أدخل كلمات البحث واضغط على إدخال.

"جنيف 2".. المسكوت عنه أقوى من المنصوص عليه

في رسالته التي نشرتها "زمان الوصل"، يطمئن الأمين العام للأمم المتحدة "بان كي مون" رئيس الائتلاف الوطني "أحمد الجربا" إلى أن "اتفاق السلام" المرتقب أن يتمخض عنه جنيف 2، قد تم تحديد خطوطه العريضة في بيان "جنيف 1"، الذي صدر في 30 حزيران 2012، والذي دعم بقرار 2118 الصادر عن مجلس الأمن بالإجماع.

كما يطمئن "كي مون" إلى أن "جنيف2" يهدف إلى "مساعدة الأطراف في سوريا على إنهاء العنف، والتوصل إلى اتفاق شامل بشأن تسوية سياسية، تتضمن تطبيقا كاملا لبيان جنيف1، مع حفظ السيادة والاستقلال، ووحدة وسلامة الأراضي السورية".

ولكن هذه الطمأنة في جوهرها هي التي ينبغي -من وجهة نظرنا- أن تسبب القلق، فبيان "جنيف1"، الذي يبجله "كي مون" ويتحدث عنه كـ"آية" محكمة لها معنى واحد لا يقبل تأويلات أو فهما مختلفا، هو نفسه البيان الذي تنازعت واشنطن وموسكو على تأويله بعيد توقيعهما عليه مباشرة، بل وتنكافتا طويلا حول مسألة: "هل الأسد جزء من الهيئة الانتقالية الحاكمة أم لا؟"، قبل أن يضرب بشار كيماويه على الغوطة، ويبّوس الأمريكي جون كيري "شوارب" نظيره الروسي لافروف (رغم أن لاشوارب لهما!)، ويتفقا على تمديد عمر نظام بشار عبر صفقة تسليم الكيماوي.

نذكّر بهذا الموقف فقط، لنبين أن "النص المقدس" المتمثل في "جنيف1" والذي يحاول "كي مون" أن "يغوي" الاتئلاف به، خضع لتأويلات متناقضة قبل أن يجف حبر الموقعين عليه، ومن غير المستبعد نهائيا أن تعود هذه التأويلات المتضاربة للظهور بعيد انفضاض "جنيف2"، بل إن هذا التضارب كان وما يزال الأصل في السياسة الدولية المتبعة تجاه الأزمة السورية، والتي تداخلت فيها المصالح والخصومات بشكل غير مسبوق، إن على مستوى تقاطع الأعداء أو اشتباك الحلفاء!

لقد أثبت "جنيف1" أن "المسكوت عنه" في أي بيان يبقى أخطر من "المنصوص عليه"! وهذا ما ينطبق على تجنب التعرض لمصير بشار الأسد بنص واضح في "جنيف1"، بذريعة أنه نقطة إشكالية كبرى ولا داعي لإثارتها سلبا أو إيجابا.. وعلى الائتلاف أن يكون مستعدا وبشكل جدي لتوافق دولي آخر في "جنيف2" يسكت عن مصير بشار من جديد، ويوجد مناخا يطالب بـ"جنيف3" للنطق بما تم السكوت عنه.

ولكن لنفترض جدلا أن جنيف2 سيمر بسلام، ولننح جانبا أي توقعات بظهور تفسيرات مختلفة لما سينتج عنه، ولنناقش المسألة من منظور ما هو قائم فعلا، وليس من منظور ما هو متوقع.

لقد أكد "كي مون" في رسالة الدعوة إلى "جنيف2" أن أساس هذا المؤتمر هو "بيان "مجموعة العمل الخاصة بسوريا الصادر في 30 حزيران 2012"، والذي عرف فيما بعد ببيان "جنيف"، قبل أن تعاد تسيمته بـ"جنيف1"، من باب التحضير النفسي لتقبل "جنيف2".

إذن هناك، وحسب "كي مون"، نص ثابت مدون، هو المرجع الأساسي لـ"جنيف 2"، ولكن "الثابت" أن بيان "جنيف1" -كأي بيان سياسي في العالم- لايخلو من تفاصيل تكمن فيها عشرات "الشياطين"، التي ستقفز في وجه المتحلقين حول طاولة "جنيف2"، حالما يقررون العودة إلى "جنيف1" في أي نقاط خلافية.. وما أكثرها!
إن أول وأهم ما يخطر في البال هو أن الأمم المتحدة قررت دعوة الائتلاف لمفاوضات تستند على "جنيف1" وتسترشد به أولا وأخيرا، ومن بنود "جنيف1" الحساسة، أن على جميع الأطراف "التخلي عن العنف المسلح بجميع أشكاله"، وأن على "الحكومة ومجموعات المعارضة المسلحة" تنفيذ هذا البند، بالتعاون الأمم المتحدة.. فما هي الجدوى الحقيقية لدعوة "الائتلاف" كفصيل سياسي ليس له أي تأثير فعلي في قرار "المجموعات المسلحة"؟، خاصة وأن معظم هذه "المجموعات" سبق وأعلنت رفضها المطلق لـ"جنيف2" وأنها "غير معنية به" وبالتالي فهي غير ملزمة بما يصدر عنه، وخاصة أن هذا الرفض ليس حكرا على التنظيمات التي تصنف في خانة "الفصائل المتشددة" مثل تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" و"جبهة النصرة"، بل يمتد للجسم العسكري الأضخم في الثورة السورية، ونعني به "الجبهة الإسلامية" التي كان من آخر مواقفها إعلانها العزم على وضع المشاركين في جنيف 2 على قائمة المطلوبين، في موقف يتجاوز رفض المشاركة الذاتية، ليصل حد رفض مشاركة الغير.

فعلى أي "المجموعات المسلحة" سيفرض الائتلاف قراره بـ"وقف العنف المسلح".. على المجموعات التي تعد أعضاء الائتلاف "مرتدين وكفار" وترصد المكافآت لـ"قطف رؤوسهم"، كما هي الحال لدى تنظيم "الدولة"، أم على المجموعات التي "تجرم" فعل المشاركة في "جنيف2"، إلى درجة تجعل منها مسوغا لملاحقة المشارك جنائيا، كما يقول لسان حال "الجبهة الإسلامية" وغيرها من الفصائل؟

لاشك أن الائتلاف رغم كل مساعيه الجادة، لم يتمكن من تشكيل ذراع عسكرية وأمنية ضاربة تخضع لأوامره، وعند هذه النقطة بالذات تثور تساؤلات حول السيناريو المرجح تطبيقه عبر الاستعانة بقوات من خارج سوريا لتفرض ما سيعجز عنه الائتلاف.. ولكن من هي الدول المستعدة لإرسال جنودها للخوض في حرب تتلاطم أمواجها، وبحر من فصائل مسلحة، لا تحكمها قيادة واحدة، ولا حتى توجه واحد، ومن سيتجرأ نظريا على الاقتراب من حقل الألغام السوري، وقد رأى بأم عينه ميلشيات من كل صنف ولون في صفوف النظام، وعاين مؤخرا الاشتباكات الدامية التي وقعت بين فصائل تتشابه مرجعياتها (من الناحية النظرية)، لتضاف إلى سجل الاشتباكات المتواصلة في طول سوريا وعرضها بين النظام ومناوئيه.

ومن النصوص الواضحة في جنيف1، الذي يعد "الأب الشرعي" لمؤتمر جنيف2، أن أي اتفاق سياسي لابد أن يكون "قابلا للتطبيق في مناخ من الأمان للجميع، والاستقرار والهدوء"، وهذا نص منطقي جدا، لكنه في نفس الوقت نص "مفخخ" لأنه سيجعل كل الخطوات مؤجلة بل ومعلقة في انتظار تحقيق الاستقرار والأمن والهدوء، وهو ما لا يراه أشد المتفائلين ممكن التطبيق إلا بعد مرور مدة زمنية طويلة، لأن الاستقرار والهدوء اللذين يتطلبهما تطبيق أي تسوية سياسية، ليسا مرتبطين، حسب رؤيتنا، بتجريد مقاتلي كل الأطراف من السلاح، وسحب الأسلحة الثقيلة وتفكيك الحواجز (وهي كلها عمليات تأخذ وقتا غير قصير)، بل إن الاستقرار مرتبط نوعا ما بإعادة الإعمار، وإعادة تأهيل أولية لمئات البلدات والمدن المدمرة، بوصفها المقدمة لعودة ملايين المهجرين. وأبعد من ذلك فإن الاستقرار الحقيقي مرتبط بـ"استقرار النفوس" وعقد آلاف مجالس المصالحات على مستوى القرى والمدن والمناطق بل وربما الأحياء، لتصفية ما يمكن من "الرواسب"، وليس الاكتفاء كما يروج النظام -ومن يفكرون بنفس عقليته- لمهرجان أو مؤتمر تصالحي عام، لايعدو أن يكون احتفال علاقات عامة، لالتقاط الصور وإطلاق التصريحات عن "الوحدة الوطنية"، وغير ذلك من الألفاظ والمصطلحات التي كان النظام أول من عمد إلى تدميرها ومسخها، بل سحقها تحت بساطير جنوده، وذبحها بسكاكين شبيحته، فلم يعد السبيل لاستعادتها (أي الوحدة الوطنية) متيسرا بخطبة عصماء، أو مناهج دراسية محشوة بألفاظها! 

وحتى في القضايا الأخرى الأقل حساسية، يبدو أن توجيهات الائتلاف لن تكون مطاعة في الداخل السوري بوصفه "الممثل الشرعي للشعب السوري" أو "تطلعاته"، بل لأن هذه التوجيهات لا يمكن لا أحد أن يرفضها أو يتباطأ فيها، لأنها تتعلق بقضايا فتح الممرات للمساعدات الإنسانية، ورفع الحصار، وإخلاء الجرحى، ناهيك عن أنها خطوات "مفيدة" جدا للمناطق الثائرة، فيما يعد تنفيذها بمثابة "تجرع السم" بالنسبة للنظام.. وللحديث بقية بإذن الله.

من البلد


"زمان الوصل" تنفرد بنشر كامل نص دعوة "جنيف2" إلى "الائتلاف الوطني"
2014-01-09
تنفرد "زمان الوصل" بنشر الدعوة المرسلة من أمين عام الأمم المتحدة "بان كي مون" إلى رئيس الائتلاف الوطني أحمد الجربا حول دعوته إلى مؤتمر جنيف2...  وهو ما يثبت دقة "إرسال الدعوة" وموافقة "جزء" من "الائتلاف عليها...، وهو ما...     التفاصيل ..

إيثار عبدالحق - زمان الوصل - خاص
(114)    هل أعجبتك المقالة (110)
التعليقات (0)

تعليقات حول الموضوع

لإرسال تعليق,الرجاء تعبئة الحقول التالية
*يستخدم لمنع الارسال الآلي