أبو بلال مجاهد مسن من ريف دمشق تجاوز العقد السابع من عمره يحمل في داخله عنفوان الشباب وعنوان الكبرياء، كل ثنية في وجهه المتغضّن تحمل قصة معاناة.
و"رحلة طويلة بطلها الزمان ونديمها ألم المكان" كان من أوائل حَمَلَة السلاح في وجه النظام في ريف دمشق وأبى أن يتخلى عنه رغم أن أبناءه جميعهم منخرطون في الثورة.
الناشط "طراد الزهوري" الذي أنجز عن العم "أبو بلال" فيلماً وثائقياً قصيراً يرصد رحلة معاناته وحياته وبدايات التحاقه بالثورة يتحدث لـ "زمان الوصل"عن بداية معرفته به قائلاً:
في ظل مكوثي لوقت قليل بريف دمشق قابلت هذا الرجل عن طريق الصدفة وضمن أحد المعارك، فعرفت أنه يلقب بأبي بلال وهو معروف لدى سكان منطقته هناك بطيبة قلبه وصرامته وقت الجد. لديه عدة أولاد شبان والجميع مجاهدون من حاملي السلاح، كنت أراه كل يوم يتجول متنكّباً سلاحه في منطقته وكأنه حارسها، وكان يبدو نشيطاً كالشباب مع أن عمره ناهز السبعين عاماً، وعندما كنت أسأله عن عمره كان يضحك ويقول لي: "لقد تجاوزت السبعين ولكنني بهمة العشرين".
ويضيف الزهوري: لم أشاهد العم "أبو بلال" يوماً دون بندقيته، سألته ذات مرة أثناء تجوالي معه في المنطقة: "يا عم لماذا تحمل هذا السلاح، ألا يكفي أن أولادك مجاهدون أما آن لك أن ترتاح في مثل هذا السن؟" فأجابني وكأنني قد تهورت في سؤالي: "يا بني والله لن يهدأ لي بال ولن أرتاح طالما هذا السفاح ينهش لحم أولادنا ويقتل ويغتصب نساءنا، كيف لي أن أهدأ وشبيحته لم يتركوا لنا فرصة لحياة كريمة".
ويردف الناشط الزهوري بتأثر: "كان جوابه كالسيف وكأن طلقات الرصاص تخرج من فمه، وعندما كنت أكلمه وهو يقوم بحشو بندقيته بالرصاص قال لي: " إما أن تكون هذه الرصاصات في صدر كل ظالم وشبيح أو فلتكن في صدري" وأشار لصدره الذي تزينه لحية طويلة أخذت من قاسيون بياضها، وأوضح كلامه قائلاً: (يا ابني الموت ولا المذلة). ويستطرد الناشط الزهوري وهو يصف معنويات المجاهد "أبو بلال" في القتال: "في الحقيقة لا أعلم كيف أصف إقدامه على الجهاد، فهو ثائر بكل معنى الكلمة، وكلما كنت أذهب إلى أي معركة من أجل تصوير أحداثها كنت أراه في المقدمة حاملاً سلاحه ومنتظراً المواجهة، وبصراحة فأبو بلال مقدام في الجهاد، محب لبقية الثوار وكأنه الأب الحنون لهم.
لن تنجوا بفعلتكم !
وحول تفاصيل التحاقه بالثورة وفيما إذا فقد أحداً من أبنائه أو أقاربه يقول الناشط طراد الزهوري:
من خلال حديثي معه ذكر لي أنه التحق بصفوف الثورة منذ بدايتها وفي الوقت الذي كان الشعب ينادي بسلمية هذه الثورة، وأذكر أنه قال لي بالحرف الواحد: "هادا النظام ما بيروح إلا بالسلاح".
مع أن الثورة كانت سلمية كما ذكرت وعلمت منه أنه كان من أوائل من حمل السلاح، أمضى سبعة عقود ينتظر الثورة، واللحظة التي يتسنى له فيها أن يحمل سلاح الحق ضد شرذمة كيان الدمار والقهر والاستعمار والفساد!! لحظة يقف بها شامخ الهمة وهو يقول: "لا لن تنجوا بفعلتكم وسوريا لنا ليست وكراً أو مطية لعصابات مزروعة في غير أهلها".
ويضيف الزهوري متحدثا عن أبي بلال الذي لم يثنِه سنه عن الجهاد بالرغم من سوء الاحوال الجوية والبرد والشتاء، مؤكدا أن إيمانا ويقينا تسلح بهما ليقارع الخطب حتى لا يسبقه أحد.
ويتابع الزهوري: لا أدري إن كان قد فقد أحد أقربائه ولكن ما أعرفه أن أحد أحفاده كان يرافقه في تجواله وكان يساعده في تذخير سلاحه.
وحول تفسيره لمشاركة كبار السن في الثورة السورية يقول الزهوري: "طبعا هذا شي يفتخر فيه الشعب السوري ويمثل درساً للشبان الذين يقبعون في الخارج وينظّرون للثورة على "فيس بوك" كي يأتوا ويدافعوا عن أرضهم وعرضهم ودينهم.
فارس الرفاعي - زمان الوصل
تعليقات حول الموضوع
لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية