقد حاربت هيئة التنسيق بكل قوتها من أجل العملية السياسية، وراهنت على مؤتمر جنيف وعملية السلام باعتبارها المسار الأوحد لإنهاء الصراع والانتقال إلى الدولة المنشودة، واعتبرت أنه ملعبها، وأنها ستكون اللاعب الرئيس في فريق المعارضة المفاوض.. وكيف لا وقد استثمرت في هذا الاتجاه كل أوراقها، وخسرت من أجله جمهورها وأصدقائها، وبسببه انفض عنها معظم كوادرها..

ناصبت هيئة التنسيق الثورة والثوار العداء رغم ادعائها تمثيلهم، وذلك عبر سلسلة من المواقف الاستفزازية التي تخلو من السياسة وبعد النظر، فتشبثت بمواقفها الطهرانية في رفض العنف ورفض التدخل الخارجي في الوقت الذي أصبح ذلك مطلب جميع الثوار الذين عبروا عنه في مظاهراتهم، فخسرت الثوار واستحقت سخطهم، كما سايرت الهيئة النظام وأبدت أقصى درجات النعومة في معارضته، وحرصت دائما على تقديم مبادرات حسن السلوك له، ومكنته من المساهمة في شق صفوف المعارضة والنيل من معارضي الخارج وتخوينهم، وفي الوقت نفسه اتخذت مواقف قاسية وظالمة بحق الثورة في غير مناسبة، تحت ذريعة الحق والحقيقة، ولعل أشهرها وأقساها ما قاله هيثم مناع بعد مجزرة الكيماوي.. وما كانت خدمة الحقيقة، في الحقيقة، إلا خدمة للنظام.

وها هو النظام الذي راعته الهيئة في معارضتها أفضل مراعاة، وقدمت له، عن غير قصد، أفضل الخدمات، يرد لها الجميل بمحاربتها وزج كوادرها في السجون، وها هم الروس، أصدقاؤها ومسند ظهرها، يمرغون أنفها في التراب بتجاهلها وعدم دعوتها إلى جنيف دون أن يقيموا لها وزنا أو يحفظوا لها ماء وجهها.
لكن هل ثمة درس يُستفاد مما حصل؟ وهل ستؤدي هذه اللكمة القاسية إلى إعادة الحسابات، والتفكير بواقعية؟ 
هل ستدرك الهيئة أنها أمام نظام همجي قاتل تقوده عصابة لصوص لا تملك ذرة من الحضارة والإنسانية والوطنية، ولن تتورع عن قتل آخر سوري في سبيل بقائها، وأن القوة وحدها هي اللغة التي تفهمها؟ وأنها لن تقدم شيئا لا في جنيف ولا في غيره إلا بالقوة، قوة الآخرين طبعا؟

وهل ستدرك أنها كانت منسلخة عن الواقع وبعيدة عن السياسة بعد السماء عن الأرض، بسبب رفضها الاعتراف بمعطيات الواقع والتحرك بمعزل عنه؟

وهل ستدرك أنها خذلت الثورة وتخلت عنها وأخطأت كثيرا بحقها، عبر التعالي عليها ومعاداة مكونها العسكري، وعدم فهم ظروفها، وعبر مراعاة خصومها؟

وهل ستدرك أنها خسرت شركاءها في المعارضة، ودخلت معهم في خصومات لا مبرر لها ولا أساس، وفوتت، مثل غيرها، فرص توحيد كلمتهم في هذا الاستحقاق المؤلم الذي يتقرر فيه مصير شعب وبلد؟ 
وهل ستدرك أن روسيا كما غيرها من الدول، لا تعمل إلا بوحي من مصالحها، وأنها مستعدة للتضحية بأفضل أصدقائها عندما تقتضي تلك المصالح؟

وهل ستدرك أخيرا أنها أسيرة لأمراض وعقد بعض قادتها التاريخيين، وأن تعافيها يبدأ بإبعادهم؟   
أقول لهيئة التنسيق من باب الصداقة، أتمنى أن يكون هذا الدرس القاسي مناسبة لوقفة نقدية شجاعة مع الذات، ولإعادة نظر جذرية بالمفاهيم والأولويات، لعله يعيدكم إلى الواقع وإلى ممارسة السياسة بأدوات السياسة.    

واقول لهيئة التنسيق من باب التعزية، "عسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم"، فمن يدري، فقد لا يتمخض المؤتمر حتى عن فأر، ولا ينوب المشاركين فيه إلا سواد الوجه، رغم تمنياتي بأن يحدث العكس.

من كتاب "زمان الوصل"
(123)    هل أعجبتك المقالة (115)

mohammad ali

2014-01-18

well written and done by excellence.


التعليقات (1)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي