رافق بزوغ شمس الحرية في سوريا منذ خيوطها الأولى ولكن الشمس فارقته في مسكنه في قبو رطب ومعتم في إحدى ضواحي اسطنبول مع أطفاله الأربعة الذين ورثوا تركة ثقيلة من الأمراض مع والدهم الذي يغالب آلامه من إصابة في الظهر مضى عليها أكثر من سنتين أثناء هروبه من ملاحقة المخابرات السورية له بعد مشاركته في مظاهرة سلمية إنه الناشط "حسان ناصر" سندباد آخر للأوجاع، انخرط في الثورة السورية منذ بدايتها وكان من أوائل الذين خرجوا في الحراك السلمي في ريف دمشق فساهم مساهمة فاعلة في تسيير أمور المظاهرات والإغاثة، ولكنه عندما احتاج للإغاثة لم يجد من يمد له يد العون!
حول قصة صابته يقول "حسان ناصر" لـ"زمان الوصل":
في منتصف الشهر الرابع من عام 2011 كنت أنشط في الحراك السلمي وأشارك في المظاهرات فتمت ملاحقتي من قبل الأمن في ريف دمشق حيث كنت أعيش، وفي أحد الأيام كان قريب لي يركب في حافلة للنقل العامة فتم إيقاف الحافلة على حاجز للأمن وطلبوا هويات الركاب وعندما رأوا بطاقته الشخصية وهو يحمل نفس اسمي وكنيتي مع اختلاف اسم الأب والأم أمسكوا به وضربوه وسألوه عني فقال لهم إنه لم يرني منذ زمن طويل وفور عودته إلى الحارة بحث عني وأخبرني بأني مطلوب للأمن وحينها بدأت معاناتي في الهروب والتخفي، ويضيف ناصر: "لم يكن هناك سوى حاجزين في المنطقة التي أسكن فيها فاضطررت للبقاء في المنزل، وكان لدي محل لبيع الألبسة المستعملة فتعطلت أشغالي وتضررت كثيراً، وفي الشهر الخامس أغلقت المحل وعند أول مداهمة للبلد في الشهر الخامس من عام 2011 تمت مداهمة منزلي، فهربت وقفزت من الطابق الثالث، واستطعت الهروب والاختباء بمساعدة بعض الأهالي وعندها أحسست بوجع في ظهري وبقي جيش النظام في البلد إلى فترة العصر فعدت إلى البيت وجلست وعندما حاولت الوقوف لم أستطع من وجع ظهري، فاتصلت ببعض الشباب من أصدقائي الذين ذهبوا بي إلى بيت أحد أقربائي وبقيت عنده مدة عشرين يوماً وأنا مستلقٍ على ظهري لا أستطيع الحراك، وذهبت إلى دكتور مختص وعندما فحصني طلب مني صورة "رنين مغناطيسي" ولم يكن في البلد أجهزة لهذا النوع من الصور.
وحول طبيعة إصابته يقول حسان ناصر: لم أعرف طبيعة إصابتي إلا بعد مجيئي إلى تركيا فعلمت أن عندي تفتت وميل في إحدى فقرات ظهري ويضيف: "بصراحة مابعرف شو إصابتي) عندي أوجاع في الظهر لا تطاق (مرة بتصير خفيفة ومرة بتصير قوية وما بقدر أتحرك).
آلام بلا حدود !
في تركيا بدأت معاناة حسان الحقيقية التي بدأت في بحثه عن عمل مناسب ليعتاش به مع أسرته دون جدوى، وفي رحلة بحثه عن علاج لآلامه وهناك تعرف كما يقول علي شاب تونسي أخذه إلى"منظمة أطباء بلا حدود" الذين عالجوه نفسياً لأنه كان في حالة انهيار عصبي، ويروي ناصر رحلة العلاج الماراثونية التي أمضاها مع هذه المنظمة قائلاً (في إحدى الجلسات كان ظهري يؤلمني، لم أستطع إكمال الجلسة أخذوني إلى دكتور وصف لي دواء وطلب مني أن أراجعه بعد شهر، وأن أنام على ظهري خلال هذه الفترة، وبعد شهر راجعته فلم أستفد شيئاً، إذ وصف لي دواء حقن كل يوم أبره لمدة 15 يوما مع النوم على ظهري مجدداً، وراجعته بعد 15 يوما، ولم أستفد أيضاً بالعكس صار الوجع أكتر وصرت أتضايق كثيراً من أي حركة، وبعد ما أخذت الإبر وراجعته وقلت له بأن ظهري يؤلمني كتيراً حولني إلى مشفى (سان جورج) باسطنبول، وعندما ذهبت إلى المشفى المذكور طلبوا لي صورة "طبقي محوري" لظهري، (علماً أن هذا العلاج كله على حساب منظمة أطباء بلا حدود)، وعندما أخذت الصورة للدكتورة قالت لي (لازم يشوفك مختص بالأعصاب).
وكان ذلك في الشهر التاسع من عام 2012 وتم تحويلي من قبل المنظمة إلى طبيب مختص في الأعصاب قال لي أنت بحاجة إلى عمل جراحي لترميم الفقرة وإعادتها إلى مكانها ووضع جهاز تثبيت بلاتين للفقرات وأن تكلفة العمليه 12000 دولار ويضيف حسان ناصر: (طلعت عيون موظفي المنظمة بالطول والعرض على المبلغ) وأخذوني إلى دكتور ثان فقال لي الكلام نفسه ثم إلى دكتور ثالث ورابع وكل دكتور منهم كان يصف لي دواء مسكّن فقط، وبقيت على هذه الحال من الشهر التاسع 2012 إلى الشهر السادس 2013، وبعدها قالو لي في"منظمة أطباء بلا حدود " لا نستطيع أن نجري لك العملية لأن تكلفتها كبيرة، وصاروا يتهربون مني وقالوا لي أخيراً إن المركز الرئيسي في أسبانيا لم يوافق على علاجي وإجراء العملية. وهنا فقدت الأمل ولكن أحد أصدقائي أعطاني رقم مسؤول عن علاج الإصابات في الجيش الحر فاتصلت به وشرحت له طبيعة إصابتي فقال لي بأنهم لايعالجون مثل هذه الإصابات، بل فقط المصابين بشظايا أو رصاص فقلت له ساخراً: (بكره بجي لعندك ومقوص حالي برصاصة وبقلك إني تصاوبت بالحرب!).
على أبواب الائتلاف!
ويضيف ناصر وهو يسرد تفاصيل لجوئه إلى طرق الأبواب الموصدة في المجلس الوطني قبل أكثر من عام قائلاً:
قابلت أكثر من مسؤول في "المجلس الوطني" – كما كان يُسمى آنذاك - ومنهم "مهيمن السباعي" و"سمير نشار" وأحدهم لم أعد أذكر اسمه من بيت عكاري في مكاتبهم باسطنبول وكانوا هم المسؤولون عن الدعم المالي ولم يردوا عليّ، ومهيمن السباعي بالذات اتصلت به أكثر من ثلاث مرات، وفي كل مرة كان يعطيني موعداً فأذهب حسب الوعد، وأفاجأ بأنه لم يأت، وعندما أتصل به لا يرد علي،.وتوصلت للدكتور "مصطفى الحاج حامد مسؤول المكتب الطبي في المجلس الوطني الذي أرسلني بعد اتصالات عدة معه إلى دكتور يعمل في المكتب الصحي للمجلس، فعاين إصابتي ورأى الصور وأخذ رقم جوالي قائلاً لي: (عندما نجتمع في المجلس سنعرض وضعك) وعدت للاتصال بالدكتور "مصطفى" فحولني ثانية إلى المكتب الصحي وعندها قالوا لي نحن هنا في اسطنبول لا نستطيع معالجتك (روح على الحدود منعالجك هنيك) فقلت لهم معي عائلتي ولا أستطيع تركهم في اسطنبول ولكنني رضخت للأمر وقلت لهم أذهب إلى الحدود ولكن ليس لدي مال فقالوا لي: (دبر حالك ووقت بتكون جاهز حاكينا) وللأمانة أذكر هنا أن الدكتور مصطفى وقبل أن يكون رئيساً للمكتب الصحي في المجلس الوطني ساعدني بتأمين منامة مجانية في سكن طلابي باسطنبول عندما كنت أبحث عن عمل.
أعيش في قبو تحت الأرض!
ولأن ظلم ذوي القربى أشد مضاضة من وقع السيف المهند كما يقول الشاعر لجأ حسان ناصر إلى مشفى تركي وافقت إدارته على علاجه مجاناً ولكن فرحته لم تكتمل إذ واجهته مواقف وعراقيل لم تكن في الحسبان يقول:
منذ رمضان الماضي وأنا أعالج في مشفى (بزمي عالم) في اسطنبول حيث أعادوا علاجي من جديد وطلبوا إجراء صورة لظهري وأُعطيت موعداً لشهرين، وهنا كانت المهزلة، فالدكتور طلب بالخطأ صورة لرقبتي ولم أكن أعرف ما هو مكتوب في الطلب لأنه كان باللغة التركية، وبعد انتظار شهرين ذهبت إلى موعد الصورة فقال لي المسؤول إن الصوره للرقبة وهنا صعقت (ماعدت عرفت شوبدي أساوي) وقلت للمختص من خلال المترجم: (بدي أصور ظهري والعلاج مشان ظهري)، فقال المختص طلب الصورة للرقبة وليس للظهر وأضاف:(يا إما بتصور رقبتك يا أما بتلغي الصورة وبتروح لعند الدكتور بتقله) وكان لدي آلام في الرقبة فصورت رقبتي وفوجئت بأن لدي (ديسك رقبي) وعندما عدت إلى الدكتور ورأى الصورة راح يحمّلني المسؤولية قائلاً لي أنت طلبت صورة للرقبة، وحينها قلت له جئت إليك لأعالج رقبتي ومعي صورة طبق محوري، وبعد أن شاهد الصور حولني إلى مركز للمعالجة الفيزيائية وبقيت حوالي الشهر دون فائدة.
وبردف حسان ناصر قائلاً: (الآن حلّ موعد مراجعة الجرّاح ولكنني أبحث عن مترجم يرافقني ففي البداية كان لدي نقود وكنت أستأجر مترجماً يذهب معي أينما ذهبت، ولكن الأوضاع تغيرت كثيراً الآن، وأموري المادية سيئة للغاية (يادوب عم دبّر حالي بالأكل). وأسكن في قبو تحت الأرض وأولادي الأربعة وأكبرهم في الثانية عشرة من عمره وضعهم الصحي مأساوي من الرطوبة وعدم دخول الشمس والهواء إلى منزلي وابنتي الرضيعة زين الشام- 6 أشهر دائمة الإصابة بالرشح والسعال وابنتي ذات الـ 4 سنوات تقول لي أشعر بألم دائم في رأسي وقدمي ولي ابنة وقعت من ارتفاع 3 أمتار ونجت من الموت بإرادة الله.
فارس الرفاعي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية