أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

أزمة أنظمة الحكم العروبية ... الحسن أنفلوس


إن من مبادئ المصالحة مع الذات و مع الغير , الاعتراف بحق الأخر في العيش الكريم فكرا وممارسة .وربما تثير لفظة "الأخر = الغير" حنق البعض على اعتبار أنها تشير إلى وجود عنصرين أو طرفين "ذات وغير(أخر)".
و الحقيقة أن هناك ذات واحدة , و المخاطب ( بفتح الخاء)إنما اصطنع لنفسه ذاتا أخرى , أو أنه عزل نفسه عن الغير الذي هو منه أصلا.
ولعل ذلك هروب من الحقيقة نحو ما يمكن اعتباره تقليدا أعمى أو متباهى به لإيديولوجية هشة عقيمة من حيث الفكر والممارسة.
فالذات الواحدة في بلاد تمازغا هي الذات الأمازيغية , بغض النظر عن الوقائع التاريخية والتي تدخل في إطار تلاقح الحضارات وما أفرزته من استقاء بعض السلوكات و العادات والممارسات من الثقافة المتلاقح معها .وما يتوهم أنه ذات ثانية (الذات العربية كذات ذات وجود أصل ,ذات هوية أصل في بلاد تمازغا ) لا وجود لها في الكتابات والبحوث التاريخية , وإنما اصطنعت تنفيذا لمخططات القومية العربية المنشورة والتوسعية على حساب ثقافات وهويات أخرى.
وانسجاما مع موضوع المقال ,فان حق الشعب الأمازيغي في العيش الكريم بكامل مقومات الحياة الإنسانية (لغة,ثقافة,تاريخا,حضارة,وهوية...),يعد العمود الأساس للأنظمة التي تدعي الديمقراطية والحداثة في شمال إفريقيا,إن هي فعلا أرادت أن تقطع مع الماضي الفظيع.
الا أن الملاحظ والمتتبع للشأن الديمقراطي لما يسمى جزافا "بالعالم العربي"وبالخصوص"المغرب العربي" , لا شك سيخلص الى مدى المفارقة الكبيرة بين التوجه الرسمي للحكم ,وحقيقة كينونة الشعوب بهذه المنطقة ودلك لاعتبارات متعددة سنحاول أن نبرز البعض منها هنا.
أشرنا في السابق أن الإيديولوجية العروبية ذات سمة العقم والهزال في التكوين السياسي , وهده السمة شملت مستويين : مستوى الفكر ومستوى الممارسة السياسيين, وحين تكون الأزمة لدى المتبوع لابد وأن تكون لدى التابع , اد من المسلمات تأثر التابع بأحوال ومتغيرات المتبوع.
فالتوجه الرسمي لأنظمة الحكم بالمغرب الكبير توجه عروبي قومي لا ديمقراطي وتقليداني , وحتى تتضح حقيقة هذا التوجه لابد من الوقوف عند السمات المميزة لهده الأنظمة .
فسمة العروبة والقومية:
تنطلق من كون شعوب المغرب الكبير عربا من الجزيرة العربية , سكنوا المنطقة من منطق أن العرب عرفوا الهجرة وأنهم من دم العرب ولغتهم لغة عربية وتاريخهم تاريخ عربي , وأن لا وجود لإنسان أخر غير الإنسان العربي وان اللغات الأخرى والثقافات الأخرى الأصل فيها عربي ونشأتها ذات علاقة بالتغييرات التاريخية والاجتماعية...كما تنطلق من إحلال القومية العربية محل الدين وعليه فكل مسلم عربي بالفطرة بدعوى أن الدين دين العرب , والرسول رسول العرب , واللغة لغة العرب "نسبة كل ما هو إسلامي إلى العربي (الحضارة العربية الإسلامية, الثقافة العربية الإسلامية...)واعتماد الأفضلية العرقية "أفضلية العربي على غير العربي" وفي الحضارة الإسلامية ما هو عربي وغير العربي (الفارسي, الأمازيغي, الكردي...).وتنطلق أيضا من الوحدة العربية ( وحدة اللغة-والتاريخ المشترك- والثقافة, وحدة الأرض والهوية.
فعلى مستوى وحدة اللغة :
تؤمن القومية العربية بضرورة سيادة اللغة العربية دون غيرها ويتجلى دلك في كل دساتير الأنظمة العربية وغير العربية الحاملة لإيديولوجية القومية العربية , حيث تنص على أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية وغيرها من اللغات يصنف ضمن اللهجات كما تضع شعوب هذه الدول العربية وغير العربية ضمن جزء مما يسمى تجاوزا "بالعالم العربي" بالإضافة إلى بعض الأصوات التي بالغت في ربط العربي بالإسلامي وقالت بقدسية اللغة العربية في منزلة قدسية القرآن بما أنه نازل بها.إلا الواقع يكذب هده المزاعم خصوصا بشمال إفريقيا والنطاق الكردي... اد أكدت أخر الدراسات اللسانية والبحوث التاريخية أن اللغة الأمازيغية لغة مستقلة بذاتها ولها تاريخ عريق( اللغة العربية من أصل سامي ,واللغة الأمازيغية من أصل حامي ).وكدا الشئ نفسه بالنسبة للتاريخ والثقافة على اعتبار أن التاريخ والثقافة أنتج باللغة العربية وبالتالي فهو عربي بناء على أن اللغة العربية إناء حاو لجملة التفاعلات الحضارية والثقافية والتاريخية للإنسان العربي , ناسين أو متناسين أن الثقافة العربية نفسها تخللتها ثقافات غير عربية أنتجت باللغة العربية نفسها تعبيرا من هده الثقافات على أنها غير عربية"كتابات ابن المقفع..." , وحينما سئل كاتب ياسين لما تكتب باللغة الفرنسية ,أجاب قائلا "لأقول أنني لست فرنسيا".ثم مادا عن الأدب والثقافة الفارسية , والأمازيغية والكردية ,التي أنتجت بلغاتها الأصل.
وعلى مستوى وحدة الأرض و الهوية :
تقوم القومية العربية على أن الرقعة الجغرافية الممتدة من "الخليج إلى المحيط" أرض عربية لا جدال فيها , وبالتالي يجب توحيدها على أسس القومية العربية والتي ذكرت من قبل بالإضافة إلى عامل الإنسان وعامل الهوية ,أي توحيد الهوية في هده الرقعة على أنها عربية وأن الإنسان إنسان عربي و لا وجود لغيره. إلا أن المفارقة الغريبة هي أن فعل التوحيد لمصدره "الوحدة" لا يكون إلا بعد الشتات وعليه فان دعاة توحيد الأرض "العربية" يؤمنون بشتات الشعب العربي . والحقيقة أن الشعب العربي لا يعاني شتات, وإنما منتظم في إطار دول و أقطار على مقاس الاستعمار الغربي(بريطانيا خاصة وفرنسا)بتواطؤ مع زعماء العرب أنداك.هدا وتؤكد الدراسات الأركيولوجية والبحوث الأنثروبولوجية والتاريخية على أن شمال إفريقيا عرف ثقافة غير الثقافة العربية ولغة غير العربية , وممارسات وعادات اجتماعية ونظمية تنظيمية غير نظم وتنظيمات العرب , وأن العادات والممارسات الدخيلة على الثقافة الأمازيغية بشمال إفريقيا كانت وليدة انفتاح الثقافة الأمازيغية على مختلف الثقافات ( رومانية , وندالية,عربية...)ولم تكن ذات جدر أصل في التكوين الثقافي والحضاري لسكان شمال إفريقيا . وبالتالي فان أي دعوة إلى إلحاق الشعب الأمازيغي وثقافته وحضارته بشعب أخر وثقافته وحضارته يعد إبادة لشعب وثقافة وحضارة , وهي بهدا المنظور بمثابة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد وهي جريمة يعاقب عليها القانون بالسجن مدى الحياة "سجن دعوة إلحاق الشعب الأمازيغي ... بالشعب العربي...".
أما سمة اللاديمقراطية والتقليدانية:
فتتجلى في سيادة أنظمة لا تحتكم إلى مبادئ الحكم الديمقراطي المبني أساسا على تمثيلية الشعب المنبثقة من اختيار الشعب نفسه بكل نزاهة ومصداقية , واستمرار تركز الحكم في حاشيات لعقود طويلة -نموذج الجمهوريات- والخلط بين مختلف السلطات"التشريعية , التنفيذية ..." أي أن الحكم لا يخدم إلا نفسه , ولا يعمل إلا من أجل حماية نفسه "نظام حماية دو ماركة مسجلة , منتوج محلي" مما يجعله حكما شبيها بالحكم الإقطاعي الفيودالي السائد في أوروبا في القرون الوسطى , وتصبح الأنظمة العربية والمستعربة منها تعيش قرونها الوسطى في زي الألفية الثالثة , متقنعة بكل أنواع الشعارات الرنانة , ليجد الشعب نفسه في كف عفريت تتنازعه المصالح الإقطاعية المتواطئة مع أباطرة بيع القرارات والمخططات . إن نظم الحكم بشمال إفريقيا و"الوطن العربي" تأخذ الديمقراطية بالمفهوم الوصفي -على حد تعبير سليم اللغماني - و الذي يقتصر على كيفية الارتقاء إلى السلطة وممارستها ( من المنظور المادي المحض, ألاعيب الانتخابات والتمثيليات), دون المفهوم القيمي ,أي القيمة المفروض على السلطة العمل بكل تفان لتحقيقها خدمة لرقي الشعب وتطوره , ونيل رضاه يضيف اللغماني.
والملاحظ سيجد أن الأنظمة العربية والمستعربة أخذت الديمقراطية على أنها امتلاك للحقيقة والشرعية , ولم تأخذها على أنها تعبير عن حق الإنسان في تقرير مصير أو أنها إعادة أنسنة الإنسان بالمفهوم الحداثي , وبالتالي تسقط في فخ الاستبداد الديمقراطي أو الديكتاتورية الشرعية , من باب الوهم أو التوهم.

الحقيقة أن أنظمة الحكم بما يسمى "بالعالم العربي " عامة و"المغرب العربي " خاصة , ليست أنظمة ديمقراطية و لا حداثية البتة , وان كانت قد سنت قوانين لضبط العلاقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية بين مختلف فئات ومكونات الشعوب , إلا أنها تبقى رهينة الرفوف والوثائق .وعلى العموم فان ثقافة الديمقراطية والحداثة بالمفهوم القيمي ( القيمة الجوهرية ) ما زالت تعاني فقرا نظريا على مستوى الفكر والممارسة لدى أنظمة الحكم العربية و المستعربة وحتى شعوبها.

أن اعتماد مسار القطيعة مع المشاريع التي يرفعها الشعب ويدافع عنها , من طرف السلطة ,وبالتالي القطيعة مع الشعب لمن الأمور التي تجعل السلطة معزولة منعزلة عن الواقع الحقيقي الذي تعيشه وبالتالي تؤزم نفسها بنفسها أو بقولة أخرى لأحدهم "السلطان هو الذي قتل السلطان" . وحتى نحفظ للشعب الأمازيغي وجوده التاريخي والشرعي والحضاري ... بشمال إفريقيا عموما وبالمغرب خصوصا لابد وأن نعمل وبكل الوسائل على صيانة الحقوق التاريخية والشرعية لايمازيغن , كمجتمع وكشعب , بغض النظر عن توجه السلطة على اعتبار أنها تتعامل مع القضية الأمازيغية كجسم غريب , ودورها هو إيجاد "مضاد أجنات" مضاد حيوي "التوجه القومي العروبي" للتصدي لهدا الجسم الغريب من منظورها.


هوامش:
1) حمادي الصفي , مقال : الدولة والحرية ( قراءة في الفكر السياسي العربي الحديث ),م .مقدمات, ص 17/18/19/20/21 .عدد 5 , شتاء 1996 .
2) عبد الوهاب معلمي , مقال : السبيل إلى الحداثة , م.مقدمات ,ص 5/6/7/8/9/10/11 , عدد 5 ,شتاء 1996 .
3) محمد شفيق , نشأة القومية العربية,ص 82/83/84/85 .

(119)    هل أعجبتك المقالة (109)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي