فرض واقع الثورة على المشهد السوري العديد من التشكيلات والهيئات والتجمعات على مختلف الأصعدة العسكرية والسياسية والإعلامية والقانونية وغيرها.
ولأن الحالة القانونية تمثل العصب الرئيسي في مسيرة أي مجتمع، فقد نشأت عدة هيئات قضائية في المناطق المحررة بعدما فُرضت عليها العسكرة والفوضى، وفي ذلك ضرورة ليس لإيجاد الحد الأدنى من تنظيم الحياة الاجتماعية المشوبة بفوضى العسكرة المفروضة وحسب، وإنما لاعتبارات كثيرة، قد يكون أهمها بزوغ مقدمات ترسم ملامح سوريا المستقبل من خلال الإجابة على سؤال مازال يحير الداخل والخارج عن ماهية الحكم وشكل سوريا ما بعد الأسد.
ذلك السؤال الذي يفرض نفسه في معظم الأحاديث عن مستقبل سوريا طرحته "زمان الوصل" على أمين السر ورئيس لجنة العلاقات العامة والخارجية في مجلس القضاء السوري الحر القاضي "عبد الحي الطويل" في لقاء حاولت فيه تسليط الضوء على أحد الهيئات القضائية التي أفرزتها ضرورات ما بعد الثورة.
*الشعب يريد
يختصر الطويل الذي ختم مسيرته القضائية مع النظام بمنصب قاضي التحقيق في "تدمر" قبل انشقاقه -يختصر- الإجابة موضحا أن التشريع ليس من المهمات الأصيلة للقضاء، وإنما هو من اختصاص الهيئات والمجالس المنبثقة عن الإرادة الشعبية وإن كان للقضاء دور ثانوي في التشريع من خلال تفسير النصوص القانونية في معرض تطبيقها.
ويكشف رئيس لجنة العلاقات العامة والخارجية في مجلس القضاء السوري الحر عن رؤية الأخير في هذا المجال قائلا إن القوانين الواجبة التطبيق هي القوانين التي يتوافق عليها أبناء الشعب السوري، بما لا يخالف أحكام الشريعة الإسلامية ولا يتعارض معها.
ويشير إلى أن المجلس مهتم بالدراسات القانونية والدستورية التي من شأنها إغناء تراثنا التشريعي والحقوقي، مُرحِّبا بكافة الهيئات والمنظمات المعنية بهذا الشأن.
وأوضح أمين السر أن المجلس شارك في العديد من المؤتمرات والدورات التي أقيمت لهذا الغرض، وتقدم بأوراق عمل كان لها دور مهم في بلورة بعض المبادئ والأفكار التي من شأنها أن تشكل أساسا صالحا للبناء عليه.
وبحسب القاضي عبد الحي، فإن المجلس يعتبر أن أعمال التحقيق في جرائم النظام ضد أبناء الشعب وتوثيقها هي من أولى مهماته، وكشف عن إحداث لجنةً في إدارة المجلس للتحقيق والتوثيق تشرف على عمل 15 مكتباً افتتحها في المناطق المحررة تقوم بهذه الأعمال وترفع تقارير شهرية مشفوعةً بالوثائق تحفظ في مقر المجلس.
* ماهية المجلس
يعرّف أمين السر مجلس القضاء السوري الحر على أنه "أحد المفاصل الأساسية في العمل الثوري السوري، وهو يضم كافة القضاة المنشقين عن النظام السوري من مدنيين وعسكريين وقضاة عقاريين وقضاة مجلس الدولة أو ما يعرف بالقضاء الإداري والذين كانوا على رأس عملهم قبل الانشقاق ويعمل المجلس بموجب نظام داخلي أقرّته الهيئة العامة، وقد استلهم هذا النظام روحه وأحكامه من الأهداف النبيلة التي خرج لأجلها أبناء شعبنا الأبي وأهمها الحرية والكرامة وقدسية المعتقد والولاء للوطن".
واستعرض مفاصل وتفاصيل الهيكل التنظيمي في المجلس الذي يتألف من الهيئة العامة وتمثل مجموع الأعضاء المنضمين للمجلس بتاريخ انعقادها، ومن أهم صلاحياتها إقرار وتعديل النظام الداخلي وانتخاب مجلس إدارة المجلس، ومناقشة السياسة العامة والتصدي لكافة القرارات المصيرية المتعلقة بالعمل القضائي حاليا، ومستقبلا إضافة إلى الهيئة العامة هناك الهيئة العليا للقضاء، وتضم أقدم خمسة قضاة منشقين يناط بها مهمة رسم السياسة العامة للمجلس والإشراف والمراقبة على حسن تطبيق النظام الداخلي، كما أنها مخولة بالفصل في النزاعات القائمة بين إدارة المجلس والغير، من حيث إنها تشكل مرجعا للطعن ببعض قرارات مجلس الإدارة، كما وأنها تراقب وتشرف على أداء المحاكم التابعة للمجلس.
ويضيف الطويل أن رئيس الهيئة العليا للقضاء يعتبر نائبا عاما في المجلس الذي يديره مجلس إدارة قوامه 11 عضواً تنتخبهم الهيئة العامة بالاقتراع الحر المباشر، ويتولى هذا المجلس تنفيذ السياسة العامة وتنفيذ كافة القرارات الصادرة عن الهيئة العامة.
كما يتولى مجلس الإدارة مهمة وضع الخطط الفنية والمالية والإدارية والإعلامية التي من شأنها النهوض بالعمل القضائي مرحليا واستراتيجيا وذلك من خلال اللجان الفرعية التابعة لمجلس الإدارة والتي يناط بكل عضو رئاسة إحدى هذه اللجان، ويشرف مجلس الإدارة بشكل مباشر على كافة أعمال التحقيق والتوثيق التي يقوم بها القضاة المنشقون في الجرائم التي يرتكبها النظام بحق السوريين.
ويكشف القاضي عبد الحي الطويل أن المجلس من 1-ثلاث لجان للتواصل مع القوى الثورية والمجالس القضائية في الداخل، 2-لجنة العلاقات العامة والخارجية، 3-لجنة التحقيق والتوثيق، 4-لجنة الدراسات الدستورية والقانونية، 5-اللجنة المالية، 6-لجنة العدالة الانتقالية وحقوق الإنسان.
وينتخب مجلس الإدارة رئيسا ونائبا للرئيس وأمينا للسر من بين أعضائه.
* علاقته مع باقي الهيئات
وحول علاقة المجلس مع الهيئات والتشكيلات القضائية والشرعية يقول رئيس لجنة العلاقات العامة والخارجية إن المجلس وباعتباره أحد مكونات الثورة السورية وجزءا لا يتجزأ من حراكها المشروع فإنه ينظر إلى الواقع القضائي السوري في مرحلة قيام الثورة بشكل واقعي ويتعاطى مع هذا الواقع يإيجابية وعلمية.
ويرى أن ما نشأ من مجالس قضائية وهيئات حقوقية تتولى العمل القضائي في المناطق المحررة عقب انسحاب أجهزة النظام منها تشكل حالة ضرورة يجب التعامل معها لتصحيح اعوجاج هنا وضعف هناك، مؤكدا ضرورة إكساب هذه المجالس والهيئات الخبرة الكافية للقيام بعملها بالشكل الذي يجعلها تسد الثغرة الحاصلة بالشكل الأمثل، بما يضمن تحقيق العدالة وسهولة الوصول لهذا الهدف.
ويضيف "إننا انطلاقا من ذلك، ولأن مجلسنا يتفق مع هذه الهيئات والمجالس في الهدف وإن كان هناك بعض الخلاف البسيط في الرؤية فلقد باشرنا التواصل مع تلك الجهات ودخلنا في حوار ونقاش معمق معها لتحديد الخطوط الرئيسية والخطوات العملية لتحقيق تعاون بنّاء الأمر الذي أثمر في بعض المواقع اتفاقا على العمل المشترك بين مجلسنا وهذه الهيئات يعمل فيه القاضي المنشق جنبا إلى جنب مع قاضي الضرورة، وذلك ضمن آليات عمل متفق عليها تكفل إنجاز المهمات المنوطة بالقضاء بشكل يتناسب مع ضروريات المرحلة الصعبة التي تمر بها سوريا".
* لَبِنة أساسية
ويتطلع مجلس القضاء السوري الحر المستقل -بحسب أمين سره- إلى أن يكون اللبِنة الأساسية لمجلس أعلى للهيئات القضائية في سوريا المستقبل انطلاقا من إيمانه العميق بمبدأ الفصل بين السلطات وعقيدته الراسخة بمبدأ استقلال القضاء بما يكفل بناء مؤسسة قضائية حرة لا سلطان عليها إلا لله، مذكّرا بأن ولاءها لشريعة الله وحق السوريين في أن يسود في ربوعهم العدل والسلام.
ويوضح الطويل بأن افتراس النظام للسلطة القضائية وتشتيته مرجعياتها لإدخالها في دهاليز سياساته العفنة، وممارسته بإلحاق القضاء العادي لوزارة العدل والقضاء العسكري لوزارة الدفاع والقضاء العقاري لوزارة الزراعة والإداري لمجلس الوزراء، كل ذلك حتّم على مجلس القضاء السوري الحر المستقل الحرص على أن تكون لكافة هذه الهيئات القضائية مرجعية واحدة مستقلة استقلالاً تاماً تمثل السلطة القضائية وقد أرسى هذا المبدأ في أبجدياته العملية والنظرية.
وكشف القاضي عبد الحي أن المجلس يحرّم على أعضائه الاشتغال بالسياسة وإبداء الميول السياسية، مبينا أن القضاء هو الضامن الرئيس للعمل السياسي الحر للأفراد والجماعات، إلا أن مجلس القضاء السوري الحر المستقل يرى أن العمل القضائي يتنافى مع السياسة بالنسبة لأعضائه.
ونفى أمين سر مجلس القضاء السوري الحر المستقل الحصول على أي دعم مادي غير وطني، كاشفا عن عروض تلقاها للدعم من عدد من المؤسسات والهيئات الأجنبية، "إلاّ أنه رفض ذلك وبشكل مطلق".
ولفت إلى أن دعمه المادي وطني خالص تقدمه مشكورة مؤسسة "أورينت للأعمال الخيرية والإنسانية"، وهي إحدى مجموعات رجل الأعمال السوري غسان عبود، مؤكدا أن هذا الدعم غير مشروط، وأن المؤسسة المذكورة، لافتا إلى أن مالكها لاتتدخل إطلاقاً بأي عمل من أعمال المجلس ولا تمارس أي دور يمكن من خلاله المساس بقدسية العمل القضائي وحياديته.
وختم القاضي عبد الحي الطويل بالتعبير عن إيمان مجلس القضاء السوري الحر المستقل بالشفافية كإحدى أهم سمات العمل الثوري وبالنقد البنّاء والمراجعة الدائمة للمبادئ والأفكار لإغناء المسيرة وترسيخ القيم الأصيلة التي خرج لأجلها الثوار، وانطلاقاً من ذلك وجّه دعوة إلى كافة المهتمين بالشأن القانوني والعاملين بالمجال القضائي والحقوقي للتواصل من أجل رفد المجلس بما لديهم من دراسات وأفكار وآراء يمكن أن تقوّم للمجلس "اعوجاجاً لم نره أو خطأً لم نشعر به فصدورنا رحبةٌ لكل نقد وعقولنا منفتحةٌ على الجميع وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون".
عاصي بن الميماس - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية